هل لبس النظام قناع النصرة ليخيف أبناء الجبل؟

“سقوط صاروخ “غراد” غربي مدينة السويداء بالقرب من شعبة التجنيد”، خبر ربما لا يعني شيئا ضمن المشهد السوري الدامي، لكن أن يحدث في محافظة “السويداء” أمر يستحق الوقوف عنده، ولا يمكن قراءته بمعزلٍ عن سياق الأحداث المتسارعة التي شهدتها المحافظة خلال الأيام القليلة الماضية.
قبل ساعاتٍ من سقوط الصاروخ صدر بيان مذيل بتوقيع جبهة النصرة توعدت خلاله باستهداف مواقع النظام في محافظة السويداء “رداً على مجازر الطيران الأسدي بالبراميل المتفجرة, وضمن سلسلة عمليات ثأرا لدماء الأبرياء في محافظة درعا”.
وسبق هذا الإعلان، بيان صادر عن “أحمد النعمة، قائد المجلس العسكري الثوري في درعا”، يؤكد وقوف المجلس إلى جانب السويداء معتبراً أن إهانة أي شيخ في السويداء كأنه إهانة لمشايخ درعا، وأن النظام هو العدو المشترك، مؤكداً وقوف السهل إلى جانب الجبل.
تمرد السويداء
وليتضح المشهد لا بد من قراءة حال السويداء اليوم، بعد انقلابها الأخير على السلطة الدينية، وما تمثله من تبعيةٍ للنظام، أما رئيس الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز “أبو فهد وحيد البلعوس” والذي تم تعيينه من قبل المشايخ الأصلاء بعد “بيان مشايخ العقل الأسود”، أصدر بياناً خاصاً أكد خلاله أنه يقف على مسافةٍ واحدة بين جميع الأطراف، مشيراً إلى أهمية الحفاظ على مقام مشايخ العقل الثلاثة، رافضاً في الوقت ذاته تسليم السلاح، فلن نتخلى عنه إلا بانتهاء الأسباب التي دعتنا لحمله من التهديدات التي تلم بنا والضرورة هذه يتطلبها واقع الأحوال.
أما لجهة رده على بيان المجلس العسكري في درعا، فشكر الجيران على مبادرتهم، لكنه تساءل عن المدنيين المختطفين في درعا، وسألهم عن جبهة النصرة التي تتوعد بهدم بيوت أهالي السويداء عبر بياناتٍ متعددة وصفها بالمشبوهة، مطالباً أهالي درعا عن كف شر العابثين في أرضهم، وأن السويداء كفيلة بحل مشاكلها.
وقدم البلعوس للنظام جملةً من المطالب أولها إقالة رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء وفيق ناصر حقناً للدماء، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ورغم تأكيد النظام بإقالة ناصر رضوخاً لرغبة المشايخ الأصلاء، بعد تهديدهم بإشعال السويداء وقتل ناصر على أرض الجبل، إلا أن بعض المعلومات تتحدث اليوم أن عزل وفيق ناصر غير مؤكد، وما يشيعه النظام يأتي لامتصاص حالة الغضب.
النصرة أم النظام
بناءً على المعطيات السابقة يمكننا العودة إلى استهداف جبهة النصرة لمقرات النظام في السويداء، فالصاروخ سقط في أحد الأحياء السكنية ولم يسقط على شعبة التجنيد، ويعتقد ناشطون أنه إلى الآن من غير المؤكد تبني جبهة النصرة لهذا الاستهداف، وهنا يشير مصدر عسكري من محافظة السويداء فضل عدم ذكر اسمه إلى أن صياغة البيان ضعيفة وعادةً تقوم جبهة النصرة بترقيم البيانات الصادرة عنها، ومن ناحيةٍ أخرى استهداف المحافظة في هذا التوقيت بالذات يشي بوجود أصابع للنظام، أو اختراق معين، فالمحافظة ورغم حالة “الانقلاب” التي شهدتها في الأيام القليلة الماضية، لكنها لا يمكن أن تتقبل استهداف مدنييها وقصف أحيائها، لا سيما من قبل جبهة النصرة، أحد فصائل المعارضة المتشددة بالنسبة للأقلية “الدرزية”، والتي تحتفظ لديها بـ 11 مدنيا مختطفا من محافظة السويداء.
ويعتبر المصدر العسكري أن هذا الاستهداف لن يحقق انتصاراً أو تقدماً للثوار على الأرض، ومن ناحية ثانية سيزيد من مخاوف السويداء في حال أرادت تنفيذ أي تحرك، وهذا ما يسعى إليه النظام.
في حين يرجع ناشط آخر إلى مسألة عسكرة الثورة، ورأي محافظة لم تحتضن حتى مظاهرة، وهنا يعتبر الناشط، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن دخول عنصر خارجي للقتال في السويداء أمر يتحفظ عليه الكثيرون بسبب الطبيعة الديموغرافية للمحافظة، فقبل وقتٍ قريب كان حتى المعارضين من أبناء السويداء أقرب للسلمية أو اللاعنف منهم إلى مسألة حمل السلاح في وجه النظام، ورغم أن المشايخ كسروا هذا الحاجز، واشترطوا حفاظهم على سلاحهم وعدم المساس به، لكنهم يرفضون في الوقت ذاته استهداف المحافظة بحجة استهداف النظام.
ويضيف الناشط أن موقف المشايخ الأصلاء الأخير لا بد أن يكون وجه صفعةً قويةً للنظام، الذي لم يكن يتوقع أن تأتيه هذه الضربة من محافظة لطالما اعتبرها إلى جانبه، وهذا ما يرجح أن يبدأ بالعمل على زيادة مخاوف الأقليات عبر بياناتٍ ينسبها لجبهة النصرة، واستهداف المدينة بالصواريخ وإلصاقها بالجبهة، وتذكير أبناء الجبل أنه حامٍ لهم كأقلية من خطر الجماعات “المتطرفة” حسب ما يدعي بشكلٍ مستمر.
هوّة لم تردم
لكن هناك من لا يستبعد قيام الجبهة فعلاً بمثل هذا الفعل حتى وإن شكك البعض بالبيان وبظروفه، وأسبابه, وأهدافه، حيث يرى معارض من محافظة السويداء، أن هناك العديد من الأفعال لجبهة النصرة أدت إلى حالةٍ من النفور وبداية فتنة بين السهل والجبل، كحالات الخطف، ولم تبادر الجبهة إلى ردم الهوة، أو المساعدة في الحفاظ على علاقة طيبة مع الجبل، لذلك هناك من يعتقد أن الجبهة يمكن أن تقوم بمثل هذا الاستهداف غير مكترثة بردة الفعل عليها، لكن مثل هذا الأداء سيوظفه النظام لمصلحته في هذه الفترة الحرجة بالذات، والتي يحتاج خلالها إلى وقوف الجبل لجانبه كونه على موعدٍ مع الانتخابات، وليس في وارد خروج محافظة أخرى من تحت سيطرته.
زمان الوصل 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.