الحرب في سوريا مصدر قلق الأردن… أما «داعش» فلا يمثل تهديدا وجوديا

 منذ سيطرة قوات التحالف السني وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على مناطق واسعة في شمال وغربالعراق، ومن ثم احتلال المقاتلين عددا من المدن الحدودية، جرى الحديث عن وضع الأردن من المعادلة الجديدة، فهو من أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة واستقراره مهم للمصالح الأمريكية.

ورغم تأكيد المسؤولين الأردنيين على استقرار البلاد وقدرة الجيش الأردني على مواجهة الأخطار، حيث دفعت الحكومة الأردنية بتعزيزات عسكرية وجنود إلى الحدود مع العراق بعد سيطرة داعش على الرطبة وطريبل القريبة من الحدود مع الأردن وسيطرة التنظيم على معظم الطرق السريعة المؤدية لبغداد والتي تقود لمناطق الأكراد في الشمال والأردن في الغرب.

وتمثل الأزمة الجديدة في العراق تحد للأمن الأردني خاصة أن البلد يحاول التصدي لتبعات الحرب الأهلية السورية المشتعلة منذ أكثر من 3 أعوام وتدفق آلالاف اللاجئين للأردن وبشكل يومي، وبينما تركزت الأزمة السورية على الجانب الإنساني ومراقبة وتسهيل دخول المقاتلين التابعين للمعارضة لمناطق جنوب سوريا ومراقبة الحدود. تمثل الأزمة في العراق تحد من نوع آخر للأردن، ذلك أن هناك عدد كبير من المتطوعين الأردنيين في سوريا وفي صفوف داعش، وهناك تعاطف مع هذا التنظيم خاصة بعد عمليته الحاسمة والسريعة التي أدت لانهيار الجيش العراقي. وظهرت ملامح التعاطف في بعض مناطق الأردن خاصة مدينة معان في الجنوب والتي تشهد منذ فترة توترات بين السكان والقوى الأمنية. والوضع مرتبط أولا بسوريا وثانيا بالأوضاع الإقتصادية ومستويات البطالة بين أبناء المدينة.

تعاطف مع «داعش»

وأشارت صحيفة «فاينشال تايمز» البريطانية أمس الأول إلى حادث رفع علم داعش امام واحد من مساجد المدينة يوم الأربعاء الماضي، حيث صعد رجل إلى سقف المسجد ورفع العلم وسط أصوات إطلاق النار والتصفيق والهتافات التي دعت لإسقاط الملك عبدالله الثاني وإنهاء احتلال معان. وتحدثت الصحيفة عن سير المتظاهرين لمبنى المحكمة ليتراجعوا أمام تقدم قوات مكافحة الشغب. وتعتبر التظاهرة المؤيدة هذه الثانية في غضون إسبوع وتؤشر حسب الصحيفة لتهديد محتمل للأردن الذي يعتبر مفتاح الإستقرار في الشرق الأوسط. وتقول إن الخطر نابع من أيديولوجية داعش حيث وصف أتباع التنظيم الملك عبدالله بـ «الطاغية» ودعوا لإعدامه. وفي خريطة وزعها التنظيم وتظهر الخلافة الإسلامية التي تضم العراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين وحتى الكويت.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أردنيين ومحللين في شؤون الأمن قولهم إن داعش الذي توسع في العراق فوق قدرته لن يكون بإمكانه التقدم نحو الحدود الأردنية الذي تحميها التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة والنصيحة من الإسرائيليين. وهناك أكثر من 1.000 جندي أمريكي مرابطون في الإردن للمساعدة على مواجهة التهديدات القادمة من سوريا. ومع ذلك يخشى المسؤولون من تأثير داعش وتزايد التعاطف معه في داخل المدن الفقيرة مثل معان، أو المدن الحدودية والمخيمات التي يعيش فيها اللاجئين السوريين.

ونقلت عن محمد فرغل من مركز الدراسات الإستراتيجية في عمان قوله «يعاني الأردن من بطالة وفقر وشعور بالإحباط، وتساهم هذه العوامل في خلق تربة خصبة للمتطرفين».
وتقول إن مدينة معان التي تبعد عن المركز ولديها قائمة طويلة من المظالم، ووضعها يوازي المدن العراقية السنية مثل الموصل وتكريت اللتان سقطتا بيد المقاتلين.

وظلت معان مركزا للإضطراب منذ العصر العثماني، وتحولت في الآونة الأخيرة لمركز معاد للملكية تنتشر فيه المشاعر المؤيدة للجهاديين. ويشتكي السكان من استبعادهم من مزايا الدولة وعدم حصولهم على وظائف في شركتي الفوسفات والإسمنت.

وقتل 10 أشخاص على يد الشرطة في العام الماضي، وذلك بحسب السكان والناشطين ومنظمات حقوق الإنسان.

حماة القدس

وتضيف إن بعض سكان المدينة الذين نظموا أنفسهم من خلال التيار السلفي أوالقاعدة عادوا ونظموا أنفسهم تحت راية داعش. ونقلت عن زين الدراويش الذي كان إطلاق النار على شقيقه وراء احتجاج الأربعاء «نحن حماة القدس والتي يعرف الجميع أنها مفتاح الخلافة»، ويصف الدراويش نفسه كمؤيد لداعش. وأضاف «هذا هو رد الشارع، نشاهد توسعا شيعيا ونرى ان الملك ليس قويا بما فيه الكفاية».

وبحسب الدراويش فقد داهم 30 من رجال الشرطة منزل العائلة وكانوا يبحثون عن مهدي المطلوب في قضايا مخدرات مما أدى لمواجهة أدت لمقتل شقيق آخر وهو عارف.

ويقول محمد، شقيق ثان لزين «ننظر لهذه الرصاصات ونقرأ «صنعت في الولايات المتحدة»، «كلها أمريكية الصنع واستخدمت ضد أبنائنا بنفس الطريقة التي يستخدم فيها الأسد الأسلحة الروسية ضد شعبه».

وتظل التظاهرات التي خرجت تأييدا لداعش في معان صغيرة، ولم يتجاوز عدد الذين شاركوا في احتجاج 21 حزيران/ يونيو سوى 30 شخصا. ويقول السكان إن داعش لديه «أشخاص مسؤولين عن التجنيد» في معان والعملية ليست منظمة، ولكنهم يقولون إن تزايدا التظاهرات من هذا النوع والرد القاسي من الأجهزة الأمنية قد يغير كل هذا.

ونقلت الصحيفة عن محمد أبو صالح، منظم تظاهرة الأربعاء «وصلنا لمستوى أصبح فيه عدو عدوي صديقي»، وحال استمرت هذه السياسات في التحريض غلى الإضطراب، بشكل يجعل الناس خائفين للذهاب لبيوتهم فإنها ستفتح الباب أمام الحركات المتطرفة».

احتفاء بالعراق

وحظيت تظاهرة معان باهتمام صحيفة «دايلي تلغراف «يوم السبت الماضي حيث نقلت عن مسؤولين اردنيين ودبلوماسيين غربيين خشيتهم من وصول داعش للأردن وتحديدا لمدينة معان التي قيل إن الكثير من ابنائها الشباب سافروا للتطوع في صفوف داعش.

وقالت روث شيرلوك إن هذه التظاهرة كانت رد فعل على ما يجري في العراق «شعروا بالقوة للإنتصارات في سوريا والعراق، حيث سيطروا على مناطق واسعة في شمال البلاد، يحقق أتباع داعش انتصارا في الأردن».

وتشير الكاتبة لمظاهر القلق التي عبر عنها هذا الإسبوع المسؤولون في الحكومة الأردنية والدبلوماسيون حول قدرة الأردن الحليف للغرب على البقاء مستقرا في وقت تعمل فيه الجماعات المتطرفة على حدوده. ونقلت عن احسن أبو هنية، وهو محلل للجماعات الجهادية في عمان وصديق طفولة للداعية السلفي أبو قتادة قوله بات « ينظر لداعش بكونه حامي الهوية السنية».

وأضاف أنه قبل انتقال داعش للعراق، حيث كان التنظيم يعمل بشكل رئيسي في سوريا، لم يكن هناك دعم كبير للجماعات المرتبطة بالقاعدة في الأردن، ذلك أن التنظيم ارتبط بسلسلة من الهجمات التي نفذها في عمان عام 2005 وقتلت العشرات. ولكنه «عندما انتقل داعش للعراق وعقد تحالفا مع الجماعات السنية القبلية وبقايا البعث تغير المنظور».
ويقول أبو هنية إن «عدد السنة في الأردن ممن يدعمون الأفكار المتطرفة في تزايد، وجذبهم إليها القوة الجديدة التي حققها داعش، والناس يحترمونهم الآن». ويقدر عدد المواطنين الأردنيين ممن يدعمون الجماعات المرتبطة بفكر القاعدة قد تضاعف لثلاثة أضعاف منذ الثمانينات من القرن الماضي، رغم محاولات الحكومة التخفيف من المشاعر المتطرفة.

ويقول «هناك 300 أردني ذهبوا للقتال في افغانستان وبعد ذلك 400 ذهبوا للعراق بعد غزو التحالف له واليوم هناك ما يقرب 1.200 من الجهادين الأردنيين يقاتلون إما مع داعش او جبهة النصرة».

وتقول شيرلوك «معظم الأردنيين ينحدرون من معان، المدينة الفقيرة والمهملة الواقعة في الجنوب- الصحراء الجنوبية».

في الماضي دعم السكان جبهة النصرة ، لكنهم في الأسابيع الماضية «غيروا» ولاءهم ودعموا داعش المنشق عن تنظيم القاعدة.

ونقلت عن إمام سلفي في المدينة يطلق عليه السكان اسم «شيخ الأنبار» «ذهب هؤلاء الشباب من معان لحماية إخوانهم وأخواتهم في سوريا من الكفار».

هل هو في خطر

وأمام تهديد داعش، نقل موقع «دايلي بيست» عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن الأردن حالة تعرض لهجوم من داعش فسيطلب المساعدة من الولايات المتحدة وربما من إسرائيل. و بالسياق نفسه يتساءل بيني أفني في مجلة «نيوزويك» الأمريكية عن المخاطر التي تتهدد الأردن نتيجة للتطورات الأخيرة، فقد نقل عن سفير الأردن في الأمم المتحدة الأمير زيد بن رعد قوله «البلد هاديء» حيث تحدث للصحافي في اليوم نفسه الذي سيطر فيه داعش على طريبيل والرطبة.

وبالسياق نفسه يرى مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني السابق أنه على خلاف العراق وسوريا فلا يوجد في الأردن «جو مساعد» كي ينمو من خلاله تنظيم داعش.

مضيفا إلى أن الجيش الأردني قوي ويعتبر «قوة موحدة» وليست مصدرا للإضطراب.

معلقا أن داعش والجماعات الإسلامية هي «مصدر قلق لكنها لا تشكل تهديدا وجوديا على البلاد». ويقول الكاتب إن التقييمات الأمنية والدبلوماسية في واشنطن والشرق الأوسط تؤكد قدرة الأردن على مواجهة أي هجوم تشنه الجماعات الإسلامية، بنفس الطريقة التي استطاع فيها البلد تجنب الإضطرابات التي أصابت العالم العربي كله.

ولكن داعش ربما نظر للأمور بطريقة مختلفة خاصة ان الأردن لعب دورا مهما في ظهوره في إشارة لأبو مصعب الزرقاوي الذي شكل التنظيم في العراق وقتلته القوات الأمريكية في عام 200.

ويواصل قائلا إن موقع تنظيم داعش وسط الجماعات الجهادية يزداد قوة، وفي حال استطاع إصلاح العلاقة مع التنظيم الذي انشق عنه وهو القاعدة، فستشكل القوة الموحدة بينهما على حكومات المنطقة بما فيها الأردن.

ويشير الكاتب لأهمية الأردن الإستراتيجية للغرب ولإسرائيل التي وقعت معه معاهدة سلام عام 2004 ولها حدود طويلة معه.

وظل الأردن حاجزا لها عن الإضطرابات التي شهدها العالم العربي. وفي حالة تحول فيها الأردن لساحة عدوانية فستصبح كل الحدود الشرقية لإسرائيل مصدرا للخطر، وستغير بالتالي موقع إسرائيل الدفاعي بشكل كلي.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد دعا في نهاية الإسبوع الماضي المجتمع الدولي الى دعم الأردن ولم يقل أن إسرائيل ستتدخل عسكريا.

وسواء تدخلت أمريكا أو إسرائيل لصالح الأردن، إلا أن تعزيز داعش مكتسباته في سوريا والعراق أدى لتعميق التعاون الأمني والعسكري بين الأردن وإسرائيل. وما يقلق الأردن أكثر ليس حدودها الشرقية مع العراق رغم كل المخاطر التي يشكلها داعش ولكن الحدود الشمالية مع سوريا.

ويقول مصدر غربي مطلع إن الصحراء بين الأردن والعراق تشكل جدار حماية بخلاف المناطق السكانية في الشمال التي يصعب مراقبتها أو الدفاع عنها. ويشير أيضا إلى اللاجئين السوريين الذين لا يعرف عدد من تأثر منهم بالأفكار الجهادية، إضافة لمئات الأردنيين الذين انضموا للقتال ضد الأسد في سوريا.

ورغم كل المحاذير والاخطار التي تواجه الأردن إلا ان المعشر يقول إن الظروف التي أدت لظهور القاعدة وداعش في العراق وسوريا مختلفة عن الوضع في الأردن. ففي العراق تعرض

السنة في ظل حكومة نوري المالكي للتهميش، أما في الأردن فغالبية الأردنيين بمن فيهم المعارضين للحكومة يريدون التغيير داخل النظام الملكي بدلا من الإطاحة به.

ولا يعتقد المعشر أن يتكرر السيناريو العراقي والسوري في الأردن القادر على تحمل الإضطرابات التي تجري حوله.

وفي الوقت الذي يوافق فيه دبلوماسي غربي على هذا التحليل إلا أنه يضيف قائلا «هذا هو الوضع كما هو الآن، ونحن نتحدث عن الشرق الأوسط حيث يتغير فيه كل شيء في ليلة وضحاها».

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.