يثب

إستراتيجية الأمن القومي السوري

وثيقة مقترحة

مـقــدمـة :

فى عام ٢٠١١ إختلف السوريون وإنقسموا وتطور الخلاف لحرب أهلية وإقليمية ودولية على الارض السورية ، فقد خلالها السوريون مدارسهم ومشافيهم ومصانعهم وتشرد الملايين منهم داخل وخارج الوطن وقتل وجرح مئات الألاف ، ودخل لسوريا مرتزقة بالآلاف ، نشروا الرعب والفوضى والدمار ، وإنتهت بهذه الحرب الجمهورية السورية الأولى ، التي إستقلت فى عام ١٩٤٦ بعد آلاف السنين من خضوعها لكل القوى العظمى التي حكمت العالم على مر التاريخ ، حيث عرفوا جميعاً بأنهم ما كانوا ليكونوا قوى عظمى ما لم يحكموا أهم موقع إستراتيجي فى العالم ، والذي يربط القارات الرئيسية الثلاثة في العالم .

مع بداية الجمهورية السورية الثانية ، فهم السوريون معنى الإستقلال الأول ، ومعنى أن تثق القوى العظمى ممثلة في مجلس الأمن الدولي والعالم بالشعب السوري ، في أن يحافظ على أهم موقع إستراتيجي في العالم بمواطنيه وأرضه ومياهه وموارده وبيئته ، وفهم السوريون معنى أن يعترفوا بالحدود الدولية لسوريا المدونة في الأمم المتحدة دون نعتها بالمصطنعة ومن وضع الإستعمار لأن ذلك سهل دخول المرتزقة من كل صوب وحدب وهيئ البيئات الحاضنة لهم والتي لم تستهجن عبورهم حدوداً تثقف السوريون على أنها مصطنعة .

فهم السوريون أن المعركة الكبرى للشعب السوري ليست مع أميركا وإسرائيل وليست مع السعودية وتركيا ولا مع إيران، فهم السوريون أن المعركة الكبرى للشعب السوري هي مع أنفسهم ضد العرقية والجهوية والطائفية، ضد العنف والتسلط ، ضد معوقات الثقافة والتعليم والصحة وتكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية والتنمية. لذلك قرر السوريون أن حدود الدولة السورية المدونة في الأمم المتحدة هي حدود سوريا النهائية لجميع أبنائه ضمن تلك الحدود وأن كافة السوريون متساوون في الحقوق والواجبات .

لقد تعلم السوريون أنهم سوريون أولاً ، بعضهم من أصول سورية وبعضهم من أصول عربية وبعضهم من أصول كوردية والبعض من أصول توركمانية وأغلبهم من أصول مختلطة تجمع بين جميع الأعراق في المنطقة ، وكذلك يعرف السوريون أن هنالك غالبية بالولادة من الإسلام السنة وأن هنالك المسيحية التي إنطلقت من سوريا وأن هنالك طوائف وفلسفات متعددة لفهم أصول الأديان ، تهدف جميعها الى إحترام حقوق الأنسان ورفع شأنه وحماية أمنه . وتعلم السوريون أن الولادة من ديانة ما ليست ميزة بل مسؤولية وخيار لاحق ، أولا وأخيرا ، وأن الدولة هي مؤسسة إدارة لجميع المواطنين لا تفرق بينهم ولا تنحاز لدين أو طائفة أو مذهب أو عرق بل تنحاز للحق والقانون . لذلك قرر السوريون أن دولة سورية جامعة لكل السوريين ولا تستثني أي سوري .

وفهم الشعب السوري عواقب التطرّف والتحزّب والدخول فى أحلاف أيديولوجية وعقائدية على حساب مواطنيه ، وفهم أن التذاكي على فئة من المواطنين لقضم حقوقهم يجعل المتذاكي مخرباً للنسيج الوطني السوري . لقد فهم السوريون أن بلادهم لا يمكن أن تُحكم إلا بالحكمة والعدل والمساواة ، كل المساواة .

كما تعلم السوريون أن على الدولة عبء حماية الضعفاء ونصرتهم وأن تجيير حماية الضعفاء لعائلاتهم فقط هو إنسحاب من المسؤولية الجمعية للدولة والمجتمع .

كما فهم السوريون أن المرآة هي نصف المجتمع وأن تعطيل نصف المجتمع وكبته وحصاره وتجيير حمايته بعد سن الرشد للعائلة دون الدولة وتبرير التهديد بقتل النساء ثأراً بجرائم رُبطت بالشرف يؤدي إلى إرهاب جزء كبير من المجتمع وإلى إفقار الوطن وتراجعه بين الأمم . لذلك قرر السوريون أن دولة سورية لا تفرق في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل .

كما فهم السوريون أن ظاهرة إهمال الريف وفوضى المدن العشوائية والتي نمت أمام أعين الجميع دون إيجاد حلول جذرية لمتطلبات السوريين في الإسكان والبنى التحتية والخدمات العامة ساهمت في تكريس إنقسام المجتمع وفي تأجيج الحرب الأهلية. لقد وصلت تكاليف إيصال المياه للعشوائيات إلى خمسين ضعف ما يدفعه مواطنون المدن المخدّمة بمؤسسات مياه للشرب وبنيت أحياء كاملة لا يمكن لعربات الطوارئ والخدمات الوصول إليها . لقد فهم السوريون مع بداية الجمهورية السورية الثانية أن فوضى البناء والتوزيع الديمغرافي العشوائي غير المبني على إستراتيجيات إعمار مستدامة يؤديان إلى فوضى المجتمع وإلى الحرب. لذلك قرر السوريون أن دولة سورية لا تسمح لأن يسبق العمران التنظيم وإن حصل فذلك مؤشر فساد وتعطيل لا بد من مكافحتهما.

كما رأى السوريون مافعله تسيس وعسكرة الدين في سوريا وإعلان الجهاد على سوريا من الخارج ، والذي جلب معه ترخيصاً بالقصاص والسبي والغنائم ، برغم أن تلك الأفعال تعتبر في القرن الواحد والعشرين ، جرائم ضد الإنسانية ، وتخالف شرعة الأمم وتعيد زمن الرق والعبودية والنخاسة. فالقصاص كما شاهدناه جرائم قتل عمد ، والسبي جرائم إغتصاب ونخاسة ، والغنائم سرقة. لذلك قرر الشعب السوري طي تسيس وعسكرة الدين في سوريا لغير رجعة سواء كان الجهاد سني أو شيعي أو من أي دين أو طائفة كان ، وتجريم كل فعل تحت مسمى الجهاد المسلح ، سواء كان بالدعوة له أم بممارسته ، وأنه على المرجعيات الدينية السورية أن تجمع على ذلك علناً ودون أي مواربة ، ولو تعارضت في ذلك مع المرجعيات الدينية في الدول الأخرى . إن الدولة السورية لا تسمح بتشريع القتل والإغتصاب والسرقة والنخاسة تحت أي مسمى كان .

لقد تعلم السوريون مع بداية الجمهورية السورية الثانية أن فكرة القائد الرمز والرئيس مدى الحياة ولو تم إختياره بديمقراطية ، ولو كان أعدل الناس ، لا تحمي سوريا. وأنه في القرن الواحد والعشرين ، ومع وجود إعلام إقليمي ودولي عابر للحدود ، لا يمكن أن نحمي سوريا بإختزالها بقائد رمز ، حيث أن شَيْطَنِةْ إعلام إقليمي صغير لهكذا رمز، يخلق الفوضى وينشر التفرقة والدمار؛ لذلك قرر السوريون من أن منصب رئاسة الجمهورية يجب أن لا يكون مركز القرار وأن يحكم وطنهم مجلس حكماء وطني منتخب من كُلِ محافظاتِ الدولة ، يُشَكَّلْ من شيوخ المهن في التعليم والصحة والقضاء والقوات المسلحة والإقتصاد والزراعة والثقافة ورجال الدين والمغتربين ، ويُشَكِّلْ نواة الجمهورية الثانية ، مجلس لا طائفي ولا عرقي ولا جهوي ، يصعب معه على مؤسسات الإعلام الأقليمي والدولي وغيرهم من أي قوى قد تعادي الشعب السوري تدمير سوريا مرة أُخرى .

وتأكد السوريون مع بداية الجمهورية الثانية بأن تسييس مؤسسة الجيش والقوات المسلحة هو تصغير لدورها من حماية الوطن ، لحماية منظومة لاتمثل بالضرورة كل الوطن ، وأنه من لا يدافع عن كل الوطن ، لا يمكن أن يكون جيش الوطن . لذلك قرر السوريون فصل الجيش والقوات المسلحة عن السياسة ، وقرر أن عقيدة الجيش ، سورية وطنية ، جامعة. كما تعلم السوريون أن السلاح الفردي بيد المواطنين يحمي المجتمع وهو حق جمعي للشعب السوري في الدفاع عن نفسه ضد تغوّل أي مجموعة تسولها نفسها الإعتداء عليه.

كما تعلم السوريون بعد أكثر من ستين عاماً من الصراع السوري الإسرائيلي دروساً وعبراً . فعندما إعتدت إسرائيل على الشعب الفلسطيني وعلى الشعب السوري ، لم نحاربها لا بالعلم ولا بالتكافل الإجتماعي ولا بالعدل بيننا ، بل حاربناها بتربية مجتمعاتنا على الحقد والضغينة والكراهية لها ، وبتزكية النزعات العرقية والدينية ضدها ، فإنقلب الحقد علينا والضغينة أصبحت بيننا وقتلت أولادنا . لقد قرر السوريون تأطير الصراع السوري الإسرائيلي بالمحاكم الدولية والحوار المباشر والمعلن دون رعاية أو وصاية من أية دولة كانت وبهدف إسترجاع الجولان المحتل وكافة الأراضي التي إحتلتها إسرائيل من سوريا فى عام 1967 بالطرق السلمية .

كما تعلم السوريون أن الدول العظمى وإن تسعى وراء مصالحها أولاً، إلا أنه لا يمكن لسياساتها بأن تتعارض مع العلوم والإقتصادية والمالية والمنطق السليم ، وأنه إذا ما حاججناهم بعلوم الإقتصاد ، كما تفعل دول العالم الأُخرى ، دون أن نعمد إلى تعطيل مصالحهم لإرضاء إيديولوجيات وعقائد إقليمية ودولية ، ولا تمس بصلة إلى مصالح المواطنين السوريين ، فإن تلك الدول لن تتمكن من أن تتعرض لأمننا لتنفيذ سياساتها. لذلك قرر السوريون إتباع سياسات تخدم مصالح السوريين الإقتصادية أولا وتقوم على حسابات علمية بحتة يمكن شرحها بالعلم والمنطق لا بناء على مصالح شخصية ضيقه أو عقائدية لا تمثل كل السوريين ، وقرروا إتباع سياسة الحياد، وخاصةً مع القوى الكبرى ، ونَبْذِ كل الأحلاف المبنية على أسس طائفية أو عرقية أو إيديولوجية .

لقد إكتفى السوريون بالدم والقتل المتبادل بين الأطراف المتنازعة وبالدمار الحاصل خلال السنوات الثلاثة الماضية ، وقرروا إعلاء المصالحة الوطنية وتكليف مؤسسة الجيش والقوات المسلحة بطرد كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب بكافة السبل المتاحة ، وبالتعاون مع دول الجوار ومجلس الأمن الدولي وتعويض المتضررين الذين عانوا طيلة فترة النزاع دون ذنب إقترفوه .

لكل ذلك ومع بداية الجمهورية السورية الثانية فقد دَوَنَ السوريون إتفاق السلام السوري المرفق كميثاق وطني جامع لهم وخارطة طريق لبناء الجمهورية الثانية التي تراعى مصالح جميع السوريين وتضع سوريا موضع الحياد في الصراعات الدولية الكبرى وتقدم الحكمة على القوة والعنف ، وتكرس مشاركة الشعب السوري ونخبه الوطنية في صنع مستقبل سوريا.

أهداف إستراتيجية الأمن القومى السوري :

يُعد تأمين المصابين واللاجئين والمشردين من جراء الحرب الأهلية بالغذاء والمأوى والخدمات وفك الأسرى والمخطوفين ، من أولويات الأمن القومي السوري وتليها :

١- الحفاظ على سوريا موحدة ضمن حدودها المعترف بها فى الأمم المتحدة وحماية حدودها، وأن سوريا دولة جامعة لكل السوريين ولا تستثني أي سوري من العملية السياسية .

٢- حماية كرامة الإنسان السوري وحماية مكتسباته في التعليم والصحة والأمن والسكن والخدمات العامة وتكافؤ الفرص والعمل وحرية التعبير والتنقل وحماية سعيه في تحقيق سعادتة وإزدهاره .

٣- تكريس إستقلال القضاء وسيادة القانون .

٤- ضمان حياد سوريا عن الأحلاف الأيديولوجية والعرقية والدينية وإتباع سياسة خارجية معلنة تعكس رغبة سوريا فى علاقات سلمية وندية وحيادية مع كافة دول العالم .

٥- تأطير الصراع السوري الإسرائيلي بالمحاكم الدولية والحوار المباشر دون رعاية أو وصاية من أية دولة وبهدف إسترجاع الجولان المحتل وكافة الأراضي التى أحتلت من سوريا في عام 1967 بالطرق السلمية ، قبل عقد علاقات طبيعية معها كدولة جوار ، مع التأكيد على دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بالطرق السلمية.

٦- إعادة تكريس دور الجيش والقوات المسلحة ليكون جيش لكل الوطن وليقوم بمكافحة الإرهاب وبطرد كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب بكافة السبل المتاحة وبالتعاون مع دول الجوار ومجلس الأمن الدولي.

٧ – جمع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من جميع الميليشيات والجماعات المسلحة . ولا يحق لأحد إمتلاك أو حيازة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة سوى الجيش والقوات المسلحة. ويحق للمواطنين منفردين إمتلاك وحيازة السلاح الفردي، على أن يكونوا من غير أصحاب السوابق، ويحق لهم الدفاع عن أنفسهم بما يسمح به القانون.

٨ – تأمين ومتابعة تنفيذ بنود خارطة الطريق في إتفاق السلام السوري وإعتبار بنود إتفاق السلام السوري ميثاق وطني جامع لا يجوز تجاوزه .

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.