الحرب تبقى سجالاً في سوريا ولا حسم إلا بعد تدمير الكيميائي والاتفاق على النووي

تضاربت المعلومات حول ما أسفرت عنه القمة الأميركية – السعودية. فمن قائل إن الرئيس الأميركي طمأن العاهل السعودي إلى أن أمن دول الخليج هو من ضمن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وذلك حماية للمصالح الحيوية المشتركة، إلا أن هذه الاستراتيجية لا تتضمن تدخلاً عسكرياً لقلب أنظمة إنما تدخلاً سياسياً وضغطاً لإحداث تغيير فيها بالطرق الديموقراطية، والعمل على تحقيق توازن يسود معه الأمن والاستقرار، وتحسين معيشة الشعوب لتصبح مناهضة لكل شكل من أشكال الارهاب ولا تظل أي فئة حاضنة له كونها تشكو من الفقر والقهر والحرمان.

أما بالنسبة إلى الوضع في سوريا فإن حسمه يقترب مع انهاء عملية تدمير الاسلحة الكيميائية السورية كي لا يتخذ الرئيس بشار الأسد وربما روسيا من هذه الاسلحة ورقة ضغط ومساومة على مواضيع أخرى وللحصول على مكاسب إضافية سواء في المنطقة أو خارجها. وبالنسبة إلى ايران فإن البحث يقتصر الآن على البرنامج النووي توصلاً الى اتفاق نهائي حوله لأن البحث في مواضيع أخرى مثيرة للخلاف قد يفتح باب التسويات والمقايضات. وهذا معناه أن لا حسم للوضع في سوريا ولا في المواضيع ذات الاهتمام المشترك قبل أشهر وربما حتى حزيران أو تموز. ومن قائل إن ما تم الاتفاق عليه في القمة الأميركية – السعودية بقي طي الكتمان، ولم يصدر بيان مشترك لهذه الغاية كي لا يثير تسرّبه هواجس دول معنية بأوضاع المنطقة بما فيها روسيا. لكن في الامكان مراقبة التطورات على الأرض في سوريا تقابلها تطورات في أوكرانيا، إذ إنه لم يعد مقبولاً إطالة الحرب في سوريا بعدما باتت تداعياتها تشكل خطراً على دول الجوار، ولا سيما على لبنان بامكاناته المحدودة وعجزه عن إيواء ما يزيد عن المليون سوري على أرضه، ما يهدد أمنه واستقراره السياسي والاجتماعي، فضلاً عن العبء المالي الذي تتحمله الدول المنخرطة في هذه الحرب.
وفي ما يتعلق بتزويد الولايات المتحدة الاميركية المعارضة السورية المعتدلة أسلحة متطورة تعيد التوازن بين المتحاربين، فإن روسيا تعهدت مرّة أخرى وقف غارات النظام على المدنيين بالبراميل المتفجرة. وما إقدام تركيا على اسقاط الطائرة الحربية السورية سوى تحذير لجعل المعارك تقتصر على البر ولا يتدخل فيها سلاح الجو. وهذا يذكّر بحروب لبنان التي كان ممنوعاً فيها على سوريا استخدام الطائرات الحربية والمروحيات، وعندما فعلت تصدّت لها اسرائيل فأسقطت مروحية سورية فوق صنين. وعندها أختفى سلاح الطيران السوري من ساحة الحرب في لبنان. فهل يكون التدخل التركي الجوي نذيراً بإبعاد السلاح الجوي عن المعركة كي لا تبقى عندئذ حاجة إلى صواريخ مضادة يخشى أن تقع في ايدي الاصوليين والارهابيين الذين قد يهدّدون بها سلامة الطيران المدني؟
لذلك لا بدّ من انتظار تطورات الوضع الميداني على الارض، ولا سيما في جبهة الساحل المفتوحة في ريف اللاذقية، فإما تكون مؤشراً لحرب طويلة تتعب كل المشاركين فيها، إلى أن تنضج الحلول التي تطبخها الولايات المتحدة الاميركية وروسيا بالتنسيق والتفاهم مع حلفاء كل منهما، وإما أن تساعد التطورات على الارض على العودة إلى جنيف ليصبح ما كان مرفوضاً في جنيف 2 مقبولاً في جنيف3.
الواقع أن كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تعلم أن الرئيس الأسد لن يتخلى عن الحكم طوعاً وسوف يظل يقاتل ما دام انه يستطيع فرض بقائه، وليس سوى جعل كل المتحاربين يشعرون بالتعب والارهاق ليقبلوا الحل الذي يطبخ لهم.
وفي المعلومات أن لا حسم للوضع في سوريا لا عسكرياً ولا سياسياً إلا بعد تدمير كل الأسلحة الكيميائية السورية، كي لا تظل هذه الاسلحة ورقة ضغط وابتزاز، وبعد التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران حول الملف النووي فلا يظلّ هذا الملف ورقة ضغط وابتزاز أيضاً.
هل صحيح ما يقوله كل طرف عن نتائج القمة الاميركية – السعودية، ومَن يخدع مَن؟
لقد بات بين الولايات المتحدة الأميركية ودول عربية من خلال الممارسات والتجارب أزمة ثقة، فواشطن هددت مراراً وتكراراً بضربة عسكرية لسوريا، ثم تراجعت عنها بحجة أنها نجحت في جعل نظام الرئيس الأسد يتخلى عن سلاحه الكيميائي، وهدّدت بضرب ايران إذا لم تتوقف عن انتاج السلاح النووي ثم وافقت على الدخول معها في محادثات تهدف الى وقف إنتاج هذا السلاح. فمن يضمن ألا تبيع الولايات المتحدة الأميركية أصدقاءها وحلفاءها خدمة لمصالحها، أو تقيم توازناً سياسياً وعسكرياً في ما بينهم أي بين هلال سنّي وهلال شيعي غير معلنين، وتدير أميركا بالاتفاق مع روسيا هذا التوازن. وقد وعدت ايران تحقيقاً لذلك بأن تتعاون وتساعد على حلّ الأزمة السورية، ما جعل السعودية تتريث وتنتظر.

أمير خوري – صحيفة النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.