تدمير الآثار وسرقتها.. أحدث أساليب طمس الهوية السورية

 أفاد ناشطون إعلاميون سوريــون بقيام جبهة النصرة بتدمير أثرين هامين في مسجدي الصالحين والكريمية بحلب، حيث دمر عناصر الجبهة في المسجد الأول أثراً لقدم النبي ابراهيم عليه السلام وفي المسجد الثاني أثراً لقــــدم محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الناشــــطون أن تنظيم دولة العراق والشام (داعش) أقدم امس على تفجـــير قبـــر سليمان بن عبد الملك في مرج دابق شمال حلب بعد أن لغمه، وأن الدافع وراء التخلص من تلك الأماكن الأثرية المرتبطة بالتراث الديني الشعبي أن الأهالي يزورون تلك المواقع باستمرار ويتمسحون بها ويعتقدون أنهم يتقربون بها إلى الله.
وتشهد الآثار السورية منذ أكثر من عامين انتهاكات خطيرة إذ تتعرض المواقع الأثرية المنتشرة في معظم مدن وبلدات البلاد للنهب والسرقة ويقوم منقبو الآثار بالبحث عن اللقى الأثرية في المواقع القديمة سواء داخل المدن والبلدات أو في آثار الممالك الرومانية القديمة المنتشرة بكثرة في مناطق ريف حلب وريف إدلب، حيث يسعى هؤلاء للمال دون أية اعتبارات أخرى، ويجمع صغار التجار المتخصصين بالآثار القطع الصغيرة ومن ثم يبيعونها إلى مهربين كبار، وغالباً ما تتم تلك الصفقات خارج الحدود السورية وفي مدن دول الجوار الحدودية سواء في تركيا أو الأردن أو لبنان.
أبو شادي أحد منقبي الآثار الصغار الذين يرضون بالقليل من ريف إدلب حدثنا قائلاً: «اشتريت جهازاً لكشف المعادن المدفونة تحت التراب، وغايتي البحث عن الذهب فأنا لست صاحب خبرة في باقي اللقى الأثرية، والحقيقة أنني حتى اليوم لم أجد أي ذهب، لكنني وجدت الكثير من القطع النقدية الأثرية القديمة، أقوم ببيعها وأطعم من ثمنها أطفالي الستة، وأدعو الله ان يأتي اليوم الذي أجد فيه ذهباً».
وأضاف: «كلما تجمعت لدي كمية جيدة من القطع النقدية أبيعها لأحد التجار وأتقاضى مبالغ بسيطة فأثمن قطعة نقدية بعتها حتى الآن بمائتي دولار أمريكي، والكثير من القطع أبيعها بخمسين دولاراً».
كما يتعرض التراث الأثري السوري للتدمير بفعل القصف الذي يمارسه النظام السوري بشكل يومي على مختلف المناطق دون مراعاة تاريخها العريق الذي يتحول ركاماً خلال دقائق بعد أن تعبث به براميل المروحيات أو قنابل طائرات الــ ميغ الفراغية، وتعرضت مواقع أثرية كثيرة للتدمير خاصة داخل مدينة حلب الغنية بما يسمى (البيوت العربية) تلك البيوت التي يعود إنشاؤها إلى مئات السنين، والتي تتعرض للتدمير رغم تحذيرات وصافرات إنذار أطلقتها منظمات عالمية كمنظمة اليونسكو حول خطورة أن تفقد سورية هويتها الحضارية والإنسانية العريقة.
ويقول ناشطون أن الكثير من اللوحات الفيسيفسائية القديمة الموجودة في بيوت حلب القديمة قد تم تدميرها بشكل كامل بسبب القصف والحرق الذي تعرضت له حلب القديمة، كما خسرت حلب سوقها الأثري الكبير الذي أحرقته قوات النظام بشكل كامل، فضلاً عن تدمير مئذنة الجامع الأموي، إذ يشهد التاريخ كما يشهد الحلبيون أن الأذان لم يتوقف منذ مئات السنين في هذا المسجد إلا في عهد النظام السوري الحالي.
ويشرف تنظيم داعش في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية على هذه التجارة، بل يسمح للكثير من المنقبين بالحفر والتنقيب عن الآثار شريطة حصوله على الخمس من ثمنها باعتباره «بيت مال المسلمين»، ويقوم التجار هناك باستخدام العديد من الآليات للتنقيب كالجرافات وما إلى ذلك، ما جعل الوضع مأساوياً فالعديد من المواقع الأثرية جرفت بشكل كامل واختفت معالمها تماماً، ناهيك عن جرائم التنظيم التي يقوم بها كل فترة كتدمير التماثيل القديمة التي تجسد صورة بشر، وتفجير القبور والمواقد باعتبار كل ما سبق ظواهر شركية يجب التخلص منها تماماً.
من جانب آخر فقد ذكرت مصادر إعلامية متعددة أن أسوقاً للتحف والآثار تفتتح في معظم البلدات اللبنانية الحدودية حيث يتم بيع البضائع الأثرية التي ترد منسوريا باستمرار عبر الشريط الحدودي بواسطة تجار الآثار الجدد في تلك المناطق.
بينما تستخدم الآثار السورية التي لا يمكن حملها وبيعها، والتي نجت حتى اللحظة من القصف استخدامات شرعية أخرى، أهمها أن الكثير من السوريين الذي هجروا من منازلهم بسبب تدميرها أو لتعرضـــها للقصف المستمر خوفاً على حياتهم، يعيشون داخل كهوف أثرية وأحياناً في معابد رومانية قديمة كما تم توثيق ذلك في مناطق كثيرة بريف إدلب حيث شوهدت عائلات كاملة تقيم داخل المعابد الرمانية الأثرية إذ لم تجد مكاناً آمناً سوى هذه المباني والكهوف الضخمة التي صمدت آلاف السنين، ما منحهم بعض الشعور بالاطمئنان لدي إقامتهم فيها.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.