يثب

كيف يدير الغرب لعبة تقسيم سوريا

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

لم يعد خافيا على أحد مقدار التشابه بين مصير يوغوسلافيا ومصير سوريا … فكل ما يجري يؤكد التطابق في تسلسل الأحداث وطريقة ادارتها ومقارباتها …

بعد اندالاع الثورة السورية سكت الغرب عن جرائم الأسد واكتفوا بالإدانات الكلامية ، وتركوا الملعب للمال الخليجي والحركات الاسلامية المتشددة لتنمو وتزدهر وتعمق الانقسام الطائفي في غياب مشروع حقيقي لانقاذ الشعب السوري ، ثم تساهلوا مع تدخل حزب الله وايران ، وتركوا الطائفة العلوية تغوص في بحر الدماء السنية ثم ساعدوا داعش للقيام والتمدد … وتساهلوا بل تعاونوا مع التدخل الروسي لرسم حدود الدويلة العلوية ، وساعدوا الكرد على توحيد دويلتهم في شمال سوريا بحجة الحرب مع داعش … ولم يقدموا أي مساعدة للجيش الحر عندما حاربها … وتساهلوا مع توسع حزب الله في وسط سوريا واحداث تغيير ديموغرافي خطير فيه بالتزامن مع هيمنته على لبنان ، ومنعوا اسقاط الأسد وعطلوا كل النظام الدولي بما فيها محاكم جرائم الحرب واتفاقيات جنيف واتفاقيات منع استخدام أسلحة الدمار الشامل …. وساهموا في تهجير الأغلبية السنية بل وصلت بهم الوقاحة للترحيب بها بدوافع انسانية … ورفضوا أي فكرة لاقامة مناطق آمنة شمال حلب .

وبعد أن وصلت الجراح لدرجة غير قابلة للاندمال ، اختاروا طريقا واحدا للحل هو الحل السياسي عبر مسار جنيف ، وسعوا جاهدين لاقناع كل الأطراف بالقبول بهذا المسار ، وهم يعلمون علم اليقين أن التوافق قد أصبح مستحيلا بين المتصارعين … واستطاعوا أخيرا عبر هيئة الرياض توريط المجموعات المسلحة بالقبول بمبدأ جنيف وبالرعاية الدولية التي تمثلت بمبعوث الأمم دي مستورا … وتنطحوا في مجلس الأمن لدعم وحدة سوريا والحل السياسي الذي سينتج عن مسار التفاوض … وجمعوا ما هب ودب على مائدة فارغة … فلا الأسد سيقبل بالتنازل ولا المعارضة ، وهم ليسوا بوارد تركيب أي ضغط على الأسد … والنتيجة البادية للعيان هي فشل المفاوضات …

طبعا تصميم مفاوضات فاشلة هو الهدف الخفي لجهود كيري ، والخديعة المقصودة هي القبول بالتدخل الدولي وتكليف المجتمع الدولي بإيجاد حل سياسي للسوريين … وعندما تفشل هذه المساعي كما هو متوقع  ، ترتفع أصوات وقف حمام الدم ، ومنع الانتقام ، ولا يبق سوى العودة لمجلس الأمن ودراسة مقترح دي مستورا الذي سيتضمن خطة لتقسيم سوريا بناء على الأمر الواقع الراهن الذي ثبتته الهدنة بعد التدخل الروسي ، أي بذات طريقة تقسيم يوغوسلافيا بعد مذبحة سيربينتشا وكوسوفو …

نعم … من قبل بمسار جنيف هو الذي فرّط بقرار الثورة ووحدة سوريا … فلو رفضنا هذا المسار لما تنطح أحد ليكون وصيا علينا بارادتنا ولما أعطينا الشرعية للتدخل الدولي السافر في كتابة دستورنا واختيار ممثلينا وقيادتنا بل أخيرا في رسم حدود تقسيمية لبلدنا  …

طبعا ما يجري ليس حبا بالعلويين أو بالكرد ولا بحزب الله ومليشيات الحشد الشيعي ، بل استكمالا لخطة تقسيم العالم الإسلامي عبر اقامة الهلال الشيعي الكردي الذي يفصل مسلمي جنوب آسيا وتركيا عن العرب ويصنّع حدودا جغرافية فاصلة تمنع قيام أي نوع من الوحدة بينهم واشغال المسلمين  في صراعات بينية … ما جرى في العراق وما يجري في سوريا ولبنان هو تنفيذ لمخطط استراتيجي غربي يحمل ذات دوافع وأهداف الحرب العالمية الأولى التي على ما يبدو أنها لم تنته بعد .

بعد فشل جنيف  ستحدد معركة حلب مصير هذه الحرب … هل ينجح العرب بالتعاون مع الترك في كسبها كما كسبوا معركة شنا قلعة التي حافظت على استقلال تركيا ومنعت استعمارها ، هل ستتدخل السعودية والدول العربية لانقاذ الأمة الاسلامية ومستقبل الشرق الأوسط برمته … نحن على موعد مع صيف حاسم ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.