لماذا يتجدد التصعيد الروسي ـ السوري في الشمال… بينما العالم يتفرّج؟

شهدت مناطق شمال غربي سوريا تصعيداً ملحوظاً خلال الفترة الماضية، أسفر عن مقتل وجرح نحو 10 مدنيين بينهم طفل، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، وذلك بالتزامن مع توقف عشرات المشاريع الإنسانية بينها مشاريع خاصة بالأمن الغذائي في المنطقة نتيجة توقف دخول المساعدات الإنسانية، وإغلاق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا أمام الحركة الإغاثية وحركة الوفود الأممية، وانخفاض المخزون الخاص لدى المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة وتحديداً في محافظة إدلب وريفها.
وتعرضت مناطق مختلفة شمال غربي سوريا، أمس الأحد، لقصفت مدفعي استهدف القرى القريبة من مناطق التماس، فيما استهدفت قوات النظام بلدة الناجية بالصواريخ الموجهة.
وقال نائب الدفاع المدني السوري منير مصطفى، لـ “القدس العربي” إن قوات النظام السوري وروسيا، نفذت الأحد، هجمات جديدة على بلدات جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، مشيراً إلى أن القوات المهاجمة ركزت على قصف الأحياء السكنية في المنطقة.
وأضاف مصطفى: قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة التجمعات السكنية في بلدة كنصفرة، وإحدى القذائف سقطت بالقرب من مدرسة أطفال، وأخرى على مسافة قريبة من فرق الإنقاذ التي استجابت لتفقد موقع القصف، وذلك بالتزامن قصف مماثل على قرية البارة، وقصف بالصواريخ الموجهة على بلدة الناجية، و حيث أصيب طفل كان يرعى الأغنام.

«هجمات ممنهجة»

وتتوجه هذه الهجمات التي وصفها نائب مدير الدفاع المدني السوري في إدلب بأنها “ممنهجة” لضرب استقرار المدنيين في المناطق القريبة من خطوط التماس، مبينا أن الفترة الأخيرة شهدت تصعيدا في وتيرة القصف، خاصة أن القوات المهاجمة استخدمت “الصواريخ الموجهة” وهي هجمات خطيرة لأنها دقيقة الإصابة، وغالباً ما تكون مزدوجة.
وقالت مصادر محلية، إن فتى يعمل بالرعي أصيب جراء استهداف قوات النظام بصاروخ حراري موجه سيارة كانت مركونة جانب منزل سكني في قرية كمعايا غربي إدلب، حيث أصيب الفتى القريب من المكان بشظايا القصف وأسعفته فرق الإنقاذ إلى المشفى لتلقي العلاج، كما استهدفت قوات النظام بهجوم ثانٍ مماثل (صاروخ حراري موجه) دراجة نارية على طريق قرية الكندة قرب الناجية في الريف نفسه، بدون تسجيل إصابات.
واستجابت فرق الدفاع المدني منذ بداية العام الحالي حتى 6 آب لـ 8 هجمات من قبل قوات النظام بصواريخ حرارية موجهة على مناطق ريف حلب الغربي، تسببت بمقتل 7 مدنيين بينهم متطوع من الدفاع المدني السوري، وإصابة مدنيين آخرين.
وتتزامن الهجمات مع كل استحقاق سياسي، حيث تسعى روسيا لتسخين الميدان لإثبات قدرتها على تغيير المعايير وقلب الطاولة.
وقتل يوم السبت 5 مدنيين في هجمات لقوات النظام السوري على ريف حلب الغربي وأطراف إدلب، حيث قتل 3 مدنيين (رجل وزوجته وابنهما) وأصيب 6 أشخاص، بينهم امرأة، بغارات جوية روسية استهدفت مزارع وأبنية، ومنازل مدنيين، على الطريق الواصل بين مدينة إدلب وقرية عين شيب، كما تعرضت فرق الإنقاذ في الدفاع المدني السوري، ومسعفون في المكان لهجوم مزدوج بغارة جوية أثناء إنقاذهم المصابين. واستهدفت الغارة الأولى بحدود الساعة 11:02 صباحاً منزلاً سكنياً تقطن فيه عائلة وأدت لوفاة الرجل وزوجته وابنهما وإصابة 5 أشخاص آخرين كانوا بالقرب من المكان، تلتها غارة جوية ثانية بحدود الساعة 11:04 صباحاً على نفس المكان، بينما كانت الغارة الثالثة بحدود الساعة 11:11 صباحاً استهدفت منزلاً سكنياً قريباً من المكان وأدت لإصابة شخص آخر، حيث كان متطوعون من فرق الإنقاذ، ومسعفون آخرون بالقرب من المكان.
وقتل مدنيان وأصيب 4 آخرون من بينهم ابن أحد القتلى وكانت إصابته خطرة، يوم الجمعة 4 آب، جراء استهداف مزدوج بصواريخ موجهة، من قوات النظام في منطقة الشيخ عقيل غربي حلب، لسيارة مدنية نوع (فان) ثم سيارة رافعة كانت يعمل بها الضحايا لسحب السيارة الـ (فان)المتضررة من الاستهداف الأول.
وارتكبت الطائرات الحربية الروسية يوم الأحد 25 حزيران الماضي مجزرة، راح ضحيتها 9 أشخاص بينهم عمال ومزارعون، وأصيب 61 آخرون، في سوقٍ للخضراوات والفواكه على أطراف مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي.
وارتفعت وتيرة هجمات النظام وحليفه الروسي على شمال غربي سوريا في الآونة الأخيرة وتركزت على ريفي إدلب الغربي والجنوبي وريف حلب الغربي ويتعرض ريف إدلب الشرقي وريفي حلب الشمالي والشرقي بين الحين والآخر لهجمات مماثلة سواء بالغارات الجوية أو الاستهدافات المزدوجة بالصواريخ الحرارية الموجهة.
واستجابت فرق الدفاع المدني السوري، منذ بداية العام الحالي 2023 حتى يوم الجمعة 4 آب لـ 416 هجوماً في مناطق شمال غربي سوريا من بينها 12 هجوماً روسياً بـ 27 غارة، وراح ضحية هذه الهجمات 46 شخصاً بينهم 7 أطفال و 4 نساء وأصيب على إثرها 184 شخصاً بينهم 58 طفلاً و 26 امرأة.
ووصف التقرير الهجمات المستمرة لقوات النظام وروسيا، بأنها تأتي “ضمن منهجية في الإجرام لأجل قتل الحياة في شمال غربي سوريا، وحرمان المدنيين من الاستقرار وفرض حالة من الرعب والذعر بينهم، وفرض المزيد من التضييق بمحاربة كل سبل الحياة ومصادر العيش”.

منع إدخال المساعدات

وأضاف: إن ما يقوم به النظام وروسيا من قصف للمدنيين وعقاب جماعي، دون أي رادع دولي لإيقاف الإجرام وحماية المدنيين بموجب القوانين والأعراف الدولية، يأتي في إطار محاولة منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، لافتاً إلى أن ذلك “تحدٍ صارخ للإنسانية وللقانون الدولي الإنساني، ويبقى الحل طويل الأمد للأزمة الإنسانية في سوريا هو الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وهذا ما يجب أن يكون على رأس أولويات المجتمع الدولي المطالب بالوقوف إلى جانب السوريين ومحاسبة نظام الأسد على جرائمه”.
وحسب تقرير للدفاع المدني، فإن الطائرات الروسية، وقوات النظام تواصل هجماتها “الإرهابية على قرى وبلدات شمال غربي سوريا” مخلفةً قتلى مدنيين ومصابين بينهم عامل إنساني، إذ يأتي ذلك استمراراً لسياستهم في قتل المدنيين، وحربهم المستمرة دون رادع منذ 12 عاماً، وأزمة إنسانية غير مسبوقة مع توقف تمديد تفويض آلية إدخال المساعدات عبر الحدود، بسبب الفيتو الروسي. في موازاة ذلك، قالت منظمة منسقو استجابة سوريا، إنه مضى 26 يوماً على إغلاق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا أمام الحركة الإغاثية وحركة الوفود الأممية.
ووفقا للتقرير فإنه منذ انتهاء التفويض الأممي 2672 /2023 سجل دخول 81 شاحنة فقط من معبري باب السلامة والراعي وفق الاستثناء المعمول به. وسينتهي الاستثناء الخاص بمعبر باب السلامة والراعي بعد أسبوع واحد بتاريخ 13 آب أي ستتوقف حركة الإغاثة والوفود أيضاً إلى الداخل السوري.

أكثر من 23 مهمة

كما نفذت وكالات الأمم المتحدة منذ إغلاق معبر باب الهوى أكثر من 23 مهمة ضمن مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي حتى الآن، استهدفت أكثر من 45 موقعاً داخل المنطقة، إلا ان ثمة انخفاضا ملحوظا في المخزون الخاص لدى المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة وتحديداً في محافظة إدلب وريفها نتيجة توقف حركة معبر باب الهوى والضعف الكبير في حركة المعابر الأخرى، وسط غياب كامل للملف الانساني السوري في مجلس الأمن الدولي منذ أكثر من 20 يوماً.
وأضاف التقرير أن عشرات المشاريع التي تقوم المنظمات بتنفيذها في المنطقة توقفت، من بينها مشاريع خاصة بالأمن الغذائي في المنطقة نتيجة توقف دخول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة. وذلك وسط “استهتار واضح من قبل أعضاء مجلس الأمن الدولي بما يتعلق بالملف الإنساني وارتفاعات ملحوظة في أسعار المواد والسلع الغذائية الأساسية في الأسواق المحلية، بالتزامن مع تزايد واضح في أعداد السكان في المنطقة”.
وقال: كان في إمكان الأمم المتحدة الوصول إلى حلول إضافية متوفرة من خلال إخراج الملف الانساني إلى خارج أروقة مجلس الأمن الدولي. وطالب التقرير كافة المنظمات والهيئات الإنسانية بالاستعداد بشكل كامل أمام الصعاب الجديدة التي ستفرض عليها خلال الفترة القادمة والعمل بشكل جدي على إيجاد بدائل حقيقية لضمان استمرار المساعدات للمدنيين، كون مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة أثبتا عدم الجدية والالتزام الفعلي بالملف الإنساني السوري.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.