«القيصر» أمام حرب الاستنزاف من سوريا إلى أوكرانيا

فلاديمير بوتين، «قيصر» خطِر وخطير. يدير «القيصر» السياسة من الكرملين في موسكو وكانّه خارج من الحرب الباردة. يريد استرجاع أمجاد «الاتحاد السوفياتي» تحت اسم «الاتحاد الأوراسي»، وكأنّ العالم لم يتغيّر، وأنّ بإمكانه وضع الجميع من واشنطن إلى برلين مروراً بباريس على حافة الهاوية. السياسة «البوتينية» تجاه اوكرانيا تؤكد ذلك. يتحدّى الجميع، طالباً منهم التراجع والتسليم له بما يريد. يعتمد في ذلك على خوف خصومه وضعفهم. مَن يجعل سلاحه «الروليت الروسية» يراهن على تراجع مَن يواجهه. ربما بوتين يقول في نفسه: «اوكرانيا هي «صحن الدار» لروسيا، فليتحمّل الآخرون مسؤولية التفجير أو الانسحاب«، تماماً كما حصل مع الرئيس الراحل جون كنيدي عندما وضع العالم كله على حافة الهاوية النووية بسبب كوبا.

فلاديمير بوتين ضمّ القرم بالقوّة المسلحة. يمكن لـ»القيصر« أن يجد في سكانها الروس السبب. الواقع يؤكد أنّه اقتطع جزءاً من اوكرانيا وهو يهدّد كامل اوكرانيا بعدم الاستقرار.

ما يشجّع بوتين على تحدّي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، معرفته العميقة بأنّ الحرب ممنوعة وأنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يريد مواجهة القوّة بالقوّة. ربّما موقف أوباما من سوريا شجّعه على هذا التحدّي. لكن اوكرانيا تتجاوز بحساسيتها الاستراتيجية سوريا بالنسبة لأوروبا. ما يخيف الغرب أنّه إذا نجح بوتين في هذا التحدّي سيذهب بعيداً. ليس من الضروري أن يتقدّم الجنود الروس حيث يريد. القلق من مصير مشابه لاوكرانيا سيدفع الآخرين خصوصاً من دول «الاتحاد السوفياتي« سابقاً للرضوخ. الحرب العسكرية ممنوعة. الحرب الاقتصادية مفتوحة. في يوم واحد بعد الإعلان الغربي عن عدم المشاركة في قمّة الثمانية والاستعداد لاتخاذ قرارات أقسى وأشمل، تراجع الروبل أمام الدولار، واضطر المصرف المركزي الروسي إلى رفع الفائدة من 5,5% إلى 7%، فماذا عن الغد؟

طهران قبل موسكو، رضخت أمام آلة الحرب الاقتصادية. موسكو لن تنتظر عدّة سنوات حتى تفاوض. «القيصر» رحّب بالمفاوضات والحل السريع. يُقال إنّ «القيصر» سيردّ في سوريا، وهو سيرفع منسوب تصلّبه في دعم الرئيس بشار الأسد. المشكلة أنّه لم يعد لديه بعد ثلاث سنوات ما يقدّمه للأسد أكثر ممّا قدّمه من خبراء وأسلحة و«فيتوات« في مجلس الأمن.

مشكلة «القيصر» أنّه في سوريا وأوكرانيا وفنزويلا (يطمح لإقامة قاعدة فيها)، يخوض «حروباً استنزافية»، ذات تكلفة عالية بالنسبة له (قبل ثلاث سنوات كانت سوريا مَدِينة لروسيا بمبلغ 30 مليار دولار، علماً أنّ «القيصر« أسقط نصف أصل الدين وهو 60 مليار دولار). أيضاً ماذا يستطيع أن يقدم بوتين للأسد أكثر ممّا قدّم. لم يبقَ له سوى إقحام جنوده في المعركة ليصبح تدخّله كاملاً من موقع العدو.

باراك أوباما، ليس رجل حروب، لكنّه أيضاً ليس الرئيس الذي سينسحب من العالم أمام بوتين. توجد ألف وسيلة لخوض حرب ناجحة دون تكلفة. أوباما سيترك بوتين يغرق في «المستنقع» الاوكراني كما تركه في سوريا ليستنزف قواه خصوصاً على الصعيد الاقتصادي. أيضاً سيحاصره اقتصادياً بالتفاهم مع الدول الأوروبية. ليس بالضرورة على مثال إيران، ولكن عبر سياسة إغلاق «الأبواب» على الاقتصاد العالمي المفتوح. يمكن اتهام واشنطن وباريس وحتى برلين بأنّها تتحرّك بمنطق امبريالي، لكن من المفيد والمنتج القول بأنّه كان للشعب السوري مطالب محقّة نابعة من الواقع السوري، كذلك في اوكرانيا وايضاً في فنزويلا (حيث شافيز نفذ سياسة اقتصادية «نجادية» فأفقر أغنى دول أميركا اللاتينية) وأنّ واشنطن استثمرت الواقع المرّ لمصلحتها من دون تكلفة.

مأزق بوتين أنّه ركب «ظهر النمر»، وأنّ عليه أن ينزل عنه دون أن يلتهمه.

اسعد حيدر – المستقبل 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.