داعش و«الخلافة الاسلامية»

لم يستطع تنظيم ما يسمى بـ «الدولة الاسلامية» (بعد ان قرر حذف العراقوالشام بجرة قلم) مقاومة إغراء ما حقق من «فتوحات» سهلة وواسعة في فترة وجيزة، فقرر ان يعلن في الأول من شهر رمضان اقامة «الخلافة الاسلامية» باعتبار انها واجب ديني لا يمكنه تحمل اثم تركه، وطالب المسلمين في مشارق الارض ومغاربها بالسمع والطاعة لمن بايعه «خليفة» بعد استشارة «اهل الحل والعقد ومجلس الشورى». ولم يهتم كثيرا في مشهد سوريالي ينطبق عليه القول شر البلية ما يضحك، بابلاغ اكثر من مليار مسلم باسماء العلماء الذين منحوا انفسهم تلك السلطة، او المؤهلات التي يحملونها.

وجاء الاعلان في بيان مطول شمل عددا من النصوص الدينية في سعي الى ابتزاز مشاعر مئات الملايين من المسلمين، واستقطاب المنتمين الى تنظيمات منافسة، وهو بيان يستحق الانصات والدراسة اذا كانت هناك نية حقيقية للبحث عن جذور الارهاب ومقاومته، بدلا من التغاضي عن جرائمه او تبريرها.

وهذه هوامش سريعة على هذا الحدث الذي يفترض ان يكون تاريخيا وعالميا، إذ تعود معه الخلافة للحياة، وتنمحي بأثره الحدود والسدود والاتفاقيات الدولية والعملات المحلية، وتزول الأنظمة والحكومات بانتظار «الولاة الجدد».

أولا: ان المتحدث باسم الخليفة اعتبر اعلان الخلافة (تحقيقا لحلم الجهاديين)، وهو يشير بذلك الى جماعات الارهاب والعنف باسم الدين التي تصر أغلب وسائل الاعلام العربية والاجنبية على وصف اعضائها بـ«الجهاديين» حتى وهم يرتكبون جرائم ضد الانسانية، ما يمنح تلك الجماعات «غطاء دينيا مزيفا»، في إهانة عظمى لمفهوم الجهاد الواسع في الاسلام، بل واتهام ضمني للدين الاسلامي بالارهاب.

ثانيا: ان المتحدث العدناني اشار الى «تكسير الصلبان وتدبير التفجيرات وقطع الرقاب وشرب الدماء»، بل وفاخر بها باعتبارها بعض امارات جهوزية اعلان الخلافة. ومن المهم ان يعرف المسلمون في أي كتاب قرأ العدناني وخليفته ان الخلافة تقوم على تصفية اتباع الديانات الاخرى وتدمير دور عبادتهم؟ في أي مذهب، وفي أي بلد يجري الترويج لمثل هذه الافكار التي ثبت الآن انها تكفي لتدمير أمة بأكملها؟

ثالثا: بعد مضي نحو اربع وعشرين ساعة على «اعلان خلافة داعش»، لم يصدر تصريح واضح من المرجعيات الاسلامية او الحكومات الاسلامية تعلق فيه على هذا البيان، ومنها حكومات تعتبر نفسها حامية حمى الاسلام والمسلمين، ناهيك عن الاحزاب التي تزعم الانتماء الى «الاسلام السياسي». فهل يمثل هذا «السكوت المريب» حرجا ام تواطؤا ام نوعا من الاعتراف ببعض المسؤولية عن انتشار مثل هذا الفكر؟

رابعا: ان اعلان الخلافة الاسلامية يعني عمليا اعلان الحرب على كل بلد اسلامي يرفض الدخول تحت راية «ابو بكر البغدادي»، باعتبار ان اي مسلم يرفض مبايعة الخليفة يكون «مارقا». وهكذا فان دول الجوار اصبحت تقنيا في وضع حالة الحرب، خاصة ان «خلافة داعش» لا يمكن ان تترك الاماكن الاسلامية المقدسة على سبيل المثال. فأي فتنة وأي مجازر طائفية يجب علينا ان ننتظر.

بل ان اعلان داعش «خلافتها» يجب ان يكون نقطة تحول في الموقف من الجماعات التي تصر على تشويه صورة الاسلام، بما في ذلك المصطلحات المجانية التي تطلقها عليها بعض وسائل الاعلام، في دفاع مبطن عن الارهاب.

الا ان الاعلان يجب ان يكون ايضا مناسبة للتوقف الشجاع امام الموروث الديني، واخضاع خطابه برمته الى مراجعة عقلانية شاملة ومتأنية بحثا عن جذور هذا التشوه الديني التاريخي الذي تضخم حتى صار ظاهرة دولية، تمثل الخطر الأكبر على المسلمين والعالم، بل وعلى الاسلام ذاته.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.