محور الممانعة إذ يراهن على إدارة أوباما

محور الممانعة إذ يراهن على إدارة أوباما

لا ندري إن كانت المصادفة فقط هي وراء نشر وكالة أنباء فارس لتصريحات الجنرال حسين همداني، بالتزامن مع أول زيارة من نوعها لوفد المعارضة السورية إلى واشنطن، والتي كان من أول نتائجها رفع تمثيل مكاتب المعارضة في الولايات المتحدة إلى مصاف البعثات الدبلوماسية. التصريحات، التي حذفتها وكالة فارس بعد النشر، تهدد بوجود 130 ألف مقاتل إيراني من الباسيج جاهزين للذهاب والقتال في سوريا وذلك بعد أن يعلن الجنرال همداني صراحةً أن الأسد يقاتل نيابة عن إيران، ويكشف عن تشكيل حزب الله2 في سوريا، وعن إنشاء مراكز لدعم النظام السوري في جميع المحافظات الإيرانية. ليس مستغرباً أن يقول الجنرال همداني في النهاية أن 64 في المئة من الناخبين السوريين سيصوتون في الإنتخابات الرئاسية لبشار الأسد، وكأنه يحدد مسبقاً النسبة التي ينبغي على النظام إعلانها بعد انقضاء المهزلة الانتخابية.

نظرياً، يظهر التهديد بإرسال هذا الكم الكبير من المقاتلين الإيرانيين إلى سوريا بمثابة رسالة إلى الإدارة الأميركية، وإلى داعمي المعارضة السورية عموماً، مع أن النظام الإيراني منخرط في الحرب على السوريين منذ البداية، ومع أن الحرس الثوري الإيراني يقود العديد من العمليات العسكرية الكبرى، كما تفيد التقارير المسربة، أو باعترافات منسوبة إلى القادة الإيرانيين أنفسهم. التهديد مفاده استعداد إيران للتضحية بآلاف من مقاتليها من أجل ضمان مصالحها في سوريا ولبنان، فالجنرال يقولها بوضوح: «إننا في حالة حرب، لأننا ندافع عن مصالح الثورة الإسلامية في سوريا». ومن المنتظر أن ترفع تصريحاته معنويات الممانعين المحليين، الذين باتت طهران الخامنائية محجاً لآمالهم وأفكارهم وأوهامهم.

نظرياً أيضاً، يروج الممانعون المحليون، في سوريا ولبنان، لنصر النظام السوري الذي يوشك أن يكتمل، على رغم تناقض هذا مع نية إيران إرسال المزيد من المقاتلين بعد فشل ميليشيات حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية في تحقيقه. إذ من المعلوم أن انتصارات النظام في بعض المدن أو البلدات تقابلها خسارات في مدن وبلدان أخرى، وهذا ما يعيه جيداً المركز الإيراني. إلا أن الكلام عن الانتصار لا يسنده حقاً سوى إيمان الممانعين بصدقية الإدارة الأميركية في عدم التدخل العسكري في سوريا، وبصدقيتها في عدم تمكين المعارضة السورية من الحصول على أسلحة دفاعية نوعية، تجنبها بخاصة الأذى الذي يلحقه سلاح الطيران بالمدنيين. لندع جانباً أوهام العظمة التي تروج لصعود محور الممانعة مع انهيار العصر الأميركي، فقد رأينا قيمة تلك الأوهام عندما أرسلت الإدارة الأميركية بوارجها إلى قبالة السواحل السورية، وكيف هرع النظام وحلفائه إلى تسليم أداة جريمتهم الكيماوية.

يعيب الممانعون على المعارضة السورية ارتهانها المزعوم للولايات المتحدة، لكنهم يخفون أن رهانهم هم والأقوى هو على سلبية الإدارة الأميركية الحالية تجاه السوريين، بل إن ما تبقى من مدة لهذه الإدارة في الحكم ربما تكون فرصتهم الأثمن للتفوق في الحرب. ولعل استطلاعات الرأي الأخيرة في الولايات المتحدة، التي تشير إلى تراجع تأييد الأميركيين لسياسة أوباما الخارجية، قد تكون بمثابة جرس إنذار لأوهامهم حول الانغلاق الأميركي النهائي. وفي تذاكٍ لا يخلو من التعالي أو الوقاحة يفنّد بعض الممانعون المصالح الأميركية لإثبات عدم تلاقيها مع مصالح الشعب السوري، لأن جل اهتمام الإدارات الأميركية منصب على المصلحة الإسرائيلية أولاً، (هكذا على الأقل جرى تفسير موضوع الكيماوي)، ما يعني من جهة أخرى تلاقي مصالح الإدارة مع مصالحهم في بقاء النظام. لكن الكارثة الفكرية الأكبر هي في تصور مصالح أحادية وثابتة لأميركا، ومن ثم التعويل على ثبات السياسة الأميركية، أسوة بما ينظّرون له من ثبات مواقفهم وسباتهم الأيديولوجي.

ما يلحظه الممانعون، وهم محقون، أن إدارة أوباما منعت تسليح المعارضة بما يؤمن لها التفوق، هذا مكمن رهانهم على الانتصار، إلا أنهم لا يلحظون في المقابل الجزء المتمم من السياسة الأميركية التي لم تقرر أبداً بقاء النظام، ومن المرجح أنهم لم يقرؤوا جيداً تصريحات أوباما قبل شهرين، عندما سخر ممن يقولون بنصر إيران في سوريا، لأنه اعتبر استنزافها في الأراضي السورية مكسباً مجانياً لأميركا. لم يأت أوباما حينها بجديد، إذ سبق للعديد من المحللين والتقارير الحديث عن فحوى السياسة الأميركية التي تنص على عدم وجود غالب ومغلوب في الحرب، وعلى إبقاء سوريا كساحة استنزاف للمتطرفين الشيعة والسنة بحسب التصور الأميركي. ضمن التصور نفسه لا يبدو أن الممانعين، وهم يروجون لمعركة حزب الله في سوريا كمقدمة في الطريق إلى القدس، لا يبدو أنهم يدركون أن ميليشيات الحزب قيد التآكل في الحرب السورية، وهذا تحديداً ما يقدّم الخدمة الأكبر لإسرائيل، إذا كان ثمة عداء فعلي لهم تجاه الأخيرة. ربما يكون واجباً التذكير هنا بأن هؤلاء أنفسهم رأوا يوماً في اقتحام ميليشياتهم لبيروت طريقاً إلى القدس!

ما لا يحتاج نباهة كبيرة لفهمه هو إعلان إدارة أوباما مبكراً أن لا حسم عسكرياً في سوريا، وأن الحل سياسي. هذا الإعلان بدا في وقت ما موجه فقط إلى المعارضة، كي لا تعول على تدخل خارجي، لكن القراءة العميقة له تدل على أنه موجه للطرفين، فالحسم العسكري الممنوع على المعارضة كان ممنوعاً أيضاً على النظام وحلفائه، وإن احتفظوا بقدرتهم على التدمير والإبادة. هذه الخلاصة لا شك مؤذية لحلفاء النظام، لا لتنافيها مع النصر الذي روجوا له منذ ثلاث سنوات، وإنما لأنها أيضاً تضعهم في مساءلة أمام جمهورهم، الذي سيرى نفسه ويراهم مجرد أدوات في تنفيذ الإستراتيجية الأميركية، الجمهور الذي يُساق أبناؤه إلى المقتلة نفسها التي يعتقد أنها مقتلة السوريين فحسب.

يعلم اللبنانيون الجنوبيون والإسرائيليون ما هي كلفة الحرب على عاتق الطرف المحتل، لننسَ هنا الإحباط الذي أصاب النظام السوري وحلفائه جراء انسحاب إسرائيل من الجنوب؛ المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في الجنوب، وكانت قادرة على ارتكاب أفظع منها كما يفعلون الآن في سوريا لم تغيّر في الحصيلة النهائية، فكان الاحتلال بمثابة خسارة واستنزاف دائم لقوات الاحتلال. ما تقوله التوقعات الغربية الآن عن حرب في سوريا قد تمتد لنحو عقد قادم، يعني أيضاً الاستنزاف المتواصل لقوات الاحتلال اللبنانية والعراقية بقيادة إيران، ويترتب عليه أن تعدّ هذه القوى نفسها لخسارات مضاعفة لتلك التي تلقتها خلال حوالى سنتين من الانخراط العلني والكلي في الحرب. ذلك يعني أيضاً ألا يعول المحور الإيراني طويلاً على تفاصيل السياسة الأميركية الحالية، لأنها بطبيعة الحال متغيرة مع المعطيات الميدانية لتخدم الإستراتيجية العامة.

تجربة جنوب لبنان ينبغي أن تذكر أيضاً بمآل الجنوبيين الذين تعاونوا مع إسرائيل، الذين دفعوا ثمن انسحابها، من دون أن تكترث بمصيرهم، كما يتباهى ويتشفى أنصار الممانعة. الآن لم يعد التشبيه تهمة بعد إعلان المستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلى الجنرال يحيى رحيم صفوي أن «حدودنا الغربية لا تقف عند شلامجة، على الحدود العراقية غرب الأهواز، بل تصل إلى جنوب لبنان، وهذه المرة الثالثة التي يبلغ فيها نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط». نعم، ليست تهمة، وليس ذنبنا أن القائد الإيراني يرسم حدود إمبراطوريته، ويحدد ضمناً موقع الحلفاء المحليين ضمنها. هكذا كان دائماً دأب الأقوى، إذ كان صلفه يمنعه حتى من مراعاة مشاعر حلفائه الصغار، ولا يرى فيهم سوى أداة لتنفيذ مخططاته. المفارقة فقط في وجود لبنان رسمي يحتج على ذلك كما فعل رئيس الجمهورية، أما في سوريا النظام فليس ثمة من يخجل أو يشعر بالإهانة.

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.