عاصمة الثورة السورية… عندما صرخت حمص ‘حرية’

مدينة ابن الوليد، واسطة العقد السوري، تلك المدينة التي امتاز أهلها بطيبتهم وحبهم للآخر، خفة دمهم ودماثة أخلاقهم. صفاؤهم كصفاء العاصي، وعذوبتهم كعذوبة مياهه، إمتلكوا نخوة عرفها الجميع قبل الثورة، لكنهم تثبتوا منها عندما هبّتْ حمص منتفضة لأجل أطفال درعا وشهدائها الذين سقطوا في اليوم الأول من الثورة السورية، أول مدينة انتفضت ضد النظام السوري بعد درعا التي أشعلت الفتيل.
خرج الحمصيون أو (الحماصنة كما يلفظها السوريين) في أول مظاهرة لهم ضد النظام السوري، مطالبين بالحرية والكرامة مساندين أهلهم في درعا في الخامس والعشرين من آذار عام 2011، انطلقت الهتافات من جامع خالد بن الوليد مرددة (الله سوريا حرية وبس) بينما كان النظام يدفع مؤيديه في مناطق مختلفة من سوريا ليرددوا الشعار الند (الله سوريا بشار وبس) مختصراً سوريابــ (بشار).
قامت قوات الأمن يومها بمحاصرة المتظاهرين ودون أن تستعمل أي سلاح، في محاولة منهم لاعتقال الشباب الذين تجرأوا وصرخوا (حرية) ونجحوا في اعتقال البعض، وبدأت حمص تغلي.
وفي الجمعة التالية خرج المتظاهرون من الجامع الكبير وسط حمص حيث الساعة القديمة، وتعرض المتظاهرون للإعتقالات والضرب بالأيدي والعصي، لكن الجمعة الثالثة كانت الاخطر، حيث أطلق عناصر الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين، ليسقط 7 شهداء بعد صلاة الجمعة تلك.
وفي اليوم التالي انطلق الحمصيون حاملين شهداءهم إلى الساعة الجديدة مطالبين بإسقاط النظام الذي قتل شبانهم واعتصموا إلى ما بعد منتصف تلك الليلة، وانتهى الإعتصام بمجزرة راح ضحيتها العشرات من المتظاهرين.
يشرح لنا محمد السباعي الناشط الحمصي الذي شهد مختلف الأحداث التي مرت في حمص ويقول ‘خرجنا في أول مظاهرة من جامع سيدنا خالد بن الوليد، وقامت قوات الأمن بمحاصرتنا دون استعمال السلاح، فقط محاولات اعتقالات وكنا نطالب بالحرية فقط لا غير، وفي الأسبوع الثاني خرجنا من الجامع الكبير وسط حمص عند الساعة القديمة، وحاولت قوات النظام محاصرتنا واعتقالنا، أما الأسبوع الثالث فقد خرجنا من حي باب السباع وتفاجأنا أن قوات النظام وبشكل فوري بدأت باستهدافنا بالرصاص الحي، فقمنا بالرد عليهم بالحجارة وأغلقنا الحي، وسقط سبعة شهداء وعند التشييع في اليوم الثاني خرجت حمص عن بكرة أبيها وتوجهنا إلى الساعة الجديدة وسط حمص لأول مرة، ورفعنا لافتة تقول (اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام)، وبقينا حتى الساعة الواحدة وخمسة وأربعين دقيقة ليلاً، حيث قام النظام بهجوم على جميع المعتصمين وسقط الكثير من القتلى الذين لا يعرف عددهم حتى اليوم لكثرتهم، وقتها بدأت قوات النظام بقمع جميع المظاهرات بالسلاح وإطلاق النار الفوري’.

 

شهداء التظاهر السلمي في حمص
يؤكد ناشطون أن مظاهرات حمص حطمت الأرقام القياسية في عدد القتلى بالنسبة للتظاهر السلمي في مختلف أنحاء البلاد، ويرون أن النظام كان يزور هذه الحقيقة، بحيث تعرض وسائل الإعلام أرقاماً عجيبة لا تمت إلى الواقع بصلة، حيث كان النظام يخفي جثث الشهداء نهائياً ليعتقد كثيرون ومنهم الأهالي أن هؤلاء قد اعتقلوا مثلاً، فلا جثث لشبان اختفوا أثناء المظاهرات.
هذا الأمر حيّر الكثيرين إلى أن بدأت تصل شهادات هامة تخص الموضوع كالشهادة التي وصلتنا صدفة عن طريق الشاعر علي صالح الجاسم والذي يقول: ‘قال لي رجل أعرف مدى صدقه نقلاً عن شاب كردي الأصل كان يخدم (أي خدمة عسكرية) في حمص في بداية الثورة يقول الشاب: (جاءنا أمر بتنظيف ساحة حمص بعد الإعتصام، فتم اختيار عدد من العناصر كنت واحداً منهم، وذهبنا بإمرة أحد الضباط، وعندما وصلنا كانت الجثث تملأ المكان.
قمت بعدِّها بنفسي، فكانت 34 جثة ، فأمرنا الضابط أن نترك أربع جثث ونحمل الباقي، ففعلنا يضيف الشاب: في المساء عندما شاهدت إحدى نشرات الأخبار على قناة الجزيرة سمعت المذيع يتحدث عن عدد القتلى في سوريا لهذا اليوم ويقول 4 منهم في حمص’

الكتائب العسكرية في حمص
حسب ناشطين ميدانيين : فإن من يطلع على عدد الكتائب العسكرية المقاتلة ضمن صفوف الجيش السوري الحر في حمص سيذهل من عددها الضخم بالنسبة لمدينة كحمص، ولدى إحصائنا لهذه الكتائب عن طريق بعض الناشطين الموجودين في الداخل الحمصي عرفنا أسماء الكتائب التالية:
كتيبة البراء بن مالك قائد الكتيبة عامر أبو شعلان، كتيبة الشهيد أحمد عودة قائد الكتيبة بلال عودة، كتيبة أحباب الرسول قائد الكتيبة كفاح أبو محمد، كتيبة الشهيد أبو ربيع العدوي قائد الكتيبة أبو سعيد، كتيبة عباد الله قائد الكتيبة بلال النئ، كتيبة الهدى قائد الكتيبة أبو بكر، كتائب أتباع الرسول قائد الكتيبة أبو عبد الفتاح، كتيبة الناصر لدين الله قائد الكتيبة أبو حذيفة، كتيبة الأنصار قائد الكتيبة أبو عمر، كتيبة شهداء الوعر قائد الكتيبة علي دحدوح، كتيبة الصديق قائد الكتيبة أبو عبد الله، كتيبة شهداء البياضة قائد الكتيبة أبو عمار،
كتيبة قوات حماية الثورة قائد الكتيبة أبو بكر، كتيبة شهداء باب هود قائد الكتيبة أبو حمزة، كتيبة أهل الأثر قائد الكتيبة أبو تامر، كتيبة الجهاد الإسلامي قائد الكتيبة أبو حيدر، كتيبة أنصار الحق، كتيبة الشهيد علاء الدين أبو سفيان، كتيبة أنصار الشريعة قائد الكتيبة أبو مصعب، كتيبة جند الله قائد الكتيبة أبو جلال، كتيبة شباب الثورة قائد الكتيبة أبو سليمان، كتيبة شيخ الإسلام ابن تيمية قائد الكتيبة أبو النور، كتيبة درع المستضعفين قائد الكتيبة أبو أحمد، كتيبة فوج الفاتحين، كتيبة المصطفى العدنان قائد الكتيبة أبو عدنان، كتيبة النور
قائد الكتيبة غسان أبو سمير، كتيبة بيارق، الأبرز: كتيبة أوفياء حمص قائد الكتيبة أبو عبدو، كتيبة طلاب العلم الممثلة بشيخ حامد عسكر والشيخ حوري عثمان، كتائب أحرار الشام الإسلامية، كتائب الفاروق الإسلامية.

أحياء مؤيدة وأحياء معارضة
من المعروف أن أحياء حمص تنقسم إلى قسمين، مؤيدة ومعارضة، وأفاد ناشطون أن هنالك عدداً من الأحياء التي يقطن فيها العلويون الذين تم استجلابهم من قبل النظام، وقد حدث ذلك قبل الثورة بسنوات طويلة، في إجراءات كان واضحاً من خلالها أن النظام يسعى لتغيير الواقع الديموغرافي الحمصي، وكأن مخططاً ما كان يحدث منذ زمن.
يؤكد الناشط والإعلامي محمد السباعي أن حمص كانت خالية من العلويين، وأن النظام بدأ بتجهيز مناطق لهم بالخدمات والتنظيمات الإدارية، وسارع إلى توظيف الآلاف منهم في الدوائر الحكومية في حمص، سعياً منه لتوطينهم فيها، ومنذ سنوات طويلة والنظام يعمد وبشكل تدريجي على علونة المدينة، فقد استقدم آلاف الأسر من ريف طرطوس ومن ريف اللاذقية ومن ريف حمص ذاتها، إذ أن العشرات من القرى القريبة من حمص والتابعة لها سكانها ينتمون إلى الطائفة العلوية، كل هؤلاء وصلوا إلى أحياء تعتبر الأفضل في حمص خدماتياً جهزت خصيصاً لهم وقبل وصولهم بشكل تدريجي.
ومن أهم الأحياء المؤيدة: ‘الزهراء، عكرمة، كرم اللوز، النزهة’ أما الأحياء المعارضة للنظام أو التي أصبحت معارضة بعد انطلاق الثورة السورية: ‘ الحميدية، باب هود، جب الجندلي، باب التركمان، وادي السايح، الصفصافة، باب الدريب، باب تدمر، بستان الديوان، جورة الشياح، القرابيص، القصور، الوعر’.

حصار حمص
في يوم 22 تموز/يوليو من عام 2011، والذي أطلق عليه جمعة أحفاد خالد بن الوليد، دخلت دبابات النظام إلى حمص، ونصبت الحواجز العسكرية وبدأت حملات الإعتقالات المكثفة وخاصة في أحياء بابا عمر والخالدية، وأثناء هذه الأحداث أعلن عن تشكيل الجيش السوري الحر، وبدأ تشكيل الكتائب المقاتلة في حمص بعد فترة وجيزة ليكون حي بابا عمرو معقلاً للشباب المنضمين إلى الكتائب المؤسسة لأجل الدفاع عن المدنيين الذين يتعرضون للقتل والإعتقال اليومي، والأحياء التي بدأت تتعرض لقصف عنيف بالدبابات التي حاصرتها من كل جانب.
قامت قوات النظام بعدها بقصف بابا عمرو قصفاً عنيفاً أجبر مقاتلي الحر على الإنسحاب منه ليدخله النظام في الثامن من تشرين الثاني من العام نفسه، إلا أن الإشتباكات لم تتوقف بل استمرت في مختلف أحياء حمص.
عاد مقاتلو الجيش الحر ليتحصنوا ضمن الأحياء المعارضة حيث الحاضنة الشعبية التي احتوتهم، وبدأ العمل العسكري بإمكاناته البسيطة ضد قوات النظام الذي بدوره عاد لمحاصرة مختلف الأحياء الحمصية وقصفها، لتكون حمص من أكثر المدن دماراً خلال الحروب في العالم، بل أطلق عليها ستالينغراد.
وتشهد هذه الأيام هجمة يشنها النظام ويحشد لها لاقتحام الأحياء المحاصرة، بعد أن تثبت من إضعاف من فيها من المقاتلين الذين يتناولون أوراق الشجر لسد الرمق حسب العديد منهم كلاعب كرة المنشق الذي تحول إلى العمل الثوري عبد الباسط الساروت.
حتى اليوم لم يستطع النظام إعادة السيطرة على ما تبقى من ركام حمصي، بل تحدث معارك يومية هنا وهناك يتكبد فيها الكثير من الخسائر، بسبب أسلوب حرب العصابات والكمائن الذي يعتمده مقاتلو الحر هناك، ويذكر أن مقاتلي الحر تمكنوا مؤخراً من السيطرة على حي جب الجندلي بعد عدة عمليات نوعية استخدموا خلالها المفخخات ضد مقاتلي النظام وحواجزهم.

النكتة ‘النهفة’ الحمصية
يتصف الحمصيون بخفة دمهم وميلهم إلى النكتة والدعابة التي يطلقون عليها ‘نهفة’، فطبعهم المرح يعرفه كل السوريون، ومن المعروف أن كل من يصادف حمصياً يكون سؤاله الأول له: ما هي آخر نكتة حمصية؟
ويذكر لنا الناشط عبد الله إحدى هذه النهفات فيقول: ‘في بدايات المعارك بين الجيش الحر المؤسس حديثاً آنذاك، روجت إحدى القنوات لما يسمى (ساعة الصفر) وهي اللحظة التي ستنطلق فيها كل القوى مدنية وعسكرية للحرب ضد النظام كل وفق اختصاصه وصولاً لعصيان مدني عسكري كامل يؤدي إلى إسقاط النظام، وازداد الحديث عن ساعة الصفر يومياً بل على مدار الساعات والدقائق، وباتت سوريا كلها تنتظر ساعة الصفر، وقد فهم الحمصيون أن ساعة الصفر ليست إلا ترويجاً لتلك القناة، أو أنها حلم يحلم به الكثيرون لكنه مستحيل التحقق في ظروف بتنا نفهمها ونعرف أدق تفاصيلها.
إجتمع عدد من شباب وناشطي حمص ولبسوا الملابس الصفراء كناية عن (الصفر) إذ لم يعتبروا هذه الكلمة رقماً بل جسدوها على أنها لون، واستلقوا على الأرض في شكل يشبه ساعة وعقارب داخلها، وسموها ساعة الصفر (الساعة الصفراء)، ونشروا الفيديو على صفحات مواقع التواصل، لينبهوا الناس وبأسلوب الدعابة والنقد معاً أن ساعة الصفر مجرد خيال’.
صحيح أن الحماصنة يتصفون بالدعابة إلا أنهم يتصفون بالذكاء، فطول الحصار أفقدهم أهم متطلبات الحياة وهو الطعام، لقد أصبحت الخضار طموحاً لهم، يتحدثون عنها في سهرات السمر المظلمة، فعمدوا إلى البدء بالزراعة داخل الأحياء الخالية من الأماكن الصالحة لذلك، لقد حصلوا على بعض التربة من مناطق مجاورة لكل حي، وبدأ الكثير منهم بزراعة الخضراوات على أسطح المنازل ضمن أوانٍ بلاستيكية بمساحات ضيقة ومنتوج بسيط جداً، إلا أنه كان مفيداً معنوياً أيضاً، فقد أثبتوا أنهم شعب حي لا يمكن مسحه بسهولة.
يستمر الشبان والشابات الحماصنة في تأليف النكات والقصص الطريفة بل إنهم يكتبون الشعر ويستبدلون كلمات بعض الأغاني بما يناسب ظرفهم، كأغنية (تعب المشوار) التي أصبحت على شكل مختلف في إحدى النهفات الجميلة:
‘تعب بشار من الثوار والأحرار تعب بشاار
وانقصفت الدار والثوار تركناهن لياخدو بالتااااااااار
على وين الأمن مودينا وبأيا فرع مرسينا
على وين الأمن مودينا آآآآه وبأيا فرع مرسينا
يا بطة تركنا بأراضينا نحنا أحرار نحنا أحرار نحنا أحراااااااار
فطسو كلاب بشار

القدس العربي

والي راحو ما ماتو استشهدو الثوااااار
والي ما بينقال ياسنين العمر الضايع صار بينقااااال
وحقك يا حمص علينا ناديتي ونحنا لبينا
وحقك يا حمص علينا والله تحريرك بإدينا
وحدك رح تبقي يا حمص ونحنا أحرار نحنا أحرااااااااااااار
تعب بشار ، رحل يا بشار
شبيحتك عن هالطرقات قتلو الشباب
كلابك شردو الحرائر دبحو الأولاد
يا جيش الحر يا غالي علينا عبي طلقاتك واحمينا
ياجيش الحر ياغالي علينا عبي طلقاتك واحمينااااااااا
يادار الي كنتِ تأوينا وينك يا دار وينك يا داااااااار’

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.