فلسطينيو سوريا

فلسطينيو سوريا.. التعفن في الجحيم

قرار السلطات اللبنانية بمنع دخول الفلسطيني ـ السوري إلى لبنان، إلا بعد الحصول على موافقة الأمن العام اللبناني، يغلق طوق الحصار الخارجي على فلسطينيي سوريا، بعد حصار المخيمات التجويعي حد الموت، الذي يفرضه النظام السوري على المخيمات، في مقدمتها حصار مخيم اليرموك، الذي كلف إلى اليوم أكثر من 150 شهيدا بسبب الجوع وحده، وعلى مدى الثورة السورية حوالى 2000 شهيد فلسطيني. لقد ساوى القانون السوري في العام 1956 أيام البرلمان الديموقراطي في سوريا، بين الفلسطيني والسوري من حيث «التوظيف والعمل والتجارة…« وفي الزمن الأسدي ساوى الاستبداد الدموي بين الفلسطيني السوري، في الاعتقال والقتل والتجويع والإمطار بالبراميل المتفجرة.

لم يعد هناك أي طريق أمام الفلسطيني للهروب من الجحيم السوري، إنه محاصر في حصاره، الكل ينكر عليه حق أن يكون لاجئاً مرة أخرى من الموت، لا حق له في أن يعامل معاملة اللاجئ السوري، فهو فائض عن الحاجة، ولا يتساوى مع اللاجئ السوري حتى في البؤس والتشرد مرة أخرى. كان لبنان البلد الأخير في طوق البلدان المحيط في سوريا، بل وفي العالم، الذي يسمح للفلسطيني بالدخول إلى أراضيه من دون إجراءت معقدة، رغم أنه لا يدخل لبنان كلاجئ، انما كسائح، لكنه كان منفذا أو معبرا للهروب من الموت، يستطيع المحظوظون من الفلسطينيين اللجوء إليه، فالبؤساء من سكان المخيمات الفلسطينية في سوريا، لا يملكون ترفاً، ولا يقدرون على العيش حتى في مخيمات البؤس الفلسطيني في لبنان.

توحدت كل الدول المحيطة في سوريا على منع الفلسطيني ـ السوري من الدخول إلى أراضيها، فلا «الأخوة« الأشقاء في الأردن يسمحون لأخوتهم بالدخول، فدخول الفلسطيني من سوريا إلى الأردن «خط أحمر« حسب تعبير عبد الله النسور رئيس الوزراء الأردني. والعراق «الأخوة« غير الأشقاء، لا يمنع الفلسطيني من دخولها وحسب، بل هو طرد الآلاف القليلة الذين كانوا يعيشون فيه قبل الغزو الأميركي، وبعضهم بقي محاصراً لسنوات في مخيمات غير إنسانية، في الرويشد، على الحدود الأردنية ـ العراقية، وفي التنف على الحدود السورية ـ العراقية. فقد أدخلت كل من سوريا والأردن كل واحدة على حدة، أكثر من مليون لاجئ عراقي بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وغصت كل منهما، بأقل من خمسة آلاف فلسطيني، بقوا محاصرين في الصحراء، حتى رأفت في حالهم بلدان مثل السويد والبرازيل وغيرها من الدول غير الشقيقة، واستضافتهم على أراضيها. ويتكرر السيناريو ذاته مع الأردن اليوم، هناك حوالى مليون لاجئ سوري في الأردن هربوا من جحيم الموت في سوريا، سمح لهم بالدخول، وتمنع السلطات الأردنية مئات اللاجئين الفلسطينيين من دخول أرضها المحرّمة عليهم، فهؤلاء «يلوثون« الأرض الاردنية المقدسة إذا دخلوا، لذلك، لا يحق لهم الدخول ولا يحق لهم الهروب من الموت، لأنهم ببساطة «خط احمر«. ولا أعرف بهذا التصنيف، إذا كان الموت والجوع والبراميل المتفجرة، تميز بين الفلسطيني والسوري عندما تهبط فتسأله عن جنسيته قبل أن يقضي عليه. وتركيا «الأخوة« في الإسلام، البلد المؤيد للثورة السورية، والمؤيد للقضية الفلسطينية، يمنع الفلسطينيين من الدخول إلى اراضيه إلا بعد الحصول على فيزا مسبقة، وضمن الشروط للحصول على الفيزا التركية، الحصول على إقامة في بلد آخر، وحساب مصرفي.. الخ الفلسطيني اللاجئ الهارب من الموت هو مجرد سائح في العيون التركية، المؤيدة والمحبة للقضية الفلسطينية، الكارهة للفلسطيني الانسان.

حتى الأمس القريب، كان لبنان هو الوحيد الذي يستقبل الفلسطيني ـ السوري كسائح، لكنه لم يكن يفرض عليه شروطا للحصول على فيزا الدخول، كان يحصل عليها بشكل روتيني على الحدود، رغم المضايقات الكثيرة التي ينعرض لها على الحدود، إلا أن لبنان، كان المكان الوحيد الذي يستطيع الفلسطينيون المحظوظون الهروب إليه، أو المرور عبره للهروب إلى مكان آخر، يقبل بهم، بعد إنكارهم من الجميع حتى من سلطتهم الفلسطينية، العاجزة حتى على الصراخ من أجلهم. اليوم، لم يعد هناك محظوظون بين الفلسطينيين ـ السوريين يستطيعون الهروب من الموت سيّاحاً إلى لبنان، فقد بات الفلسطينيون جميعاً بؤساء، ولم يعد بينهم محظوظون، فقد اغلقت في وجههم الجنة اللبنانية، وأصبح قدر الجميع أن يتعفن في الجحيم السوري الملتهب.

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.