يثب

السياسة الروسية وأخطاء المعارضة السورية

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

بالأمس حدثت مجزرة أضيفت لسجل طويل من المجازر والجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها النظام … وبالأمس أيضا خرج الوزير الروسي ليقول نحن نتمسك بهذا النظام المجرم … ولن نتخلى عنه ، مما يجعل من روسيا شريكا في ارتكابته وفي الجرائم التي تقع على الأراضي السورية بسلاح ودعم روسي … والسبب في هذه السياسة أن روسيا لا تسلك سلوك دولة عظمى مسؤولة عن تطبيق القانون الدولي واحترام حقوق الانسان … بل تسلك سلوك عصابة ابتزاز تستخدم المجرمين لابتزاز العالم والدول العربية ، وهي إذ تبرر ذلك بالحفاظ على الدولة السورية ومحاربة داعش ، تترجمه عمليا بقصف وقتل أطفال دوما وتدمير المدن ، باعتبارها الوسيلة الناجعة للحرب على الارهاب والحفاظ على الدولة … ماذا كان سيضرها لو طلبت من حليفها الأسد تحييد المدنيين … وعدم ارتكاب جرائم ابادة وتطهير … ألا يخدم هذا ما تعلنه من أهداف … ؟ أم هي سياسة فودكا وجنون ولا عقلانية ظاهرا ، وابتزاز وتشبيح وبلطجة ضمنا تمارسها كأكبر دولة مافيا في العالم .

قال لي ماكين قبل ترشحه في مواجهة أوباما … أنا لافهم سياسة هذا الرجل … كيف ينتظر موافقة مجلس الأمن ،الذي تعطله روسيا ، ويتخلى عن تطبيق القانون الدولي … لو أصبحت رئيسا لما سمحت لديكتاتور ان يقتل شعبه فهذه هي واجبات أمريكا ، أما مصالحها على المدى البعيد فهي فرض احترام قيم حقوق الإنسان وليست في مكاسب اقتصادية صغيرة … إنها اهانة لكل إنسان أن يسكت عن هكذا جرائم ، وادانة لكل من هو قادر على منعها …

بينما قال كيري ذات يوم عندما ذكرته بالتزامات أمريكا ومسؤولياتها الأخلاقية والقانونية تجاه مسائل انسانية … أن روسيا هددت بأنها لن تسمح باسقاط الأسد عسكريا ، ولذلك وتجنبا لصدام مباشر بين الدولتين على الأراضي السورية وفي المنطقة ، اتفق الفريقان لتجنب صدام مباشر على حل سياسي عبر سلطة انتقالية كاملة الصلاحيات ، وأنه شخصيا ربما يكون قد أخطأ عندما قبل الشرط الروسي بعدم التطرق لمصير الأسد للقبول بهذا التوافق …

وبدل أن ترفض المعارضة السورية هذا التوافق المعيب جملة وتفصيلا وكانت الدول العربية وتركيا وفرنسا وبريطانيا تدعمها في هذا الموقف … نفذت المعارضة مطلب أمريكا بالتغاضي عن مصير الأسد ، بل قبلت في حواره بشكل مفاجئ وبمبادرة من شخص رئيس الائتلاف وبعكس وثائقه ، وهكذا تمسك الروسي بالأسد كعنوان لمصالحه وصار يستخدم المزيد والمزيد من جرائمه لابتزاز الغرب والدول العربية لتقديم المزيد والمزيد من التنازلات ، وعندما يرفضون تستمر معاناة الشعب السوري . وبعد تنامي التطرف حظي قبول المعارضة لمبدأ بقاء الأسد بدعم من الدول لأنه بنظرها قد يسهل الحل ويوفر عليها تقديم ثمن ترحيل الأسد ، فتجدد أمل الأسد بالنصر ، وتمسك الروسي ببقاءه لأنه يحفظ مصالحه ، أو بقبض ثمنه كما يريد ، وفشلت المفاوضات لأن الأسد يريد تركيع الشعب السوري وتهجيره ولا يقبل بتقديم أي تنازل قبل ذلك … واستمر الأسد يقتل والروسي يدعم والغرب والعرب يتفرجون على المشهد … والتطرف يزداد قوة .

لعبت ايران دورا محوريا في دعم الأسد ماليا وعسكريا ثم بالرجال وتدريجيا صارت هي من يدير العمليات كمحتل … وعندما سعت أمريكا للاتفاق معها نظرت للموضوع على أن جر ايران للتحالف مع الغرب سيضعف هيمنة روسيا على الطاقة والغاز ، ويضعف روسيا ، ولم تنظر للموضوع السوري … الذي دفع ثمن هذه الصفقة مزيدا من غطرسة النظام ومن التمدد الإيراني … وقد عبر المؤتمر الصحفي المشترك بين الروسي والإيراني عن هذا التناغم العميق في المصالح في الملف السوري … ودفع في ذات اليوم الشعب السوري المزيد من الدماء …. فقد فهم الأسد الرسالة جيدا … هكذا يعتبر الأسد أن ارتكاب المزيد من الجرائم والقتل هو الوسيلة الناجعة والسياسة الصحيحة التي تبقيه وتديم دعم حلفائه له وتخدم مصالحهم … ليس كدول وشعوب مسؤولة بل كعصابات جريمة وتجار دماء … وفهم الشعب السوري أن التطرف والارهاب هو اللغة الوحيدة التي ترد على هذا .

أخطاء المعارضة السورية :

المجلس الوطني أخطأ بأنه بقي كمجلس تمثيلي رمزي في الخارج له دور اعلامي وديبلوماسي يخدم سياسات الدول التي اعترفت به كشكل فقط ، وتغاضى عن كل مسؤولياته تجاه الثورة وتنظيم أمورها ، وسقط في الفشل والفساد … ثم أضاف الائتلاف لهذه الحالة تخريبا سياسيا وصبيانية أضرت كثيرا بالشعب السوري ، كما ذكرنا منذ مبادرة رئيس الائتلاف للحوار مع الأسد عشية لقاء لافروف بايدن في جنيف ، مرورا بقبوله الذهاب لجنيف وتزوير نظامه ومؤسساته ، ثم تقديم وثائق تسمح بتغيير هوية سوريا وتهدد وحدتها ، ثم السعي وراء ديمستورا وأخيرا الذهاب لموسكو وتلقي هذه الصفعة منها … بعد أن وصلت الصبيانية السياسية لمرحلة توهم أن الشمس ستشرق من موسكو …

وبدلا من طرح القضية السورية كقضية جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وحقوق انسان ملزمة للمجتمع الدولي بواجباته ، وترفض الدخول في الحل السياسي قبل تنفيذ العدالة ، وترفض تحويلها لملف سياسي وتفتحها كبزار ،حولوها لقضية سايسية تحل بالحوار مع المجرمين ، وتركوها للبزار السياسي بين مصالح الدول التي صارت تشتري وتبيع على وقع الموت والدمار والتهجير … وتنعكس خلافاتها استمرارا وتسعيرا له .

لذلك مع مجزرة دوما وسقوط الزبداني بيد حزب الله ومع اتضاح عقم وفشل الحلول السياسية وظهور مشاريع التقسيم والتغيير الديموغرافي ، يجب اعتبار ذلك نقطة تحول جذري و الانتقال لمرحلة جديدة تهدف لكسب الحرب على النظام وحلفائه والاحتلال الايراني ، وكما قال الجبير الوزير السعودي تماما : نحن نتمسك باسقاط الأسد وإخراج الاحتلال الإيراني من سوريا سلما أو حربا … وعليه ننتظر اجراءات عربية ودولية ، وعلينا واجبات وطنية في اعادة تنظيم قوى المعارضة كجبهة تحرير … وليس كمجالس خلبية فاسدة وفاشلة تتلاعب بها الدول … لكي لا نتعرض للفناء والزوال كدولة وشعب وسكان وهوية عربية اسلامية في الشرق العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.