يثب

الثورة السورية .. مشاهدات وتحليل

Kamalلأني بت مقتنعا أن المطلوب ليس نجاح جنيف بل مجرد حضورها ، ليتم عبر بوابتها وضع سوريا تحت الوصاية الدولية، حيث لم يجر اطلاقا العمل على ايجاد ما يضمن نجاحها في الوصول لجسد حكومي متفق عليه ، قادر على السيطرة على المتقاتلين في الطرفين ( وهو أمر شبه مستحيل قبل اجراءات كثيرة ) ، لذلك صرت مقتنعا برفض مجرد فكرة الذهاب لجنيف ، لأن هذا الحضور سيترتب عليه فقط ترك مصير سوريا بيد المبعوث الدولي ، الذي سينحصر عمله في الشأن الإنساني ، أي ما يسمى وقف شلال الدم ، أي وقف اطلاق النار ، وتثبيت حدود التقسيم الحالي ، المحروسة بحالة عداء قيمتها 400 ألف شهيد ومفقود وجرائم إبادة ودمار ما بعده دمار ، نعم في جنيف يتحول المجتمع الدولي من مسؤول عن حماية الشعب السوري و عن تمكينه من حقه في اختيار سلطته ، و عن حماية وحدة وسيادة دولته ، و عن إقامة المحاكم الدولية للمجرمين بحقه وبحق الانسانية ، يتحول إلى مجرد مراقب لا مسؤولية عليه ، ووسيط يتلاعب بميزان القوى كيف يشاء ….

فتنتهي سوريا لدولة فاشلة تحت الوصاية ، وتنقسم الثورة بين معتدلين يتفقون على هدنة مع النظام ، عبر قناة خلفية يجرى التحضير لها منذ الآن ، ومتطرفين هم ما تبقى من ثوار فعليين ، يحاربهم العالم كله لكسر ارادتهم في الحرية والكرامة والسيادة ، حيث سيلتزم كل من يحضر تحت البند السابع بوقف لإطلاق النار ومنع سلاح بل سحبه ، وهكذا تسحب الشرعية من الثورة ، وتوضع تحت حصار دولي ملزم ، لو فكرت بمخالفة الإرادة الدولية ، وهذا هو المطلوب الخفي من قبول الحضور لجنيف ، ولا يهم بعد ذلك ما يجري خلاله ، فالأطراف ستعجز حتما عن الاتفاق وهذا شيء مفهوم بداهة ، ليصبح الحل تلقائيا بيد المجموعة الدولية ، التي ستنفذ أجندتها في تقاسم سوريا وتقسيمها وتحويلها لدول تابعة وفاشلة ، تبعا لميزان القوى الذي فرضته هي قبلا .

لذلك قمت باتصالات مكثفة مع قادة في الداخل تبعتها بزيارة ميدانية، حاملا معي أسئلة ثلاث :

هل تريدون الذهاب لجنيف ، والبحث عن حل سياسي مع النظام أي بما ينتهي له كل تفاوض من تقديم تنازلات متبادلة ، لا نعرف حجمها… لكنها مرتبطة بميزان القوى الفعلي على الأرض ، وهو ما تعلمون حاله ؟

هل تقبلون بالوفد الذاهب للتفاوض باسمكم خاصة وأنه يضم مكونات متعددة ، وبشكل خاص الائتلاف ، وهل تفوضونه وتقبلون ما يوقع عليه ، وهل أنتم راضون عن سلوكه ؟

ما هي قدرتكم على الصمود ، وانتاج قيادات في الداخل إذا كان جوابكم بالرفض ، وما مدى توافقكم مع ارادة الحاضنة الشعبية التي دفعت الكثير و يقال أنها تشعر بالتعب واليأس ؟

أنقل لكم أولا ملخص الإجابات التي سمعتها، وتضم حيثيات ودوافع الموقف الواضح الذي عليه شبه إجماع في المناطق المحررة :

رفض جنيف جملة وتفصيلا ، فهي مطلب روسيا والنظام لوقف الثورة ، تحت ذريعة الحوار ، نحن لا نريد النظام الذي يقتلنا ولا الحوار معه ، ولا نفوض أحد بذلك ، حتى لو كان على رحيل النظام كما يدعون ، لأننا لا نصدق سوى الأفعال ، وخير البر عاجله ، لكن ما شاهدناه منهم هو عكس ما يقولونه ، فالثقة بهم وبضماناتهم معدومة ، بل هم كاذبون مخادعون ، وعلى رأسهم أمريكا أوباما الذي خبرنا عدالته وخطوطه الكيميائية ، وروسيا التي تحارب مع النظام ، ناهيك عن ايران ومرتزقتها ، والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ، حتى الوسيط الابراهيمي هو ابن النظام العربي الشمولي ذاته ، وكل ما سبق ذكره هم شركاء في قتل الشعب السوري ( مباشرة أو مساعدة أو بالامتناع ) . وكلهم أطراف معادية وليست وسيطة .

نحن لا يهمنا الائتلاف … بالنسبة لنا هو شيء غير موجود ، لقد استقال من كل مهامه ومسؤولياته في الداخل ، ولم يقدم لنا أي شيء ، أعضاؤه يلهثون وراء الشهرة والكراسي والمناصب والمنافع الخاصة و ينعمون بالفنادق ونحن نموت ولا يشعرون بنا ، ولم يفكروا حتى بزيارتنا ، لا نريدهم ولا يمثلونا ولا يعنينا أمرهم .

من ناحية الوفد هو أيضا لا يمثلنا : فهيئة التنسيق ليست جزءا من الثورة ، أحيانا هي تدافع عن النظام أكثر من الجبهة الوطنية البعثية ، والمجلس الكردي والهيئة العليا يقاتلونا ويعتقلوا أولادنا ويسلموهم للنظام ، ويمدوا النظام بالنفط ، والمستقلون هم أيضا مستقلون عنا أيضا ، وإن ذهب أعضاء من الائتلاف فهم قطعا لن يكونوا ممن ينتمون للثورة ، بل من الشيوعين ومن معارضة الخارج ، لذلك هذا الوفد لا يعنينا ولا يهمنا ولا يمثلنا ، والبعض قال سنحاكم هؤلاء الذين تطفلوا علينا وجاء بهم الأجنبي ليبيعوا دماءنا وتضحياتنا ويخونوا قضيتنا ويسرقوا تعبنا وتمثيلنا بغير حق ، ناهيك عن فسادهم واهمالهم وفشلهم . نريد أخذ حقنا في دماء شهدائنا من عدونا ومن كل من يحاول تجنيبه المساءلة و القصاص .

جنيف سيعقدها الأمريكان والروس والنظام وعملائه ووكلاء المصالح الغربية من المعارضة الخارجية ، الكل سيحضر أما نحن فمستبعدون أصلا عنها ، وهي ليست مطلبنا ولا نرى لنا فيها أي دور ، فهي التي قاطعتنا وتريد الغاءنا ولجم ثورتنا ، وما ينتج عنها شيء لا يهمنا ، نحن غائبون ومستبعدون . ولن نقبل الا بتحقيق ارادتنا ، لماذا يذهب الابراهيمي لكل مكان ولا يدخل يلدا المحاصرة مثلا ؟؟؟.

مطلبنا اسقاط النظام المجرم ، وليس وقف القتال ، كما يطلب النظام والفلول ، بل الكرامة والعدالة والقصاص من المجرمين ، وعدم الوقوع مرة ثانية بيد مجرمين آخرين ، فهدف الثورة هو الاطاحة بالظروف والعوامل التي تولد الاستبداد والاضطهاد . ولن نسمح بإعادة انتاج هكذا أنظمة .

ثمن الرجوع عن طريق الثورة أكبر بكثير من ثمن المتابعة فيه ، ولا مجال أبدا لبقاء الذل والهوان ، أو لاستمرار القتلة بيننا ، ولن نورث الذل لأبنائنا ، ولن نسمح بأن يحكمنا من لا نأمنه بعد الآن ، طالبنا بالإصلاح فأدار النظام بنادقه نحونا ودمر أوطاننا ، كيف نفاوضه ، أو نبحث عن حل معه . الحل يبدأ بكف يد وإقالة المجرمين من السلطة .

الدعم الخارجي عمليا غير موجود ، ( لقلته … ثم لفساد طرق ايصاله ) ، ولو انقطع هذا الدعم التافه المخرب ، فنحن قادرون بعون الله على الاستمرار في الثورة بما يتوفر ، وبقليل من الادارة والتنظيم نعوض عنه ، ،كلنا مستعدون لتقديم المزيد والمزيد من التضحيات ، الموت أصبح عاديا بالنسبة لنا ، ومن بقي منا ليس أفضل ممن سبقنا نحو الشهادة . ولا يحق لنا تجاهل عهدنا مع شهدائنا يوم انطلقنا معا في الثورة ، بأن يكمل من يحيى منا الدرب حتى نجاح الثورة .

لا يهم تعب الناس فهذا متوقع في كل حرب ، لسنا نحن من اختار الحرب ، النظام هو المسؤول عن اندلاعها وعن استمرارها ، نحن ندافع عن الشعب الذي فوض الثوار والجيش الحر في خوض المعركة ضد جيش الاحتلال والخيانة ، ونحن ماضون بهذا التفويض حتى تحقيق النصر . وغير مسموح بالتراجع أو الفرار أثناء المعركة ، فقرار الحرب قد اتخذ ، ونحن في وسط المعركة ، ومن يفكر بالتراجع أو التوقف يعتبر خائناً ، ومتسببا في الهزيمة ، فمرحلة الخيارات قد انتهت . والحرب اندلعت واستمرت سنتين ونصف ، ولا يجوز التردد في متابعة المعركة حتى يقضي الله أمره فيها . ( لا تولونهم الأدبار )

لا مكان لحل سياسي مع هذا النظام بعد أن أمعن في قتل الناس سنتين ونصف . فالخلاف ليس سياسيا بل جنائي يرقى لمستوى الابادة البشرية ، المسألة ليست تجارة ومصالح وحسابات أرباح وخسائر ، بل مسألة مبادئ وقيم ، وجناية وعدالة ، ولا سلام من فوق العدالة ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) .

القواعد والقوانين والقيم المطبقة حاليا تخص زمن الحرب ، وليس السلم . وهي حرب وجود وهوية . ونحن نعمل أولا من أجل الدفاع عن الحق في الحياة ، والحق في البقاء على الأرض ، ثم تأتي لاحقا بقية القضايا التي تعتبر لاحقة ولا يجوز تغيير ترتيبها ، أو اشتراط أولها بآخرها .

لا تقلقوا نحن راضون وصابرون ولا نريد منكم سوى الدعاء بأن يتقبل الله تضحياتنا ، الموت أشرف لنا من الاستلام ، أو نصف الحل ، ونحن نفضل الشهادة بل هي غايتنا ومطلبنا ، ولا يمنعنا عنها سوى النصر واستسلام العدو لشريعة الله والحق والعدل ، دنياكم لا نريدها ،ولا تهمنا حساباتها ، فالرغبة في الشهادة أكبر عندنا من تمسككم في الحياة ، بيننا على ما يبدو اختلاف في اللغة يجعلنا غير قادرين على التفاهم ، أنتم تحسبونها سياسيا ونحن نراها قيما .

نحن بنظر المجتمع الدولي ونظر الاعلام الغربي مندسين ومتطرفين وارهابيين ، وهم يفضلون النظام علينا ، ولا يهمهم سوى الأقليات التي تدفع لقتالنا والغائنا ، و من يدعون صداقتنا يخربون أوطاننا كرمى لعيون اسرائيل .

د . كمال اللبواني 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.