يثب

ما كتبه الدكتور كمال اللبواني من داخل المعتقل في دفاعه أمام محكمة الجنايات الأولى بدمشق

هذا ما كتبه الدكتور كمال اللبواني من داخل المعتقل في دفاعه أمام محكمة الجنايات الأولى بدمشق :

بسم الله الرحمن الرحيم

– كنت قد بدأت بنطق الكلمات الأولى في السنة الثانية من العمر عندما قامت الوحدة مع مصر عام 1958 ومنعت حرية التعبير في سوريا ، وما تزال إلى الآن هذه الحرية مقموعة ، وما نزال ننتظر اليوم الذي نستطيع فيه أن نفكر بحرية دون خوف ، ونقول ما نفكر فيه علنا دون مساءلة أو عقاب
– في مجتمعاتنا لم تتجذر بعد مفاهيم الديمقراطية ، بل ما تزال مفاهيم الإقطاع والسلطنة تعيد إنتاجها في كل سويات السلطات بكل أنواعها , ومن السهل قيام أنظمة شمولية حديثة الوسائل لا تميز بين الفرد والمؤسسة ولا بين السلطات ، بل تقوم على الفاشية وعبادة الفرد وأحادية الرأي, وتستمد شرعيتها من القوة والغلبة , وتصون وجودها بممارسة العنف ..
– مما يكرس ثقافة الخوف والخنوع والازدواج والنفاق التي تدمر عقولنا واحترامنا لأنفسنا وللآخر ولحقوقه…… فالآخر السياسي غير موجود لأنه عدو يجب سحقه ، وكل اختلاف هو خروج عن الإمامة التي تتكون فقط بالطاعة والولاء والإذعان للحاكم الرمز المقدس …. فلا يطلب من الحاكم أن يبرهن عن شرعيته بتفويض الناس له ، بل يطلب من المحكوم أن يثبت وطنيته بالولاء والطاعة، ليتحول المواطن إلى كائن هزيل مسلوب فاقد القدرة على العمل والإنتاج والإبداع ، يتحرك بأمر ويتنفس بأمر ويبكي ويصفق بأمر ويرقص بالشوارع بأمر وتوجيهات , .
– ثم يسأل من يسأل لماذا نحن نتخلف ، في حين يتقدم الآخرون ؟ لماذا لم نستطع كسر حلقة الفقر والجهل ، لماذا يستمر انهيار مجتمعاتنا إلى سوية عصابات التزمت والجريمة ، وتنهار العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية إلى مستوى من التوحش والأنانية والنفاق , وبالتالي يسود الصراع والعنف كل مناحي ومفاصل الحياة والعلاقات بين البشر أو بين الشعب والسلطة …. أو حتى داخل السلطة ذاتها .
– قديما عرفوا الإنسان كحيوان ناطق ، أي أن قمع حرية التعبير يفقد الإنسان إنسانيته وقدرته على الاجتماع الإنساني ، فلا يعود حيوانا اجتماعيا نصفه وحش ونصفه ملاك بل وحشا وفقط … وقديماَ ً قالوا إن الفارق بين العبد والحر : أن العبد يفضل الحياة على الحرية ، وتعلمنا في طفولتنا أن السادة الأحرار لا تطيق أطواق الحديد ،وأن عيش الذل و الإكراه أولى بالعبيد ، وحفظنا عن رسول الله صلى اله عليه وسلم أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.. ..
– عندما كنت في السجن الانفرادي الذي سبق وقضيت فيه ثلاث سنوات طالبت إدارة السجن بتطبيق قانون السجون علينا قالوا نحن القانون هنا , وعندما أنهيت حكمي في أيلول 2004 طلبوا مني أن أصمت قلت إذا كنت مخطئاَ بين لي خطئي فأصلحه ، أما أن أكون على حق وأصمت خوفاً, فذلك لن يحصل لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس .
– أنا منذ صغري دأبت التمرد على ثقافة الكذب والخنوع والصمت ، وأيضاً على سلطات الاستبداد و الإكراه والتعسف الغاشم التي تنتجها وتحرسها . وشاركت في كل مراحل حياتي بكل أشكال النضال الثقافي والسياسي المتاح . وحرصت على الجمع بين القول والفعل , الفكر والممارسة , وبالتوازي مع ذلك شهدت كل غلاظة نظام الفساد , وفظاظة الاستبداد و قباحة الانحطاط الخلقي و القيمي والفني . وكنت بسبب مهنتي كطبيب عام على تماس حميمي مستمر مع معاناة كافة شرائح المجتمع كما أن قدري ساقني لخدمة العلم في مدينة حماه عم 1982 أي عام الأحداث الدامية فيها , وبسبب مواقفي وأفكاري تعرضت لكل أشكال الملاحقة والاضطهاد المعنوي والمادي ، وكذلك أسرتي وأصدقائي , ودخلت السجون وتعرضت للإرهاب والإهانة والتعذيب , وتلقيت التهديدات المختلفة التي كان آخرها بإرسال جماعة التكفير والهجرة لقتلي وما أزال إلى الآن تحت رقابة شديدة , وخطر أشد . .
– من هذا الجو الكئيب وبعد أن سدت أمامي كل فرص الحراك في الداخل , وصارت التهديدات أكثر من مجرد كلمات تقال غادرت سوريا لأول مرة متجهاً نحو الغرب في آب 2005 وحملت معي كل همومي وخبرتي وإنتاجي الفكري والفني والأدبي ، ومعي تاريخي السياسي الذي عمره أكثر من ثلاثين عاماُ وبسبب تبني منظمة العفو الدولية لي تمكنت من دخول المجتمعات السياسية في أغلب دول أوربا ،وصولاً للاتحاد الأوربي والبرلمان ألأوربي وبعد ذلك الولايات المتحدة كما حرصت على لقاء أغلب رموز المعارضة في الخارج .
– كنت مع زملائي ناشطي ربيع دمشق وبعد عمل دؤوب لعدة سنوات ندرك المشكلة ونملك توافقاُ حول فكرة الحل . وهي التي تجسدت في وثيقة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي وصرنا بصدد العمل من أجل حشد القوى القادرة على تحويلها من ورقة إلى واقع جديد معاش . وبسبب إغلاق كل منابر الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي في الداخل , كان لابد من طرق بوابة الخارج على أمل كسر الجمود وتحريك آليات التغيير , خاصة وأن الخارج قد ثابر على دعم الأنظمة الشمولية العسكرية ..
– في لقاء مع مسؤول أمريكي قلت أنتم باعتراف الرئيس بوش دعمتم الأنظمة العسكرية طيلة أربعين عاما قال بل ستين عاما قلت ماذا كانت النتيجة : دمرتم أوطاننا ،وهيأتم الظروف لنشوء الإرهاب, قال عار علينا هذه السياسات الخاطئة , وبالفعل يمكن لمس تغيير هام في السياسات الغربية التي صارت تهتم أكثر في التغيير الديمقراطي, لذلك فهي تعلن أن مسألة تغيير هذه الأنظمة هي مسألة داخلية بيد الشعب الذي يجب أن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية وأن على الحكومة احترام المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وكل القرارات الأخرى ..ولتعزيز وجهة النظر هذه التي نلتقي عليها ركزت حواري حول ثلاث قضايا:
1- الديكتاتورية هي المسؤولة عن التخلف و هي التي توجد الأرضية للعنف و الإرهاب و ليس الإسلام الذي يساء استعماله بسبب الجهل و الفقر و الحقد
2- إن أفضل طريقة لمحاربة الإرهاب ليس شن الحروب بل احترام حقوق الإنسان و الإصلاح السياسي و الاقتصادي الجدي و هذا هو طريق الصداقة و السلم و التعاون معنا .
3- إن الصورة التي تقدمها الأنظمة عن شعوبها بأنها متعصبة ومتزمتة ولا تحكم إلا بالعصا والقمع والسجون ، لأن إعطاءها الحرية سوف يؤدي للفوضى والإرهاب . وتستشهد على ذلك بأحداث ومنظمات إرهابية مزعومة وأحياناَ مفتعلة ” إن هذه الصورة مغرضة ومشوهة تريد تأبيد الاستبداد المسؤول الأول عنها , والذي لا يمكن أن يكون حلاُ لها لأنه يرفض كل إصلاح أو تطوير أو تغيير , في حين أن غالبية الشعب تطمح للحرية والرخاء والعيش الكريم وبسلام مع الآخرين , لكن انسداد أبواب الأمل هو الذي يدفع بالبعض للعنف ….. وبالتالي لا خوف من تأييد ودعم الإصلاح السياسي الجدي.
– وبعد أن حصلت على تأييد ودعم واسع وعلني ورسمي لإعلان دمشق وذلك بعد جهد استمر ثلاثة أشهر عدت إلى الوطن لأجد الأمن بانتظاري في المطار مساء الثلاثاء 8\11\2006
– في السابق كانوا يوقفونا عرفيا ، بعد ذلك استخدموا المحاكم الاستثنائية وهذه المرة زجوا بالقضاء العادي في محاولة لاستخدامه كأداة قمع جديدة بيد سلطان يشعر بالضعف . .
هناك تخلف في سوية العقل السياسي بل جهل متعمد ناجم عن انعدام الحياة السياسية و إلغائها ، وناجم أيضا عن سيطرة العقل الاستبدادي الشمولي ، فتقرأ النيابة المواد القانونية قراءة مجازية تأويلية وتحورها عن أغراضها فإذا انتقدنا السلطة بسبب الفساد والاستبداد تعتبر أننا نمس هيبة الدولة و إذا عارضنا من الداخل ، اتهمونا بالعصيان وخرق الدستور ، و إذا عارضنا من الخارج اتهمونا بدس الدسائس والخيانة العظمى , كما تصبح الآراء السياسية على يدها أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة في زمن الحرب , وحقوق الإنسان بمثابة العدوان العسكري …
– النيابة لا تفصل بين السلطات الثلاث بسبب عقلها الشمولي, فهي تعرف الدولة بأنها الأرض والشعب والسلطة وتتجاهل عن عمد أن السلطة المقصودة هي سلطة القانون , وليست سلطة الأشخاص , فالكل عندها سلطة ومقدسة . والكل عند العرب صابون , طالما أن الشخص هو القانون بحسب ضابط الأمن … نحن القانون ..نحن الحق …نحن الوطن وفي حين أن المقصود بالسلطة هي سلطة القانون التي يجب أن يخضع لها الحاكم قبل المحكوم , والسيادة هي سيادة الشعب على مصيره وسيادة القانون التي هي أساس مفهوم الدولة, بينما السلطة السياسية مكونة من بشر معرضين للخطأ وانتقادهم ومحاسبتهم هي شرط عدم فسادهم, فالسلطة مفسدة خاصة إذا كانت مطلقة والنفس أمارة بالسوء ، ومن يحتكر السلطة سرعان ما يمدد احتكاره للثروة أيضا.
– وحده النظام الدكتاتوري الذي يوحد السلطات الثلاث , ويقدس الحاكم , هو المسؤول عن تدهور الجمهورية إلى مستوى السلطنة الوراثية و مسؤول عن تحويل الشعب إلى رعية في مزرعة السلطان وتحت رحمة حاشيته (الحاشية) التي ترفض أي فكرة نقد أو محاسبة أو تداول أو حتى الاحتكام إلى صندوق الاقتراع , بل تحرص على الدوام إلى صيانة وتصنيع السلاطين وتشغيلهم وفقا لمنطقها الذي يجب أن يبقى إلى الأبد حارساً لامتيازاتها .
– فالشخص لا يصنع النظام ، من يحكم في نظام ديكتاتوري سيصبح ديكتاتوراً قوياً كان أم ضعيفاً , أراد ذلك مسبقاً أم لا , لأن النظام الديكتاتوري يجسد معايير وعقل الملكية الخاصة في حقل الشأن العام والمؤسسات التي يجب أن تخضع لمعايير جماعية مختلفة تقوم على التوافق والتفويض والمحاسبة والتداول .
– وإذا قبلنا مع النيابة فكرة قدسية السلطة السياسية وعدم جواز انتقادها أو الضغط عليها على اعتبارها مقدس وطني وركن من أركان الدولة , فكيف سنبرر ما فعله صانعوا (ثورة آذار )الذين انقلبوا على السلطة والنظام معاً بعمل عسكري , على كل حال هم ذاتهم وبعد سنتين فقط من اعتبار أنفسهم سلطة مقدسة تحولوا على يد انقلاب آخر قام به مرؤوسيهم إلى خونة ورجعيين , وأدخلوا السجون وهجروا رغم أنهم مؤسسي حزب البعث , الذي استمر في الحكم من دونهم , وبنفس الطريقة سرعان ما تحولت سلطة 23 شباط المقدسة إلى خائنة وتآمريه ودفنت في ظلمات السجون بعد حركة 16 تشرين الثاني , التي هي أيضاً لم تسلم من الصراعات والتصفيات والخيانات والانتحارات في أعلى مستوى والى الآن وما يزال الحبل على الجرار.
– القاعدة السائدة هنا ان كل مجموعة متضامنة عصبوية في نظام البعث تستولي على أجهزة الأمن و إدارة الدولة تحاول أن تفرض ذاتها كسلطة مقدسة , ثم تتهم معارضيها بالخيانة سواء كانوا داخل البعث أو خارجه , لأنها تتوهم بأنها الوطن و أن انتقادها مساس بهيبة الدولة و شرف الأمة , مع أنها لا تقدس بالواقع شيئا أكثر من الكرسي و الامتيازات و تمارس سلطانها بالتعسف و التعليمات , و تدأب على تعطيل سلطة القانون بواسطة الطوارئ و التشبيح و الميليشيات و مراكز القوى .
– عندما نقول إن هذا النظام غير شرعي و أن هذه السلطة فاسدة وفاقدة … نقصد انه لم يأت من توافق وطني حر قابل للتجديد الدوري و التعديل السلمي , فالشرعية يجب أن تأتي من الشعب الذي يعبر عن إرادته بحرية عبر صناديق الاقتراع في مناخ من الحريات , و لا معنى و لا قيمة لأي انتخاب أو استفتاء إذا كان الشعب محروما من حرية التعبير و الاجتماع و التنظيم و تشكيل الأحزاب .
– الدستور الحالي الذي هو أساس النظام يقسم الشعب بموجب المادة الثامنة منه إلى حزب يقود و بقية منقادة ، و هذا يتناقض مع مواد المساواة و حق المشاركة . و في حين انه يعطي بعض الحريات شكلا , لكنه يسحبها ضمنا باشتراطها بقوانين يصدرها الحزب الحاكم . كما أن الانتخابات عنده مشروطة بترشيحات الحزب , و القضاة ملزمون بتوجيهات مكتب الأمن القومي فيه , طالما أن القضاء هو جزء من الدولة التي يقودها البعث , وفق المادة الثامنة , و هو ما يلاحظ في وثائق الدعوة المقامة ضدي أي أن الخصم هو ذاته الحكم .
– و على الرغم من أن الدستور الحالي فصل ليبرر الاستبداد …. تم تعطيله بواسطة استمرار إعلان حالة الطوارئ طيلة 44 سنة الماضية , كما أن عقلية السلطنة ذاتها اضطرت إلى تعديله على عجل , ومن دون أسباب موجبة ,و من دون استفتاء حيث وقع عليه نائب الرئيس , الذي استمر بصفته تلك قبل و بعد التعديل , و لم ينتخب و لم يقسم اليمين , ثم انه هو ذاته متهم الآن بالخيانة , بذات الوقت الذي يؤكد فيه عدم شرعية التعديل و السلطة كلها .
– اعتقد إن السلطة التي تدعي القداسة و تضع نفسها فوق النقد , عليها أولا أن تحترم نفسها و بعضها , و لا تهبط إلى هذا الحد من المهاترات التي تدعو إلى الخجل , هذا إن كان هناك من يخجل أو يستحي ؟؟؟
– أقول هذا بمرارة و أنا أدرك أن البعض سوف يخاف أن يسمع أو يقرأ , و أنا لا ألومه لأنه تحت وصاية ثقافة الخوف و الخنوع ،و قد زرع في دماغه دورية امن تمارس عليه الإرهاب …. و هذا ما ترسخ في ذهنه عن صور و قصص القمع الوحشي المستمر منذ 44 سنة دون انقطاع .
– أي إن من يعتدي على سلطة القانون و سيادة الشعب هو السلطة السياسية الحالية , التي ننتقدها لذات السبب . و بالتالي يكون نقدنا لصالح الدولة , و ليس ضدها , و نسجن لأننا نطالب باحترام سلطة القانون و حقوق الإنسان و كرامة المواطن التي لا كرامة و لا سيادة للوطن من دونها .
– فطالما إن المواطن موضوع اضطهاد و مستباح من قبل سلطات بلاده ذاتها , فلماذا لا يقاومها كأي سلطة احتلال , و ما الفارق ……. إذا كانت الوسائل و الوظيفة و الغاية واحدة …..
– إن انتقاد الفساد والاستبداد و الإجرام و الاحتكار و الاستئصال لا يهدد الوحدة الوطنية , بل بالعكس إن الحرص عليها هو الذي يدفع لانتقادها بأقسى العبارات ، فالوحدة الوطنية لا تصان بتمتع المجرمين و الفاسدين بالحصانة و الأمن والأمان , و لا بقمع المعارضين بكل الأشكال و الألوان .
– إن و صفنا للنظام و السلطة بالفساد و الاستبداد ليس أنباء كاذبة و لا دس دسائس , بل رأي سديد نملك البراهين الكثير عليه
– ودليلنا على الاستبداد عشرات آلاف القتلى خارج و داخل السجون , مئات آلاف المعتقلين و المهجرين لأسباب سياسية . القمع المنهجي المنظم لكل صوت معارض , ممارسة الاضطهاد و الترهيب و التعذيب بشكل سافر , السعي لتحطيم كل مؤسسات المجتمع المدني و استبدالها بمؤسسات مسخ تعمل بإدارة الأمن لخدمة السلطة و ليس المجتمع ,
التمييز الفئوي و الطائفي و الأسري و القومي ….. احتكار السلطة و توارثها في كل مستوياتها . تفريغ كل استحقاق انتخابي و تحويله إلى بيعة تشمل 99% من السلطة و الثروة
أما دليلنا على الفساد فهو ثروات كل المسؤولين الذين يمتنعون ضد القانون عن التصريح عن ثرواتهم و مصادرها .
– استباحة المال العام و ثروات الوطن و أرزاق المواطنين من قبل المتنفذين و حاشيتهم الذين صاروا شركاء في كل شيء > سياسات الإفقار المعتمد على مبدأ جوع كلبك …. إجبار كل مواطن على دخول لعبة الفساد التي تتضمن الرشوة والاختلاس والمحسوبيات و التهرب والتهريب والغش والاحتيال والتسيب والإهمال وسوء الائتمان …
يمكن للقضاء لو شاء فتح ملفات فساد كبرى من قبيل الخليوي والنفط والمناطق الحرة والمنشآت السياحية و شركات الاستيراد و …. و …
– السبب في كل ذلك أن النظام الانقلابي الذي يفتقر للقاعدة الشعبية بيني نفسه على مبدأ واحد : هو الولاء للسلطان مقابل المنافع الغير القانونية . هذا المبدأ غير المذكور في الدستور هو الذي يحكم كل مفاصل النظام وهو المسؤول عن تدمير سلطة القانون , ونشر الفوضى وإفساد كل شيء على مبدأ حاميها حراميها … لدرجة أن الشبيحة اكتشفوا أنهم بحكم الضيعة وبالتالي وفقا لذات المنطق استنتجوا ا تلقائيا أن لهم الحق في الحصول على المنافع الكثيرة خارج القانون وعل طريقتهم ….مثلهم مثل غيرهم الذين سبقوهم إلى وظائف الدولة وسخروها للكسب غير المشروع
– أي أنه في النهاية تم تقويض الركن الثالث من أركان الدولة أي سلطة القانون , وتحولت الدولة إلى مزارع وانهارت فكرة الوطن ذاتها , وضرب عرض الحائط بالمصلحة العامة التي صار من يفكر فيها عرضة للسخرية , وصارت المراسيم الصادرة تنشر في الجريدة الرسمية ويبلغ من يلزم لعدم تنفيذها , أخص بالذكر كمثال مرسوم التصديق على اتفاقية منع التعذيب الصادرة في 1/7/2004 حيث أتحدى وجود سجين واحد لم يتعرض للإهانة والتعذيب والابتزاز خصوصا بعد صدور هذا المرسوم .
– أيها الأخوة الوطن يتكون بالأساس من بشر لهم حقوق يجب أن تضمن وتصان , قبل الدستور و قبل القانون , ومن دونها لا شرعية لأي عقد اجتماعي أو سلطة , وبالتالي مسألة حقوق الإنسان ليست مسألة داخلية تخضع للسلطة الحاكمة بل هي مسألة تتفوق على هذه السلطة وتسبقها . إنها مسألة أخلاقية دينية حقوقية كونية تشكل جوهر ميثاق الأمم المتحدة , ومن دون احترمها لا تملك أي سلطة حق تمثيل الدولة والأمة التي تتشكل منها الجمعية العامة , والدكتاتورية السياسية هي آخر شكل من أشكال العبودية بالنظر لقدرة السلطات الحديثة على مراقبة ومعاقبة كل شخص ولا يعقل أن نقول عن شعب انه تحرر من الاستعباد وامتلك حق تقرير المصير بينما يحكمه الطغاة أو تستبده أو تستعبده مجموعة انقلابيه أو طغمة أمنية أو عصابة أشرار , ثم تدعي تمثيله , وترفض أي تدخل أجنبي في شؤونها من قبل المجتمع الدولي أو منظمات حقوق الإنسان الدولية ,
في كل حال الاستقلال لم يحترم في أي مرحلة من مراحل التاريخ , والتدخل الأجنبي سافر ومستمر دون انقطاع قبل العولمة , وهو أقوى بعدها , وقد استبدل الغرب نظام الانتداب بالحكومات العسكرية التي كانت اشد فتكا بشعوبها وأوطانها من جيوش الاستعمار , لكن الغرب أدرك أخيرا انه سيواجه مشكلة إنسانية وأمنية كبرى وهائلة , إذا لم يسهم في إصلاح نتائج أخطائه السابقة , عبر تغير جوهري في شروط الحياة الشاقة في الشرق الأوسط الكبير , كما يسميه , فهذا التدخل لم ينتظر سفرنا للخارج ولا هو فقط لحماية إسرائيل كما تدعي الأنظمة التي خدمت وجود وتفوق إسرائيل , إذا لم تكن مصلحة إسرائيل هي التي أوجدتها ودعمتها وحافظت عليها .
– النظام لا يحق له المزايدة في مسالة الصراع مع إسرائيل , لان المسئولين عن هزيمة حزيران الذين سلموا الجولان من دون قتال وأصدروا أوامر الانسحاب الكيفي وتهجير السكان , لم يقدموا للمحاكم الميدانية , بل استمروا في السلطة واستأثروا بها , ولم يفعلوا أي شيء لاستعادة الأرض وإحلال السلام … فالسلام بالنسبة إليهم يعني إنهاء حالة الحرب والطوارئ التي تسهل استبدادهم , فهم قد تساهلوا في المكون الأول مكونات الدولة وهو الأرض : في الجولان وأيضا في لواء إسكندرون وفي شبعا لأسباب ومبررات واهية .
– لم يرفع الغرب الغطاء عن هذه الأنظمة إلا بعد أن صار وجودها يهدد بإدخال المنطقة في فوضى عارمة , فقد ساهمت بسبب عقلها المليشيوي في تنظيم نفسها والمنطقة كلها تبعا لهذا العقل وقد أقامت تحالفاتها على ذات الطريقة مما يحدد بانهيار الأوطان إلى عصبويات مليشيوية طائفية مافيوية فئوية خارجة عن السيطرة بذريعة المقاومة أو النضال التي تربط بالاستبداد بدل الحرية في ذات الوقت الذي تستجدي فيه هذه الأنظمة الشفقة والرحمة من أسيادها تهدد بإشعال المنطقة في حال ازداد الضغط عليها أي أنها تقوض المكون الثاني في الدولة وهو الشعب : لذلك قلنا أن السلطة تقود الدولة إلى التهلكة .
– نحن لم نطلب التدخل الأجنبي بل نحاول إصلاح ما هو موجود وقائم دون إرادتنا , نحاول تجنيب سوريا مواجهة مع المجتمع الدولي والعربي سببها ليس أراء المعارضين بل أخطاء السلطة القاتلة , التي تسببت في الانسحاب القسري من لبنان ودمار لبنان , ثم جلب الجيوش الأجنبية إليه , مع أخطاء أخرى على صعيد الدول المجاورة الأخرى , وكما جلب البعث الاحتلال لبغداد , نخشى أن يكمل البعث رسالته ويجلب الاحتلال لدمشق .
– عندما ذكر المشرع كلمة عدوان قصد منها كما هو في اللغة معنى واحدا : ولو كان لها عدة معان لاستوجب الإشارة إليه …واللغة ذاتها تأخذ دلالاتها ،مما هو متداول وشائع .. وعليه كلمة عدوان تعني العمل العسكري الحربي وليس أي معنى آخر فهل سمع أحدكم عبارة عدوان دبلوماسي … عدوان سياسي …. عدوان اقتصادي… حتى قطع العلاقات والمقاطعة التجارية لا تسمى عدوان …. فلماذا تؤول النيابة النصوص وتجرنا لكي نقبل معها بأن الضغوطات الدبلوماسية هي شكل من أشكال العدوان أو بمثابة العدوان , هل نحن نعتدي على لبنان لأنه لا توجد لنا سفارة , أليست العلاقات هي حق للدول أليست الضغوط السياسية والدبلوماسية جزءا لا يتجزأ من الحياة السياسية العادية بين الدول , ولا تحمل أي معنى من معاني العدوان … وهي مما يمارسه الحليف على حليفه بدلالة طلب السفير السوري من واشنطن ممارسة الضغوط على حليفتها إسرائيل …..
– كيف إذاً كانت هذه الضغوط بهدف تعزيز حقوق الإنسان أي في صالح الدولة و الوطن …. ثم لماذا لا تسحب هذه السلطة المتعنتة تلك الذريعة , باحترام حقوق مواطنيها . و ما المانع غير الاستبداد و الفساد و الخوف من الحرية و المسائلة , إن الضغوط السياسية و الدبلوماسية تطال السلطة السياسية وحدها و لا تمس السيادة و لا سلطة القانون و لا الدولة .. تطال أشخاص في السلطة لهم آراء سياسية … لذلك كنا دقيقين و كررنا عشرات المرات رفضنا للضغوط الاقتصادية و العسكرية .
– فهل المشرع قصد الخلاف في الرأي مع السلطة عندما نص على عقوبة تصل إلى الإعدام .أم انه قصد الموت و الخراب الناجم عن الحرب المحرضة بدسائس مغرضة و أنانية !!
النيابة تقول أن انتقاد السلطة يمس مكون من مكونات الدولة و هو بمثابة العدوان عليها … أي أنها استنتجت جناية المادة 264 التي يعاقب عليها بالموت .بجنحة المادة 287 التي يعاقب عليها بالحبس ستة أشهر…. مع أن القانون ميز بينهما و فصلهما بشكل واضح . فالموضوع بالأساس كما أسلفنا موضوع رأي مشروع و قانوني لو كان النظام ديمقراطيا , و هو مشكلة فقط لدى النظام الاستبدادي , لان تعبير المواطن عن رأيه لا يمس هيبة الدولة, بل حرمانه هو المساس بمقدسات الوطن. إن مادة المساس مخصصة فقط للمسؤولين المكلفين رسميا بتمثيل الدولة و قد اقسموا اليمين على ذلك , و ليس المواطن العادي المشمول بحرية الرأي و التعبير .
– القانون اللبناني توأم القانون السوري و لم يسبق أن وجه هذه التهمة لأي من السياسيين الذين ينتقدون السلطات و يسافرون و يعقدون التحالفات مع دول أجنبية في الشرق و الغرب .
– لم أتدخل في مسألة التحقيق الدولي لسبب بسيط انه لو فرضنا أن النظام السوري بريء من دم الحريري فهل انتهت مشكلتنا معه ..لأنها قبل و بعد التحقيق الذي يجب أن نحافظ على نزاهته …. لكن الأمن توهم أنني املك معلومات مهمة بسبب زيارتي فحاول انتزاعها مني بالترغيب و الترهيب . ووعدوني بالنوم في منزلي أو بتوجيه تهم الخيانة إلي … وعندما التزمت الصمت تم نقلي إلى السجن و عندما فشلت محولاتهم التجسسية زادوا التهم لتمديد اعتقالي ,
وعندما صفعني علي مخلوف قال هذه رسالة إلى أصدقاءك , ألا تعلم أن أوربا و أميركا هي ألد أعدائنا .. هل هذا هو الموقف المعلن للدولة السورية , من يعلن الحرب على من , و لماذا نستعدي العالم كله بما فيه الدول العربية … و لماذا يكون العالم كله على ضلال و السلطة في سوريا على حق .
لقد كانت النيابة كريمة جدا عندما حولت التعبير عن الرأي إلى جريمة يعاقب عليها بالإعدام … في نفس الوقت وظفت نفسها أداة دفاع عن الفساد و الاستبداد الذي انتقده و سأبقى ما استطعت .
– النيابة تعلم أن من يدس الدسائس لا يملك شجاعة الإعلان عما يفعل , و لا شجاعة العودة حاملا معه كل وثائقه التي اعتمدتها النيابة دليلا وحيدا , كان بالإمكان الانتظار حتى تعطي الدسائس مفعولها !!
– لا أيها الأخوة لقد ولدت حرا و سأبقى أمارس حريتي لإيماني أن الحقوق لا تحتاج إلى تراخيص , كما عدت إلى الوطن بإرادتي الحرة لإيماني بان الوطن يتسع للجميع , و أن الحوار كفيل بحل كل المشاكل . و هو لا يمكن أن يحدث مع بعد المسافات .. لكن الآخر حاورنا على طريقته بالضرب و الاهانة و السجون و التخوين و التهويل و السحب بالأغلال …
أيها الإخوة لقد مرت أكثر من دولة بهذا النوع من الأنظمة الشمولية المنسوخة عن النظام الستاليني سيئ الصيت .و استطاعت كل هذه الدول تقريبا أن تنجز التغيير الديمقراطي السلمي بمساعدة العالم الحر و الأصدقاء و حكمة الشعوب و تفهم المسؤولين …. البعض فقط سقط في أتون الحرب الأهلية , أو الاحتلال عندما تعسفت السلطة و تعنتت و مانعت بشكل مطلق و غبي أي بادرة إصلاح أو تغيير .
– سورية اليوم مدعوة لإنجاز هذا التغيير لأنه سنة الحياة.. و لان البديل الوحيد عنه لا يقل هولا عما حدث في العراق أو لبنان و الصومال .. أي أننا جميعا مدعوون لأخذ المبادرة و تحمل المسؤولية و ليس من حق السلطة أن تمنعنا .
– نحن لم نطالب رجال السلطة (الذين سبق و طرحوا مشروعا للإصلاح ثم تراجعوا عنه ) أن يسلموا أموالهم و أن يمثلوا أمام المحاكم .. سألناهم فتح أبواب السجون و الحريات , و عقد مؤتمر مصالحة وطنية على أرضية طي صفحة الماضي و التسامح , و من ثم إطلاق حوار وطني شامل من اجل عقد وطني جديد , أساسه حقوق الإنسان و العدل و دولة الحق و القانون و الكرامة للجميع .
– و بقدر صلابتنا في الدفاع عن كرامتنا و حقوقنا و مبادئنا في مواجهة الظلم و التعسف ،بقدر ما نحن متسامحون في حال رفعت المظالم و مهد الطريق نحو الحق , لقد كنا و ما نزال نتمسك بالوسائل السلمية و العلنية لأننا الأقوى , لأننا من يمثل تطلعات شعبنا , و الأقوى بمساندة أصدقائنا , و قبل ذلك لان الحق قوة , وأما الباطل فقد كان زهوقا .
– الدرس الذي أردت أن نتعلمه في هذه المحاكمة السياسية هو أن الحرية التي رفعها البعث كشعار تم التنكر لها كممارسة هي أساس رشاد الحكم و قيام الوطن , و من دونها كل شيء سيفسد : الحاكم و المحكوم على السواء , الحرية هي الشرط الأول و البند الأول لأي إصلاح أو صلاح , و من دونها سوف ندور في حلقة مفرغة اسمها التخلف,
إن الأساس في الحياة المدنية هي الحرية التي يسهر على ضمانها قضاء مستقل يعمل بقوانين ارتضاها الشعب لنفسه .. ماذا يتبقى من العدالة إذا كان المدعي هو الحكم ….. أو إذا تحول القضاء إلى أداة لقمع الحريات و سجن الأحرار
– إن ذلك سيكون بمثابة دق المسمار الأخير في نعش الوطن و السلم الأهلي و الاستقلال …. ألا هل بلغت .. الهم اشهد
أخوتي اكرر دعوتكم للحق و الإيمان و العدل و لتكن منكم امة يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و البغي …
و لله الأمر من قبل و من بعد
و السلام

0109 0110 0111 0112 0113 0114

ملاحظة : ان هذا الدفاع قد قدم في تاريخ 18 آذار 2007 و قد قرأ علنا في الجلسة و تم توزيعه ونشر نسخ مترجمه

الدكتور كمال اللبواني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.