يثب

دولة عظمى بأخلاق عصابة ماذا يعني تعطيل محكمة الجنايات الدولية؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

دأبت روسيا والصين منذ بداية الثورة في سوريا على تعطيل مجلس الأمن والنظام العالمي ، بما فيها تعطيل محكمة الجنايات الدولية ، وهي تفعل ذلك بشكل منهجي ومتعمد وتقرن عملها هذا بسلوك اجرامي خارج اطار الشرعية الدولية بدءا بتزويد نظام مجرم يقتل شعبه بالسلاح وبالخبرات والمعلومات ، مرورا بحمايته من العدالة والعقوبات الدولية ، وانتهاء بغزو واحتلال دول مجاورة ضعيفة كأوكرانيا ، وتسهيل احتلال حليفها ايران للعراق وسوريا ولبنان وغدا دول الخليج ، فالمشكلة في سوريا لم يكن لها أن تستمر لولا دعم روسيا ، ولولا مشاركة ايران التي هي بدورها تريد القفز فوق أزمتها الداخلية عبر دغدغة حلم (قومي عنصري فارسي فاشل ومهزوم عبر التاريخ ) بالسيطرة على الشرق الأوسط ، بواسطة اثارة وتسعير حرب مذهبية طاحنة توهم فيها الشيعة العرب أنها تنصرهم على أعدائهم ، وهي في الواقع تدمر أوطانهم وصيغ العيش التاريخية فيها ..

ماذا يعني تعطيل محكمة الجنايات الدولية بالأمس واليوم .. هل لكونها محكمة لا يتوقع فيها النزاهة والعدل . أم لأن النظام السوري متأكد من حتمية ادانته أمامها بفعل ما ارتكبت يديه بحق مواطنيه؟

هل لأن العالم ليس بحاجة للعدالة ؟.. أم لأن مصالح دول بعينها أهم من العدالة والنظام العالمي .. ؟

أم لأن الانسان السوري من رتبة عنصرية أدنى من مستوى طلب العدالة والحقوق .. ؟

ما هو الطريق الذي تقترحه موسكو لحل المعضلة السورية .. غير طريق دعم بشار الأسد واجبار الشعب على الخنوع كالديدان أمام جبروته . لقد سبق  وعطلت مجلس الأمن واستبدلته بمسار جنيف ، ثم عطلت مسار جنيف ذاته الذي اقترحته ، وهي اليوم تفقد الشعوب آخر أمل في تحقيق العدل أو الاتكال على منظومة دولية تمنع الحروب والجرائم الدولية .. أي تسقط كل نظام عالمي لصالح الغطرسة .

الفيتو الروسي الصيني اليوم هو عودة بالإنسانية نحو الوحشية وشريعة الغاب . وهي رسالة عنصرية وكراهية واحتقار للهوية الوطنية السورية واستفزاز صفيق للطائفة السنية في الشرق الأوسط ، وهو ما سيؤدي للمزيد من الحقد والكراهية والتطرف والعنف والارهاب . بل ما سيشرعنه بنظر المجتمع الذي فقد كل أمل في عدالة أو قانون دولي ، و يتعزز ذلك أيضا بسبب الموقف الهزلي للدول الغربية وبشكل خاص الادارة الأمريكية من هذا الاستفزاز الروسي الايراني وهذا الغياب التام للنظام والشرعية والعدالة الدولية ، تحت عين ومسمع من وضعوه ومن هم مسؤولين عنه ، أقصد الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ..

في ظل ما يجري لا أتوقع من نتيجة سوى عودة هذه الحرب العالمية مرة أخرى  .. التي سبق وشملت العالم كله مرتين في القرن الماضي ولذات الأسباب وهي ذهاب القوة بعيدا عن الحق .. صحيح أن من يدفع الثمن الباهظ الآن هو الشعب السوري (رخيص القيمة )  فقط .. لكنني على يقين أن لعنة مأساة هذا الشعب ستلاحق وستدمر اطمئنان الجميع، فإذا غابت عدالة الأرض تبقى عدالة السماء … والتاريخ مليء بالأمثلة والعبر لما يحصل بهؤلاء الطغاة والمتجبرين وبأهلهم ودولهم ( فإذا كانت الحرب الداخلية في سوريا كيميائية ولم تجد من يضع لها حدا ، فما المانع أن تكون الحرب الأهلية القادمة في روسيا نووية ذرية إذا استمر في قيادتها هذا النظام المجرم).. نعم سيدفع الشعب الروسي والصيني وبيديه هو ثمنا باهظا لما يفعله نظامه بغيرهم وباسمه … وإن غدا لناظره قريب .

جاهل من ينسى عدالة السماء ( خاصة وأنه ملحد شيوعي يجاهر بكفره فيها ويؤمن بالعنف محركا للتاريخ وببقاء الأقوى ) ، ومشتبه من يراهن على هزيمتنا واذلالنا ، فالحرب جولات والأيام سجال . لكن العار  كل العار على شريعة دولية تترك القرار العالمي والانساني والعدالة الدولية تحت مزاج رئيس عصابة فاسد يغتصب السلطة بالتزوير والخديعة ويسيطر على دولة عظمى ويتمتع بحق تعطيل النظام العالمي ويدعم أقرانه المجرمين حول العالم ..

العالم اليوم يشبه قرية وشؤونه متصلة ببعضها .. وصلاح هذه القرية بصلاح نظامها وخرابها بغياب العدالة والقيم التي هي أساس قيام الحضارة والانسانية والقوة التي تدوم .

قال تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا  (الإسراء (16)  –

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.