د . كمال اللبواني
يتوقع العديد من صناع القرار في الدول الغربية بقاء بشار الأسد في السلطة لفترة زمنية معينة، وينتظرون برضى انتصاره على قوى التطرف في سوريا. كما يعتبرون بأن هذا الامر هو أحد السيناريوهات الممكنة وعلى المعارضة المعتدلة أن تتعامل معه بشكل براغماتي . ان تعليقي على أولئك الذين يفكرون بهذا السيناريو المرعب هو ان استمرار الاسد في السلطة هو لعنة ستطال حتماً الجميع.
ان حجم الجرائم التي يرتكبها نظام الاسد يوميًا والتي تذكي نار الحرب الأهلية والوحشية والانقسام داخل المجتمع الواحد، يبرهن بان بقاءه في السلطة سوف يتحول الى لعنة. فمن المرجع أن تتزايد هذه الجرائم في حال بقي الاسد في سدّة الرئاسة. إن عددا كبيرا جدا من سكان سوريا سيفضلون الموت على العودة للنظام الذي تفنّن في قتلهم وتعذيبهم. في مدينة حماه مثلاً المستسلمة لسلطة النظام ، يُعتقل يوميا حوالي 50 شابا من شبابها من قبل النظام ويختفي نصفهم على الأقل في السجون ، ناهيك عن مشاهد الاستفزاز والاهانة المتعمدة في كل ساحاتها وطرقاتها.
هذه اللعنة سوف تطال أيضاً دول المنطقة من خلال انتشار الفوضى والتطرف والهجرات ، وامتداد وتغلغل المنظمات الارهابية – مثل حزب الله والقاعدة -التي ستهدد أمن واستقرار كل دول الجوار. فهذه المنظمات تمتلك أسلحة ثقيلة وهناك اماكنية بان تمتد الى خارج منطقة الشرق الاوسط . ان بقاء الاسد سيدفع الكثير من الشباب اليائس والحاقد نحو اعمال عنفية بحق النظام والمستسلمين له ، بالاضافة الى الدول التي تعيد العلاقات معه . كما ان غياب البدائل الفعّالة سيعني تحويل كل القوى الثورية في سوريا الى التشدد والتطرف، وستجد حاضنة شعبية هائلة خاصةً في مخيمات اللجوء حيث ينتشر التطرف.
اذا بقي الأسد في السلطة، فان المعارضة المعتدلة سوف تفقد أي فرصة للبقاء وسيفقد مشروعها الهادف الى اسقاط نظام الفساد والاستبداد كل الحاضنة الشعبية. قوى الثورة يجب ان لا توصف بالتطّرف ، حتى لو كان لونها الحالي جهادي- اسلامي. فأنا أعرف شخصيا العديد من الأفراد المنتمين للثوار منذ طفولتهم وأرقب عن كثب تغير مواقعهم وأيديولجياتهم ، كما أدرس العوامل والشروط التي تحكم هذا التغير، وأرى بانه من المنطقي والطبيعي لأي انسان يوضع في ظروف مشابهة للظروف القاهرة في سوريا ان يسلك طريق التطرف. لكنني مقتنع بأن هذا التحول الطارئ والخطير يمكن ان يعالج وبسرعة كبيرة لو تغيرت الظروف .
لقد أجبرت جرائم النظام الشعب السوري على التظاهر ، ثم أجبر على حمل السلاح بسبب العنف المنهجي والدعم الخارجي الكبير الذي يتلقاه النظام بالمال والسلاح والمسلحين من ايران ولبنان والعراق وروسيا ، وغياب نظيره عن المعارضة.
فعوّض الشعب عن ذلك الخلل باللجوء للتطرف وبناء المنظمات الجهادية الدينية كونها الوحيدة القادرة على اعتماد تكتيك فعّال في مواجهة عدو متفوق.
ان مشكلة الارهاب مرتبطة بمشكلة الاستبداد والفساد والعنف السلطوي ويمكن معالجتها كقضية داخلية في سياق اعادة بناء المجتمع السوري وعبر مؤازرة القوى المعتدلة فقط .
الغرب لا يزال متردّدا بشأن تزويد مساعدات ناجحة للثوار اعتقاداً منه بأن الثورة ستتجه يوماً ما ضده وليس ضد المعتدي المتجسد في النظام وحلفاءه، لكنه لم يستوعب الظروف القاسية التي غيرت مسار الثورة. كما ان الغرب لم يسع لتغيير مسار الازمة السورية أو مساعدة الثورة و لم يدرك مدى تأثير سلوك النظام الوحشي على السكان . بالاضافة الى ذلك، اعتبر الغرب بأن الاسد و المقربين منه يشكلون نظاماً وليس عصابة اجرامية تغذي قناعات دينية خطيرة.
إن ما يمارسه النظام من وحشية في سوريا يفقد العقل ويلغي أي فرصة للتصالح معه. الشعب السوري لن يستطيع طي هذه الصفحة المريرة جداً وسوف يكون هناك صعوبة في تبريد دوافع الانتقام من هذا النظام الغاشم.
الامر الذي يرعبني هو ان الاعلام الغربي و دوائر صنع القرار الغربية لم يتوصلوا بعد الى هذه النتيجة، و لا يزالون يعتقدون بان بقاء الاسد هو الحل لان العدالة لا يمكن ان تتحقق الآن. بعض الخبراء والديبلوماسيين والاعلاميين في الغرب لا يرون الحقائق بسبب نظاراتهم المضللة وأخشى ان يتم معالجة المشاكل والأزمات الأخرى في العالم بنفس الطريقة.
في حال استمر الأسد ونظامه في السلطة ولأي سبب، وبعد كل ما شهدته شخصيا من نظامه ، سوف أجد نفسي متعاطفا مع كل من يقارعه مهما كان شكل اللباس الذي يرتديه أو العلم الذي يرفعه لقناعتي بأن هذا الفرد هو من ضحايا النظام الاسدي وهو يمارس حقه المشروع بالدفاع عن نفسه بالطريقة التي تتوفر له أو التي يجدها ناجعة. ان غالبية المجتمع السوري والمعارضة المعتدلة، والمجتمعات الصديقة تشاركني الرأي بهذا الشأن.
أشعر أن العالم سيشهد الكثير من الحروب والوحشية قريبا ما لم نصحح الخلل القائم في سوريا ، وما سلوك روسيا اليوم وغدا الصين الا تكرارا لسلوك ألمانيا قبل 70 عاما. فالعالم مهدد إذا حكمته القوى الغاشمة بدلاً من الذين يدافعون عن الحق والقانون ، ومن يملك القوة ويتغاضى عن الحق والعدالة ويصف تصرفه بالتصرف “البرغماتي” سيمهد الطريق نحو الوحشية في كل مكان. ما يطرح علينا اليوم سيدمر كل قيمة انسانية وكل حق وكل عدالة ، أي تدمير كل ما يمكن أن نجتمع عليه، ولهذا الامر فان بقاء الأسد لعنة ستطال الجميع.

