يثب

عبّارة الحياء وعبّارات الدماء!

أمامنا درس من كوريا الجنوبية عن المسؤولية الراقية، ولكن ليس عندنا في هذه المنطقة البائسة من يقرأ او يستحي او يحاول التعلّم ممن يجعلون المسؤولية شرفاً ورسالة نبيلة.
انه تشونغ غونغ – وون رئيس وزراء كوريا الجنوبية الذي قدّم استقالته على خلفية غرق العبّارة الذي خلّف اكثر من ٣٠٠ قتيل ومفقود، وبعدما تعرّضت حكومته لانتقادات بسبب عدم نجاحها في عمليات الإنقاذ، وقال: “إنني أعلن استقالتي وأقدّم اعتذاري، لأنني لم أتمكن من منع وقوع الحادث ولم أقدر على التعامل مع نتائجه بالشكل الصحيح”!
ما الذي يأخذنا الى كوريا سوى اننا في منطقة اشبه بعبّارة غارقة إما في دماء المواطنين وإما في الفضائح وروائح الفساد والقذارة، وأنه لم يسبق لنا ان عرفنا مسؤولاً استقال مقدماً الاعتذار الى الشعب، فإما ان المسؤولين عندنا رسل لا يخطئون وإما اننا قاصرون لا يحاسبون!
يستقيل رئيس حكومة كوريا معتذراً عن التقصير في معالجة حادث غرق عبّارة، في حين تغرق بلدان بكاملها في دماء ابنائها ولا يرفّ جفن مسؤول. اذاً تعالوا الى سوريا عبارة الموت التي اغرقت اكثر من ١٥٠ ألف قتيل، فباتوا موضع حسد الأحياء الباقين تحت البراميل المتفجرة والصواريخ، وتعالوا الى الملايين التسعة الذين حملتهم عبّارات اللجوء الى التيه في البلدان المجاورة او الى الكهوف في بلدهم!
نعم تعالوا الى سوريا التي تتحدث الآن عن انتخابات ديموقراطية تجدّد للرئيس بشار الأسد، الذي لم تطلب منه المعارضة الاستقالة قبل ثلاثة أعوام بل بعض الإصلاحات، وها هو يصلحها حجراً حجراً عن بكرة ابيها، فقد كانت المعادلة منذ البداية وقبل ان يتقاطر الارهابيون والتكفيريون وقطّاع الرقاب الى سوريا “الأسد او نحرق البلد”!
وتعالوا الى العراق الغارق في عبّارات الحديد والنار وهي تمخر عباب بحر القتلى، يتساقطون يومياً في الانفجارات المجرمة، فلا يجد نوري المالكي مبرراً للاستقالة بل للسعي الى تزوير الانتخابات للبقاء في رئاسة الحكومة ولاية رابعة خلافاً للدستور!
وتعالوا الى مصر التي يقف وراء القضبان فيها رئيسان، حسني مبارك الذي لم يستقل إلا بعدما وصلت عبّارات الدم الى ميدان التحرير، ومحمد مرسي الذي وضعها على حافة حرب أهلية ويرفض الاستقالة والإقالة محاولاً مع جماعته اغراقها في الدماء والحرائق!
وتعالوا الى الجزائر وبوتفليقة رئيسها الى الأبد، تعالوا الى السودان الى ليبيا الى تونس الى اليمن، تعالوا الى ساحة تقسيم التركية، الى الثورة الخضراء الايرانية… ولا تنسوا لبنان السعيد عبّارة الفساد والعفن والسرقات والسمسرات، حيث تنبت الجثث مثل الفطر وتدفن مثل الصمت في مقبرة الغموض!

راجح الخوري – النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.