في الفارق بين المعارضتين الإيرانية والسورية

ثمة تشابه كبير بين النظامين الأسدي والإيراني لجهة حجم الإجرام الممارس على الشعبين السوري والإيراني، غير أن اختلافا كبيراً بين المعارضتين في البلدين، يمكن الوقوف عنده، رغم تعرض الإثنتين تاريخياً لأبشع عمليات الإقصاء والملاحقة والتنكيل.

فبعد سقوط نظام الشاه نتيجة «الثورة الإيرانية»، والتي أدت قوى المعارضة دوراً كبيراً في انتصارها نفذ الشاه يومها اعدامات بالآلاف لمؤسسيها ولعدد كبير من أعضاء قيادتها… ظهرت خلافات بينها وبين نظام الحكم الإيراني الجديد، وصلت بعد عامين ونصف العام من الثورة إلى حد التقاتل بين الجانبين، في صراع محتدم ما زال مستمراً حتى الآن، وبقيت تلك المعارضة إما ملاحقة أو محشورة في معسكرات خارج الأراضي الإيرانية تواجه نظاما تؤيده غالبية حكومات العالم.

الذي حدث فيما بعد، أن تلك المعارضة تبنت خطاباً مغايراً، نظمت صفوفها واستجمعت قواها، واستطاعت أن تثبت أقدامها على الأرض مجدداً، وعلى سبيل المثال في نوفمبر 2008 وبعد معركة استمرت سنوات أمام القضاء الأوروبي، ألغت محكمة العدل الأوروبية قراراً سابقاً من الإتحاد الأوروبي يقضي بتجميد أموال المنظمة الممثلة للمعارضة الإيرانية، بسبب إدراجها على «اللائحة الأوروبية للمنظمات الارهابية». إذ اعتبرت المحكمة في قرارها «أن قرار الاتحاد الأوروبي انتهك حقوق الدفاع لعناصر منظمة مجاهدي خلق.. وبهذا القرار حصلت المنظمة على ما كانت تطالب به بشأن تأكيدها عدم ضلوعها في أي نشاطات إرهابية، بعد معركة استمرت سنوات أمام القضاء الأوروبي. بل إن المحكمة وبخت في قرارها فرنسا، متهمة إياها بالعجز عن تقديم إثباتات على أن المنظمة الإيرانية تشكل تهديداً إرهابياً، كما حكم القضاء البريطاني في أيار الماضي بشطب «مجاهدي خلق» عن لائحة المنظمات الإرهابية في بريطانيا. مع العلم بأن الولايات المتحدة الأميركية قامت بشطب الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية في عام 2003، بشرط تخليها عن السلاح، وهذا ما قامت به الحركة، في مقابل أن تؤمن الولايات المتحدة الحماية لها.

في الوقت الذي بقي العنوان المختلف عليه في مؤتمر «جنيف2» كان محاربة الإرهاب في سوريا، بقيت صفة الإرهاب بشكل ما تلاحق المعارضة السورية. واليوم تتبنى المعارضة الإيرانية، التي لم تعد خشبية ولا انهزامية، وباعتراف القادة الإيرانيين، تتبنى كل المواقف الداعمة للثورة السورية، وقدمت في مؤتمرها السنوي الأخير في باريس الذي عقد الأسبوع الماضي، شرحاً مفصلاً عن فظائع الحرس الثوري الإيراني في العاصمة السورية، دمشق، وفي حلب، وفي القصير. ودعت المعارضة الإيرانية السوريين ليتحدثوا عن ثورتهم أمام وفود ممثلة للبرلمان الأوروبي، حيث الحضور الدبلوماسي القوي، والتمثيل السوري الضعيف.

إنّ ضعف أداء المعارضة السورية صاحبة القضية، مقابل تطور خطاب معارضات أخرى هو مشكلة حقيقية. فالمعارضة السورية منقسمة على نفسها، تعاني صراعات، في ظرف تاريخي لا يحتمل أي ضعف أو انقسام، وبالكاد تجد من يسمع صوتها في الخارج، لدرجة أنها تفشل في أحيان كثيرة في إيصال الصوت السوري إلى العالم، فيصبح السؤال مشروعاً: «لماذا بعد العام الثالث لا تتعلم المعارضة السورية من دروس غيرها لماذا لا توّحد الصف، وتكثف الخطاب وتتبنى المنطق؟ هناك مثال بسيط، المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي ينضوي تحت رايته 5 منظمات وأحزاب كبرى و550 عضواً بارزاً وشهيراً من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية والخبراء والفنانين والمثقفين والعلماء والضباط.. في سوريا نجد ألف فصيل وألف تيار. والكارثة أن الكل يغني على ليلاه.

في لقاء أخير جمع بين شخصيات من المعارضتين، تم الحديث عن جرائم إيران الخميني في يبرود، المشكلة كانت أنهم وثقوا كل شيء حرفياً، ومنحوا الوثائق للمعارضة السورية، التي لم تعرضها بسبب خلاف ما، وتم تجاهل ما قدم على طبق من المصالح المشتركة بين الاثنين، ولكم أن تسألوا رئيس الأركان الجديد عبد الإله البشير عما جرى في ذاك اللقاء، ان لم تخنّي الذاكرة، وقد وضعت اتفاقية التعاون المشترك في الأدراج.

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.