الجنود الساحليون: إننا أقل من عبيد

يعود الجنود الساحليون إلى بيوتهم في إجازات ليست تامة. الراحة الجزئية وهمٌ يعاينوه عند كل عودة إلى ساحات الحرب. من يُريد أن يعرف أكثر عن ثقافة جنود الأسد عليه الاتجاه للساحل السوري بالعموم، فالجنود المشاركين في المعارك الدائرة في سوريا في غالبيتهم من الساحليين. هذا البعد السوري مُجرب وليس طارئاً على الأزمة السورية. في الساحل تتغيرُ النظرة العامة عن الجيش العقائدي المُنتصر الجبار ذو الأقدام الهدامة. فالدفاع الوطني بدايةً سحب البساط المهيب من تحت أقدام العسكريين، خاصة أن الارتزاقية العالية التي يتمتع بها عناصر جيش الدفاع الوطني تجعلهم أكثر ارتكاباً وعنفاً وتسلطاً، من أبناء المدرسة العسكرية الذي يخضعون لتراتبية تسلطية تجعلهم أكثر انصياعاً والتزاماً.

والدفاع الوطني يتباهون بقدراتهم وسلاحهم بشكل مبالغ فيه في شوارع المدينة ولا ترى هذه المظاهر لدى العسكريين. هنا ينشأ حول هذا سيل من التهكمات عن مقدار الاستفادة جراء الحرب، فيقول العسكريون ” الدفاع الوطني بيطلعوا راتب شهري منتظم وغنائم البيوت يلي بيسرقوها، ونحن ما بيطلعلنا شي” والدفاع الوطني يحسدون الجيش على تعويض الموت الذي يحصلون عليه إن قِتلوا. في هذا العبث والسُخف المحلي يُشار إلى جنود الخارج، من فوضهم النظام كجيش أجنبي للقتال من أجله وبجانب قواته (المقاتلون الشيعة ومقاتلو حزب الله).

ينتهي الصراع المحلي بين قطبي الميليشيا، وتبدو الإهابة الإعلامية للجيش السوري مجرد سُخف يومي يعيشه الإعلام وحده . الواقع قد اكتشف منذ دخول الأجانب ليقاتلوا برفقة النظام السوري. في حين يُطعم النظام قواته السورية خبزاً يابساً، ومعلباتٍ يكسوها التكلس، تصل الوجبات الغذائية للمقاتلين الأجانب ملفوفة بأطباق مجهزة للسفر الخارجي، وبوجبات صحية يُشرف عليها فريق غذائي مختص. وعندما يشرب الجندي السوري ماءاً عِكراً يصلُ لأيدي المقاتلين الأجانب صناديق مياه معدنية ليشربوا منها بكل يُسر. اللباس يبدو أيضاً له ثقافة خاصة، لباس الجندي السوري متسخ دوماً، وينتعل الجنود السوريون أحذية يشترونها هم، واشتكى لي صديق من نقص الأحذية في الجيش السوري وقال لنا بلغة ساخرة : ” ضباط هالأيام ما بيوفروا تجارة الأحذية”. خلافاً للبدلات اليومية التي تُقدم للجنود الأجانب، حيث يُغير الجندي الأجنبي الشيعي لباسه كل يوم، ويقوم بحرق لباس اليوم السابق. في المعركة أيضاً تتقاطع العلاقات وتتشابك، الضباط الكبار يضربون صداقات مع المقاتلين الأجانب، الذين لا يخفون استعلائهم على الجنود السوريين، ولا على ضباطهم. المقاتل الأجنبي الذي هو بمقام المحتل يتمتع بحقوق لا يبخل بإشهارها، فمن أدخله إلى سوريا نظام يتحكم بمفاصل الدولة، وفي التشريع الدولي، يُعترف بالنظام بأنه ممثل الدولة السورية. المحتل الداخل ببساط أحمر مده النظام يَذِلُ جنوده السوريين جيداً، يَعطونهم الأوامر و يتحكمون بيومياتهم وهوامشهم، لا بل يُضفون عليهم ثقافتهم الدينية. وقد يُهين الأجنبي مقاتلاً سُنياً في الجيش ويُشير للجنود بالحذر منه. وكبار الضباط تحولوا لتجار حروب على حساب مجنديهم الرسميين الذي يتكلفون بنقل البضائع وحملها، ولا يتوانى ضابط سوري عن إهداء مقاتل شيعي بعض الهدايا المسروقة، كاقتسام قروسطي بين أنداد عسكريين. ما لم نتحدث عن الإهانات التي حدثنا عنها عسكريون والتهكم اليومي للجنود الأجانب بعد أي انتصار لهم على الجندية السورية قاطبةً. ويُشاع قولٌ استطعنا أيضاً مشاهدته عبر مقاطع اليوتيوب للمقاتلين الشيعة في سوريا هو : “لولانا شو كان صار فيكم” . كأن مقولاتهم صحيحة فحجم الإهانة التي يتلقاها جندي النظام أمام أسياده الجدد تُوضح ذلك، وتنشأ الغرابة بأن الأجانب يُوصفون حتى داخل قنوات النظام بأنهم محتلون جدد، لكنهم حديثون أيضاً، فلا يرفعون رايات بلادهم القادمين منها، بل كانتوناتهم الأضيق، أحزابهم وعشائرهم وطائفتهم وقتلاهم ورموزهم.

احتلال ثقافي كامل والتناقضات الهائلة تُكرسها عقلية النظام الارتزاقية، والإعلام وحده من يتكفل بصنع كذبة إهابة الجيش السوري، لكن الواقع أصبح شديد الوضوح والخطورة. عسكريو الأسد ممدودين للموت لا أكثر، أشكالهم القادمة من المعارك شديدة الذل والهوان، فقدوا روحياً وأخلاقياً كل مقومات انتماءهم للمؤسسة الفاشية. يُدافعون عن شيء ما وإن انتصروا سيكون للأجنبي دالة أكبر من كل دلالتهم. وإن هزموا لن يتجاوز موتهم بعض الشعارات المضافة إلى ما بعد الموت، وتعويض هزلي لا يُعوض نبض الحياة.

أورينت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.