لا عجب أن تصادف الكثير من الناس في الغوطة الشرقية ممن أرهقهم الفقر والحصار الشديد وغلاء الأسعار، ولم يجدوا عملاً أومالاً كافياً يغنيهم عن سؤال الناس والتسول في الطرقات طلباً لكأس سكر أو رغيف خبز .
فما أن تسير صباحاً في أسواق الغوطة الشرقية حتى تلتقي العديد من الشيوخ و النساء والأطفال يستوقفون المارة وأصحاب المحال ، طلباً للقمة تخولهم إطعام أطفالهم ، ودرء شبح الجوع عنهم.
مناطقية في التوزيع
لم يكن الأمر غريباً بالنسبة لنور الناشطة وهي تروي قصة ‘الحاجة أم جميل’، امرأة متسولة طرقت باب منزلها مع حلول الظهيرة طلباً لرغيف خبز تطعمه لابنها المعاق.
تبرر نور: أسباب كثيرة دفعت أم جميل لسؤال الناس، أحدها هو كونها قد نزحت من منطقة دير العصافير إلى مدينة دوما ، وليس باستطاعة المراكز الإغاثية في المدينة كفاية أهلها ، فكيف ستكفي النازحين؟
وتشرح نور بقولها إن بلدة دير العصافير تعتبر منطقة نائية، ولذلك فإن دعمها الإغاثي قليل مقارنة بغيرها من المدن، وتشكو نور في حديثها ظاهرة أساسية في توزيع الدعم سمتها ‘المناطقية’ أي أن الجهة الإغاثية تميز في توزيع الإغاثة منطقة عن أخرى وذلك ربما تبعاً لمنطقة تواجد الداعم أو لأسباب أخرى.
مضيفة ‘وهذا ما يجعل أم جميل تقف حائرة أمام لقمة ابنها المعاق وأولادها الثلاثة’.
الفقير والغني سواء !
ولـ المواطن ‘ أحمد سالم ‘ رأي آخر فالسبب الأساسي برأيه لانتشار ظاهرة التسول هو ليس الحصار فحسب ، بل انتقد مبدأ التوزيع بحد ذاته .
فالمراكز الإغاثية تهتم على وجه الخصوص بالمعاقين والأيتام ، مهملة بذلك عوام الناس.
يعلق ‘يلي ما عندو شهيد مثلاً شو يعمل بحالو منوين بدو يعيش ما في قدامو حل غير يا يسرق ، يا يطلب من الناس′.
وقد مرت أكثر من أربعة أشهر وفق ما يقول السالم دون أن يتم توزيع اي سلة غذائية للناس بسبب الحصار .
في هذا السياق بذلت إحدى الجمعيات الإغاثية في مدينة دوما مجهوداً كبيراً لمساعدة المنكوبين، وتأمين مبلغ لهم لكنهم عجزوا عن كفاية حاجة الناس.
يقول : ‘إبراهيم الدوماني’ ناشط في المجال الإغاثي ‘مع شروق الشمس تتوافد النساء إلينا من كل جانب ، يطلبن مبالغ بسيطة لشراء دواء أو طعام ، ونحن رغم ذلك لا نستطيع تأمين أكثر من 5 ‘ً من حاجتهن’.
في هذا الحال من الطبيعي جداً أن نجد نساء متسولات في الشوارع والطرقات ما لم تستطع الجهات الإغاثية تأمين حاجاتهن.
وقد يعتقد البعض أن الفئة المانحة للمال هم من الميسورين مادياً في غالب الأحيان، ولكن الأمر يختلف في المنطقة المحاصرة فالكل محروم ومحاصر .
وحسب مواطنون أن هناك الفقير وهناك الأفقر منه، وهناك من يحرم نفسه قوت يومه لإطعام طفل لا يصبر على الجوع .
يسرد أبو جمال قصة ذاع صيتها في أحياء مدينة دوما المنكوبة ،عن طفلة متسولة، خاب رجاؤها في جلب قليل من اللبن لتأكله بعد إذ لم يستجب لفقرها أحد ، يقول إنها أخبرت البائع أنها تريد اللبن وليست تمتلك المال لشرائه، فناداها البائع قبل أن يقضي حاجات صفوف الناس، ومنحها ما أرادت، رغم أنه ليس بأفضل من الطفلة حالا .
القدس العربي