يثب

لماذا استقال الأخضر الابراهيمي ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

عادة لا يميز من هو مصاب بعمى الألوان بين اللون الأخضر واللون الأحمر ، لذلك كان اسم الأخضر الوسيط الدولي يذكرني دوما بالرفيق الأحمر الأمين العام المساعد ، فهما من مدرسة سياسية واحدة ، وهناك تشابه كبير بينهما بأنهما مطيعان جدا لكل التوجيهات والتعليمات ما ظهر وما خفي منها .. لكن المشكلة على ما يبدو ليست في بصري، ولكن في بصيرتي التي اكتشفت مبكرا أن مهمة الأخضر التي كلف بها هي ذات مهمة الأحمر وهي خدمة بقاء النظام ، فهو لم يصب بعمى ألوان فضيع البوصلة واصطدم بجدر لم يتوقعها .. وبالتالي هو لم يفشل في مهمته كما صرح آسفا ، بل نجح بها واستكملها دون أن يصرح عنها، وهي تغطية بقاء الأسد حتى موعد الانتخابات القادمة منتصف 2014 ، وهذا ما أنجزه بمهارة وهو ما يتحمل مسؤوليته ، عندما نفذ ما كان قد أمر به كرجل تنفيذي للمطبخ السياسي الدولي (مخصص للشؤون العربية والاسلامية) فهو قد سبق وكلّف بمهام في كل من العراق وأفغانستان وسوريا وقد فشل بهم جميعا والحمد لله وتحولت هذه البلدان لدول فاشلة بعد جهوده الكريمة ، ليس لسوء الحظ ولا لسوء التدبير بل لسوء النوايا والمقاصد . فهو رجل المهمات الفاشلة أو المراد افشالها بامتياز .. لا حظوا معي أنه لم يحمل أحد مسؤولية فشل جهوده ؟

وحتى لا نظلم ذكاء الرجل فهو قد أظهر عدم تعاطفه مع الثورة منذ البداية ، ولم يوصِّف (لا الابراهيمي ولا العربي ولا عنان ولا الدابي ولا بان كيمون) المسألة في سوريا توصيفا يمت للحقيقة ولا للحق بصلة ، فقد استعمل دوما الكلمات المواربة وغطى ببرود كل جرائم النظام وتغاضى عنها وساوى على الدوام بين الضحية والمجرم والفعل ورد الفعل وبين السبب والنتيجة تحت خيمة الوساطة والحياد والموضوعية (ثورة الشعب ضد نظام مجرم أصبحت أزمة بين طرفين على يديه ).. ولم يتحدث عن أي حل يترك أي فرصة للعدالة والكرامة والمنطق ، دوما كان يتحدث عن أن كلا الطرفين يجب أن يتعايشا معا وأن يستمرا في الحكم معا وبسلام وتوافق ، والغائب الدائم عن ساحة وعيه هو الشعب السوري ، وحقه في الحياة الحرة الكريمة والتي ضحى بالغالي والنفيس من أجلها. فهو كابن شرعي لنظام الاستبداد والفساد العربي يرى دوما في الشعوب عدوه اللدود . وفي صرخات الحرية طلقات تطلق على السلم والاستقرار .

أبشع جريمة ستلاحق الابراهيمي كعار عبر التاريخ ، هي مشاركته في تفريغ حمص من سكانها (حتى المدنيين ) وباسم الأمم المتحدة ومؤتمر السلام ، وهي جريمة تطهير عرقي وطائفي بامتياز ، افسحت  المجال لتقسيم سوريا وتحويل هوية حمص العربية السنية للهوية الإيرانية الشيعية. وبدل أن تكون مهمته ادخال الطعام والأمن لسكان المدن والقرى، وهو كان الشرط المعلن من قبل المجتمع الدولي ومن راعيي المؤتمر ، تحولت مهمته للمساهمة في تهجيرهم وتشريدهم ، ولنتذكر جميعا كل الوعود التي وعدنا بها قبل جنيف من الابراهيمي ومن غيره حتى من أعضاء الائتلاف الذين ركبوا رأسهم وذهبوا لمؤتمر العار من دون أي منظور معقول ولا غاية واضحة ولا التزام دولي ، مما سمح لبشار بالبقاء بل بالترشح ، وعندما قلنا أن هكذا مؤتمر سيخدم فقط الأسد في البقاء وسيعطيه ما يلزمه من وقت لاستكمال هزيمة الشعب واخضاعه ، وطالبنا بسقف زمني وخطة بديلة ، فرّط أعضاء الائتلاف وبضغط من الابراهيمي ومن أصدقاء سوريا مجموعة (لندن 11) وذهبوا وهم يكذبون ويطلقون الوعود …  لنكتشف بعدها الخديعة الكبرى وهي أن جنيف قد صمم ليفشل وأن الحديث عنه والسعي له ليس أكثر من سيناريو دعائي وهمروجة اعلامية متفاهم عليها بين الدول لتغطية بقاء الأسد ، وتخدير الحماس الدولي وامتصاص النقمة والايهام بمساعي حل سياسي ، بينما الشعب يذبح ويموت تحت الحصار ويجبر على التشرد ..   وهو ما حصل بالفعل ..

والخطوة القادمة هي التعايش مع احتمال بقاء الأسد في سدة الحكم (بنصف شرعية استعادها في جنيف) مقابل بعض الغذاء والدواء للمناطق المحاصرة  .. وهو الهدف الذي عمل الابراهيمي على تحقيقه وقد فعل قبل أن يستقيل .. والسبب في ذلك الموقف الدولي ليس الحقد علي السوريين بل الشعارات الاسلامية التي طغت على الثورة والتي أدت لتغير كبير وجذري في الموقف العالمي من الثورة السورية، لدرجة أنهم جميعا أصبحوا يفضلون بقاء الأسد على سقوطه بيد الجهاديين ، ، وهذا سيكون موضوع المقال الثاني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.