65 في المئة من اللاجئين يعتقدون أنهم لن يعودوا إلى ديارهم النظام السوري كقوّة احتلال اقتلاعية

الصراعات المسلحة أكبر منتج للمهجَّرين، داخلياً وخارجياً. وكلما طالت هذه الصراعات يتوسع إنتاجها للاجئين والنازحين. وإذا ترافقت هذه الصراعات مع تدمير منهجي وتجريف اجتماعي للمدن، نصبح أمام حالة من المنفى المديد، حيث يشك المنفيّ في إمكانية عودته إلى دياره. طوال فترة اللجوء يحبط اللاجئ ويحول العودة إلى حلم يصعب الوصول إليه. وهو حال السوريين اليوم.

يعتقد 65 في المئة من اللاجئين السوريين أنهم لن يشاهدوا ديارهم مرة أخرى. تدفع هذه القناعة اللاجئ إلى ترتيب أوضاعه في المنفى، إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً. فالمنفى المديد يتحول إلى وطن بديل، بالضد من رغبة المنفيّ، الذي يسعى إلى إنهاء منفاه بأسرع وقت، من دون أن يتمكن من ذلك.

الجريمة المديدة والمستمرة التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه، لها من الآثار المدمرة ما يصعب حصره واحصاؤه، وهو الذي امتهن القتل والتدمير منذ انفجار الاحتجاجات ضده قبل ثلاثة أعوام، أنتج خلالها ملايين المآسي الانسانية التي لا تعبر عنها الأرقام الإحصائية الصماء، ولا في جرائم القتل والتعذيب والاعتقال، والتي أصابت الجميع من دون استثناء، حيث عممت وحشية النظام الدم على كل المحافظات السورية، ويكاد لا يوجد بيت لم تصبه جرائم النظام بعزيز، ولا في الكوارث الإضافية التي أنتجتها هذه الجرائم من تهجير داخلي وخارجي، ومن تفكيك بنى اجتماعية لمدن سورية كاملة، نتيجة جرائم القتل والتدمير والتهجير والتجويع. ولم يكتفِ النظام بالقتل والتعذيب للناشطين أو المشكوك في أنهم كذلك، بل شمل التدمير كل شيء، البشر والحجر، وذلك تجريفاً لما اعتبره النظام البيئة الحاضنة لـ»الارهاب». فالمناطق التي تخرج عن سيطرته، يتم معاقبتها بالهدم الممنهج، من خلال القصف المستمر، بكل ما يملك من ترسانة تدمير قذرة، ما يُفرغ المناطق من سكانها. ومن يصمد في هذه المناطق العدوة بالنسبة للنظام، أو لا يستطيع الخروج للعديد من الأسباب، يُفرض عليه طوق تجويعي قاتل، استئنافاً للمجزرة الجماعية، التي تسعى للقضاء على الشعب العدو، بكل وسائل القتل المباشرة وغير المباشرة.

شكّل تحطيم البنية الاجتماعية، التي تحدت النظام وثارت عليه هدفاً رئيسياً لمعركة النظام السوري ضد شعبه. استخدم كل وسائل القتل والتدمير، من القنص إلى السلاح الكيماوي، مروراً بالقصف المدفعي والجوي وصواريخ بعيدة المدى والسلاح الأقذر: البراميل المتفجرة. وأدت سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدها النظام إلى فرار ملايين السوريين من أماكن سكناهم. يقدر أن نصف سكان سوريا في حالة نزوح داخلي، وهناك ثلاثة ملايين في حالة لجوء خارجي، وما زالت عملية الاقتلاع مستمرة، وهناك عائلات تم اقتلاعها أكثر من خمس مرات من أماكن لجوئها.

تقوم السياسة القمعية الدموية والعدمية للنظام السوري على ايقاع أقسى الألم بالمحكومين لإخضاعهم. وفي حال لم يخضعوا يجب إيقاع المزيد من الألم فيهم. هذه السياسة المعتمدة طوال تاريخ حكم البعث لسوريا. لكنها، كسياسات تدميرية شاملة واقتلاعية وفق نموذج احتلالي متخلف يعتمد الأرض المحروقة، فقد اعتُمدت مرتين، مرة على نحو جزئي في الصراع مع الأخوان المسلمين في مطلع الثمانينات، فأصاب التدمير مدينة حماة وقلبها القديم بشكل رئيسي. والمرة الثانية، في مواجهة الاحتجاجات المنطلقة منذ أكثر من ثلاث سنوات في كل انحاء سوريا، حيث تم تعميم السياسات التدميرية الاقتلاعية لتشمل كل المدن السورية. وهذا ما أنتج موجة هائلة من نزوح سكان الأماكن الملتهبة إلى أماكن أكثر أمناً. ومع تدمير ملايين المنازل، التي لم تعد قابلة للسكن، لم يعد للاجئين أماكن يعودون اليها. ولأن اجمالي الشعب السوري كان يعيش يوماً بيوم، فإن عبء النزوح هائل على اللاجئين وعلى أطفالهم، الذين اصبح الملايين منهم خارج المدراس. وما يزيد مأساة اللجوء، عدم قدرة الهيئات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني على سد الاحتياجات الرئيسية للاجئين.

ولأن الحياة لا تحتمل الفراغ، فإن على اللاجئ أن يرتب حياته رغم المأساة التي يمر اللاجئون بها، وعندما يغيب الحل الوطني الجماعي، يصبح الحل الفردي هو السائد، ويصبح على اللاجئ أن يرتب حياته وحياة أبنائه من العدم، وهو ما يجعلنا اليوم نقول إن ملايين المآسي السورية تمشي على أقدامها، تبحث عن خيارات تتضاءل يوماً بعد يوم. حياة المآسي التي يحملها اللاجئون السوريون على أكتافهم، حمل ثقيل، والمحظوظون وحدهم هم من سيخرجون بشكل فردي من مأساة اللجوء، ويستطيعون الوقوف على أقدامهم.

يسير النظام بشكل حثيث ومنظم، لوضع شعاره الذي كتبه على جدران المدن السورية موقع التنفيذ، وهو الشعار الذي كان التعبير المكثف عن سياسة النظام خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، وهو شعار «الأسد أو نحرق البلد». ليس من الصعب مقارنة سياسات النظام السوري، بآليات التجارب الاحتلالية الاقتلاعية، لكن الفرق بين التجربتين، هو أن تجربة الاحتلالات كانت تحاول اخفاء نفسها، لكن النظام السوري يمارس هذه السياسات بصلف وعنجهية ووقاحة، أين منها صلف وعنجهية ووقاحة الاحتلال الاسرائيلي، آخر الاحتلالات في العالم الحديث.

سمير الزبن – المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.