هل كان الغضب العلوي مجرد زوبعة في فنجان؟!

مع كل عملية تبادل أسرى يشعر العلويون بأن هذا النظام لا يقيم لهم وزناً… ولا يعيرهم اهتماماً، ولا يبدو حريصاً على حياتهم حين يتطلب الأمر منه، تقديم (تنازل ما) لمن يسميهم: (الجماعات الإرهابية المسلحة).
قالوها عند مبادلة أسرى الحرس الثوري الإيراني الثمانية والأربعين في دوما بغوطة دمشق في كانون الثاني/يناير 2013، ثم عند مبادلة الأسرى اللبنانيين المخطوفين في اعزاز في تشرين الأول/أكتوبر 2013، وقالوها أخيراً عند مبادلة راهبات معلولا في الأسبوع الثاني من شهر آذار/مارس الجاري.
في المرة الأولى كانوا محقين تماماً لأن المبادَل هو الإيراني الغريب الذي يفضله النظام على السوري… وفي المرة الثانية كان المتسبدَلون لبنانيين… أما في قصة الراهبات فالفرز ليس بين السوري والإيراني أو اللبناني في غضبتهم على النظام. الفزر صار طائفياً أشد وضوحاً وفرزاً. فالمستبدلات راهبات مسيحيات سوريات.. يحملن الجنسية السورية، لكن أبناء الطائفة العلوية –رغم ذلك- شعروا بالغضب، وهو غضب لا يشاركهم فيه ربما الشبيح السني أو الدرزي أو الاسماعيلي مثلاَ أن يشعر به… فالشبيح السني الذي عرف معنى التمييز ضده من قبل النظام قبل اندلاع الثورة، يعتبر في قرارة أعماقه أن قيمته عند هذا النظام أقل قيمة من قيمة الشبيح أو المقاتل العلوي، بدليل أننا لم نسمع أصواتاً، أو حتى صرخات غضب على مواقع التواصل الاجتماعي تعتب على النظام لأنه لم يتذكر شبيحة من باقي المكونات!
تقول لنا الطائفة باختصار إنها عاتبة على النظام لأنها هي من قدمت الغالي والرخيص من أجله، ومع ذلك لم يكترث لها ولأسرى أبنائها… حتى بعض المعارضين عتبوا على النظام لأنه لم يستبدل العلويين، كانوا يقولون بين السطور لأهلهم: إن هذا النظام الجاحد لولا تضحيات الطائفة من أجله، لما استمر صامداً حتى اليوم.. فلماذا لا يعاملكم كمواطنين نخبة، مثلما يعتبركم مقاتلي نخبة في ساحات القتال والموت من أجل أن يبقى؟!
اللافت… ورداً على هذه الأصوات، أن النظام بدأ بفبركة ما يسميه: (عمليات نوعية لتحرير مختطفات علويات) معلناً أن لا تفاوض مع (الإرهابيين).. وقد كشفت صور سربتها المعارضة أخيراً، أن العملية النوعية التي أسفرت عن الإفراج عن ثلاث نساء مسنات، كانت قراراً إنسانياً من المعارضة بالإفراج عنهن، كتعبير عن حسن نية… وأنه لم تكن هناك لا عملية نوعية ولا هم يحزنون كما ادعى النظام في وسائل إعلامه على سبيل التباهي الكاذب!
عملية نوعية أخرى بثّ صورها تلفزيون النظام السوري هذا الأسبوع حول ما ادعى النظام أنها كانت لتحرير مختطفين في مدينة الرقة التي تسيطر عليها عصابات داعش… لكن أحداً لم يكترث لها، لأن السيناريو والإخراج الذي فبركت به، كان بدائياً ومضحكاً لدرجة أنها لم تثر سوى السخرية والتندر!
بعد أقل من أسبوعين على ما تسرب عن غضب أبناء الطائفة العلوية من صفقة الإفراج عن راهبات معلولا… خفتت تلك الأصوات. وخفتت معها آمال السوريين بأن يكون هناك تحولا ما في موقف الطائفة من النظام الذي يأخذها إلى حرب دامية مع باقي أشقائها السوريين، يقتل فيها أبناؤها وشبابها من أجل أن يبقى بشار في القصر!
بهذا المعنى كان نظام الأسد هو من طبق فعلياً شعار: (العلوي إلى التابوت والمسيحي إلى بيروت) الذي ابتدعته أبواقه في بداية الثورة من أجل تشويهها، والافتراء عليها… فإذا بهذا الشعار يغدو حقيقة، إنما بقرار من النظام، وليس كخيار من خيارات الثورة!
بعد أقل من أسبوعين يعود العلويون إلى بيت الطاعة الأسدي، وإلى ساحات المعارك ليفدون بالروح والدم بشارهم، الذي لم يحمل لهم البشرى، بل كان نذير الموت والقتل في مواجهة مد شعبي ثوري، لا بد أن يواجه من يحاول أن يثنيه عن معركته الباهظة لنيل حريته.
تتضاءل الآمال إذن بأن يعي العلويون مقدار الخسارة التي يدفعون ثمنها… فهم يحملون اليوم عار نظام مجرم دمر ثلثي سوريا، مثلما يحملون وزر عداء طويل الأمد، لا تكنه الثورة اليوم لباقي الطوائف التي لم ينجح النظام رغم كل ما فعل، أن يجعل منها رأس حربة في مواجهة الثورة كما فعل من العلويين حصراً!
هل كان أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها نظام الأسد بحاجة لدلائل وإثباتات أكثر من صفقات التبادل الثلاث، كي يعوا الدرس؟! هل كانوا بحاجة لمن يقول لهم اليوم ما هي قيمتهم عند هذا النظام؟! هل سيطرح أحدهم سؤالاً: لو أن أحد المخطوفين أو الأسرى لدى الجيش الحر كان من بيت الأسد أو شاليش أو مخلوف… ما سيكون الشعار الذي سيرفعه النظام، كبديل لشعار (لا للتفاوض مع الإرهابيين؟).
السؤال الذي سيطرح نفسه تاريخياً بعد أن تنتصر الثورة، ويجلس المؤرخون لكتابة التاريخ ومحاولة تفسير وقائعه: هل كان العلويون غافلين إلى هذه الدرجة؟! هل كانوا سذجاً ومضللين إلى الدرجة التي لم يكن باستطاعتهم أن يروا المصير الذي يأخذهم إليه نظام الأسد؟! أم أنهم كانوا راضين بهذا المصير لأنهم يعتقدون أنه الخيار الأفضل والأمثل لهم؟!! كانوا راضين بهذا المصير لأنهم لم يتصوروا أن بإمكانهم التنازل عن المكتسبات الطائفية التي منحهم إياها نظام الأسد الأب والابن على مدى عقود، يعرفون تماماً –هم أكثر من غيرهم- أية امتيازات منحت لهم في الجيش والأمن والإعلام والوظائف والبعثات والمنحات؟!
سنترك هذه الأسئلة للتاريخ كي يجيب عنها بأفضل مما نفعل الآن… لكن يجب على العلويين ألا ينسوا أن الكثير من النداءات وجهت لهم منذ بداية الثورة، ومنذ جمعة (أحفاد صالح العلي) كي يعلنوا انشقاقهم عن النظام، وكي يعودوا إلى حضن الوطن –حقيقة لا شعارات زائفة– إنما… من دون جدوى… فقد كان رد الكثيرين منهم: (الأسد أو نحرق البلد) من دون أن يدركوا ان البلد التي هددوا بحرقها منذ البداية، من أجل شخص قد يموت غداً مثل باقي البشر… هم شركاء فيها… أو هكذا يفترض وطيناً على الأقل!

 زمان الوصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.