استمراراً للدعم السياسي الأمريكي الشكلي للمعارضة السورية عموماً الذي يفتر ويقوى، وفي إطار يتسق مع التأييد الأمريكي الرمزي والإعلامي لكل الحراك في سوريا في المرحلة الماضية، تلقى الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري اتصالاً من الخارجية الأميركية للتأكيد على دعم واشنطن للانتفاضة الشعبية في السويداء ضد النظام السوري. وأفادت السفارة الأمريكية في سوريا في منشور عبر حسابها على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، الأربعاء، بأن نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي إيثان غولدريتش تحدث مع الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، حيث أكّد غولدريتش دعم بلاده لحرية تعبير السوريين، بما في ذلك الاحتجاج السلمي في السويداء جنوب سوريا. وأضاف حساب السفارة على المنصة أن هدف الاتصال: “تأكيد دعمنا لحرية التعبير للسوريين، بما في ذلك الاحتجاج السلمي في السويداء. ونؤكد من جديد دعواتنا إلى سوريا عادلة وموحدة وإلى حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن الرقم 2254″.
وكانت مصادر مقربة من الرئاسة الروحية للدروز قد أكدت تلقي الهجري اتصالات دولية وإقليمية بشكل شبه يومي للاطمئنان عن الأوضاع في محافظة السويداء. وكانت النائبة في البرلمان الأوروبي كاترين لانغزيبن قد عبّرت، يوم الجمعة، عن دعمها لانتفاضة أهالي السويداء خلال اتصال هاتفي مع الشيخ الهجري. وحسب مصادر إعلامية معارضة، فإن لانغزيبن، التي تشغل منصب رئيسة لجنة الشؤون الخارجية ومسؤولة الملف السوري في كتلة حزب الخضر بالبرلمان الألماني، أكّدت دعم بلادها للحراك الشعبي في السويداء ودرعا وبقية المناطق السورية. كما أشارت إلى حرص الأوروبيين على سلامة الشيخ الهجري الشخصية، ودانت إطلاق النار على المتظاهرين السلميين من قبل النظام. وحول تطورات الموقف الأمريكي، واتصالات مسؤوليه المتكررة مع الشيخ الهجري، يرى الباحث لدى مركز جسور للدراسات الاستراتيجية رشيد حوراني لـ”القدس العربي” أن ذلك يقع في إطار الدعم المعنوي فقط. ورأى الحوراني أن الموقف الأمريكي لم ينتقل إلى الدعم السياسي الحقيقي الذي يصل إلى مستوى المطالب والشعارات المرفوعة (تطبيق القرار 2254) كما أنه يفتقر إلى الخطوات الفعلية الضاغطة على النظام لدفعه على السير في الحل السياسي.
«دعوة مبطنة»
وأضاف: نستطيع أن نذهب إلى أبعد من ذلك في قراءة هذه الاتصالات التي تحمل في طياتها دعوة مبطنة للاعتراف بالنظام كجزء من الحل. وحول الدوافع العامة والخاصة للموقف الأمريكي، الداعم للحراك الشعبي المتصاعد في السويداء، يرى الباحث لدى مركز مشارق ومغارب للدراسات عباس شريفة لـ “القدس العربي” أن الدوافع العامة تتسق مع التأييد الأمريكي لكل الحراك في سوريا في المرحلة الماضية، ودعمها لهذا الحراك، أما الأسباب الخاصة فإنها تتعلق بزيادة الضغط على النظام السوري، وحساسية هذه المنطقة باعتبار أنها محاذية للأردن، وهو بلد مهم جداً للولايات المتحدة، وكونها منطقة قريبة من إسرائيل.
وبالتالي، فإن أي حالة احتجاج أو حالة مقاومة للنظام وللوجود الإيراني في هذه المنطقة، هي مصلحة للولايات المتحدة وفق المتحدث الذي أشار إلى أنها أول مرة يخرج مكون ديني بشكل جماعي ضد النظام السوري، معتبراً أن حراك السويداء يدحض سردية النظام السوري بحمايته للأقليات، الأمر الذي يدفع واشنطن إلى الوقوف مع حراك هذه المحافظة ذات الأقلية الدرزية، لاسيما أنها تنحاز إلى جانب الأقليات في المنطقة العربية. كل هذه الأسباب، فضلاً عن فشل المبادرة العربية، واستمرار تدفق المخدرات من هذه المنطقة الحدودية إلى الدول العربية، تدفع الولايات المتحدة لزيادة الاهتمام والدعم لهذا الحراك المتصاعد في السويداء، وهو ما اتفق معه مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد محمد سالم، الذي اعتبر أن التواصل الأمريكي مع الزعيم الروحي للدروز، هو دعم سياسي لحراك السويداء وهو استمرار واتساق للدعم السياسي للمعارضة السورية عموما الذي يفتر ويقوى حسب السياق.
وقال سالم لـ”القدس العربي” إن السياق الآن، هو استمرار الاحتجاجات في منطقة جغرافية حساسة، بالنسبة للنظام السوري، فيها أغلبية من الأقليات التي يدعي النظام عادة حمايتها، وهو ما يسبب إحراج للنظام وفي نفس الوقت لا يمكن اتهام هذه الأقلية بأنها تمثل مجموعات متطرفة. وعبّر المتحدث عن اعتقاده بأن هذه الفرصة جيدة للأمريكيين لإظهار نوع من الدعم السياسي الذي يبقى رمزياً وإعلامياً محدوداً.
عوامل إضافية
وقال المتحدث: لا ننسى أن هناك عوامل مؤثرة في تقوية هذا الدعم، العامل الأول هو المحاولات الإيرانية لزعزعة الاستقرار في شمال شرق سوريا، وبالتالي ترى الولايات المتحدة أن دعم الحراك ضد النظام السوري في جنوب سوريا هو نوع من الرد على الإيرانيين، وتلويح بوجود أدوات للرد على طهران في حال زعزعة الاستقرار في الشمال، والتأكيد على قدرة واشنطن على دعم الحراك في السويداء بشكل أكبر جنوب البلاد.
والعامل الآخر، هو عامل تأثير اللوبي السوري أو جماعات الضغط السورية، التي تنشط لدعم هذا الحراك بناء على قوانين تمنع الانحدار باتجاه التطبيع مع النظام السوري. وكان الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري قد أعلن في وقت سابق تأييده لاحتجاجات السويداء الشعبية، مؤكداً على مطالب الشعب السوري المحقة، بإسقاط النظام السوري ورحيل بشار الأسد.
وقال في كلمة له أمام الحشود: “نحن نقف إلى جانبكم وإلى جانب هذه المطالب المحقّة. وأرجو الالتزام بالقدر العالي بأدبيات الاعتصام المدني والتظاهر السلمي”. وتشهد مدينة السويداء تظاهرات مركزية في ساحة الكرامة، تطالب بالتغيير السياسي في البلاد وفق القرار الأممي 2254.
الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية علي العبد المجيد، اعتبر في تصريح لـ “القدس العربي” أن الاهتمام الأمريكي بالحراك المتصاعد في السويداء هو “تدخل خادع من السياسة الأمريكية حول قضيتهم بالحرية والإصلاح ومحاسبة المجرمين”. وأضاف خلال مسيرة الثورة السورية منذ 2011 وحتى اليوم ألِفَ الشعب السوري التدخل الخادع من السياسة الأمريكية حول قضيتهم بالحرية والإصلاح ومحاسبة المجرمين. ولليوم مازالت الولايات المتحدة ضمن مرحلة القلق والتنديد والدعوة للإصلاح وغيرها من الشعارات التي لم توقف يوماً البراميل المتفجرة التي كانت تنهال فوق رؤوس الشعب السوري.
الحل السياسي
وأضاف: يؤيد ما ذهبنا إليه تصريح للسفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد المؤرخ ب19 حزيران 2017 عندما قال (إن واشنطن كانت قبل 2013 تقبل ببقاء الأسد خلافاً لتصريحاته العلنية حول وجوب تنحيه). بل وعلى العكس تماماً تعمل السياسة الأمريكية على اليوم على إخراج ملف مكافحة الإرهاب والخوض في تفاصيل الحل السياسي المجمد وفق القرار 2254 الذي يعد بحكم الميت سريرياً.
وبالنظر لاستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا يرى المتحدث أن واشنطن تعمل على إطالة أمد الصراع في سوريا لفترة تكفي لانهيار المتصارعين جميعاً والحيلولة دون محافظة التمرد المجتمعي على هوية من أجل الحرية، وسد كل القنوات التي تؤدي إلى التلاقي السياسي حتى بين المعارضين أنفسهم، والعمل على تسعير الخلافات البينية كل ذلك أرى أنه جزء من استراتيجية الفوضى الخلاقة التي تعمل عليها الولايات المتحدة التي تهدف لإعادة تفكيك الدول العربية وإعادة تركيبها.
وتساءل قائلاً: ماذا استفاد الشعب السوري عندما أعلن أوباما مراراً لألمه عما حل بالشعب السوري في الوقت الذي كانت فيه آلة الإجرام الأسدية تحصد أرواح الآلاف من السوريين؟
وبالعودة لملف السويداء، قال الباحث السياسي: نلاحظ فيه كل مقومات الحراك المجتمعي السلمي المطالب بالحرية والإصلاح وتحسين الوضع الاقتصادي وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالملف السوري، لماذا تكتفي الولايات المتحدة ببعض التصريحات والاتصالات الهاتفية في الوقت الذي تنتشر فيه قواتها والقوات المتحالفة معها من جيش سوريا الحرة على مسافة ليست ببعيدة عن مركز الحراك الحالي؟ وهل تعجز الولايات المتحدة عن تأمين منطقة أشبه ما تكون عازلة في السويداء لا وجود لقوات الأسد فيها؟ وإجابة على هذه التساؤلات قال المتحدث: أرى بكل وضوح أنه لا يجب التعويل على الموقف الأمريكي.
القدس العربي