يثب

إيران … التخلص من الأسد بعد استقرار السيطرة

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

لا أعتقد أن الخلافات بين النظام و بين الايرانيين وحليفهم حزب الله خلافات عابرة ، بل إن تحالف آل الأسد مع الايراني يشبه من يأتي بالدب لكرمه ، فبمقدار ما قدمت إيران مساعداتها لنظام الأسد بمقدار ما تغلغلت في النفوذ والسيطرة عليه، حتى وصلت درجة أصبحت فيها مستعدة للتخلي عن خدمات الأسد وربعه، و تقديمه قربانا لشركائها الجدد ، من أجل الحفاظ على مكتسباتها و تثبيت هيمنتها على النظام والمجتمع والاقتصاد والموارد كما هو الحال في لبنان والعراق ، فرأس النظام الذي بقي بسبب المساعدة الإيرانية قد يذهب بسببها ولصالحها أيضا ..؟ وهي ذات قصة رأس المملوك جابر بطل مسرحية سعدالله ونوس . الذي تعاون مع التتار في تسليمهم دمشق ففقد رأسه الذي تبرع به ليكون ورقا لرسالة الخيانة ، فمقتل الخائن غالبا يتم بيد حلفائه .

هنالك عروض ايرانية وعراقية وخليجية لحلول سياسية للوضع في سوريا وهي كلها تصطدم حتى الآن ببقاء الأسد الذي وصل إلى درجة من القذارة لا تسمح لأحد أن يشاركه أو يتبناه ، فورقة الأسد اليوم تشبه الرائحة النتنة التي تستخدم للضغط بها لكنها تتسبب بالمعاناة لمستخدمها أيضا ، والايراني يستطيع ابعاد هذه الورقة الكريهة اذا ضمن سيطرته على الدولة العميقة وأجهزة الأمن والجيش والمليشيات ، وضمن  وجود حلفاء آخرين وحصة جيدة في السلطة القادمة .. إن كان مع رموز من الطائفة العلوية ممن لم يظهروا على السطح كرموز للجريمة ، أو من الطوائف الأخرى ، ومن السنة الموثوقين لديه ، والمعارضة الداخلية الصديقة له  ، وهذا لا يمنع من تطمين التركي بضم مجموعة من الإخوان ، والسعودي بضم مجموعة من العشائريين البدوان  والسلفيين الوهابيين ، والروس بضم عدد من الشيوعيين ، والغرب بضم بعض المسيحيين ، لكن كواحهات شكلية لدولة عميقة محروسة من مؤسسة عسكرية وأجهزة استخبارات تابعة كليا لإيران ، واقتصاد مرتهن تتحكم به ، نموذج العراق و ايران مثالا ..

قد تكون نتائج الانتخابات التركية و معركة الساحل المحدودة ، قد حصلت في سياق اثبات حسن نية إيران تجاه استنبول المتوجسة والقادرة على تعطيل مشاريع غيرها ، أي بعد زيارات ودية لطهران ، شهدت استانبول  وفيينا لقاءات بين اخوان  سوريا والحرس الثوري الإيراني ، و بينهم وبين الروس ، و مع أزلام المالكي أيضا ، و في ذات السياق تأتي عودة العلاقات بين إيران  والسعودية ، وبقية دول الخليج معها ، و احتمال توقيع ايران للاتفاق النووي مع الغرب الذي لا يمانع في توكيل ايران في سوريا إذا كان البديل هو القاعدة .. والتسريبات عن زيارات رموز من المعارضة السورية لإيران وروسيا ، و عن التصورات المشبوهة  التي قدمها الائتلاف للابراهيمي في جنيف ، وما يرشح عن مبادرات للمالكي .. وما يحدث  في سياقها أيضا من تصفيات لعدد من الشخصيات المقربة من بشار .. ومن رموز شبيحته على يد الإيرانيين لإضعافه والهيمنة عليه .. حتى صار بشار يتلمس على رأسه .. وبدأ يستغيث بأصدقاء قدماء لم يعيروه سمعا .. كما حصل للراعي الذي هاجمه الذئب ..

بشار (الورقة الكريهة) منخرط بالترشيح  ومشغول به ومصدق أنه سيصبح رئيسا ديمقراطيا على مئات ألوف الجثث ، وأنه سيستعيد شرعيته بفرق الدبكة الحزبية، واللجان الشعبية ، وينسى ما ارتكبت يديه من جرائم .. و إيران لا تمانع من تسمين ورقتها القذرة هذه مؤقتا لرفع سعرها، وهي في تسابق مع الزمن لتشكيل دولتها في سوريا قبل  تغير الظروف ، وهي تحشد عشرات الألوف من زعرانها وزعران العراق لارسالهم لحمص ، وتركيا تنزاح لموقع محايد تحت ضغط العداء الخليجي والأمريكي الغير مبرر لها، خاصة أنها كدولة تستطيع أن تضمن مصالحها عبر البوابة الإيرانية بوجود حليف مشترك وهو الاخوان ..

لكن العناصر المخربة لهذا التوافق المحتمل هو حسن نصرالله الذي يسعى لتأمين مربع أمني كبير (لصواويخه ) ومعسكراته في وسط سوريا وجبالها وعلى حدود اسرائيل ويخزن السلاح البعيد والاستراتيجي ، وسلوك المالكي الذي يستعد للانفصال عن الأنبار وكردستان ، وتركهما كمشاكل لجيرانه وليس مشاكل له في عقر داره .. و روسيا التي ما تزال تطمح بقاعدة بحرية ثانية على المتوسط بعد القرم . أي دويلة تحتلها وتحمي سكانها من الأقلية العلوية  من الإبادة بعد أن ورطتها بجرائم ابادة ضد الأغلبية ..  وهي عناصر تقوض أي اتفاق أو تفاهم ، والذي لا يمكن أن يستمر إلا لأن أوباما مشغول بالصين وشرق آسيا حيث ينزف اقتصاده  بغزارة تهدده بالانهيار ، فدور روسيا يهدف فقط للتقسيم واقامة دويلة تحت الحماية الروسية ، وتضخم حزب الله سيكون خطرا يوازي خطر القاعدة  ولا يلغيه ، وتضخم النفوذ الايراني سيرفع سقفها .. لذلك لا تبدو هذه المشاريع كخيار أول لدى معظم الدول .

أما الذي ينهار فعلا فهو الوجود العربي في العراق وسوريا ولبنان والخليج ، الذي باشر على ما يبدو في كتابة بيانات استسلامه لسيده الفارسي الجديد بدءا من عُمان  مرورا بالإمارات التي ما تزال متحدة ولم تصبح محتلة بعد ..  وصولا للبحرين والكويت كتحصيل حاصل  والسعودية المرشحة للتقسيم بعد اليمن  …   بينما تراقب عين اسرائيل مشهد نمو وتسرطن حزب الله ومنظمات التطرف .. وهي تظن أنها تستنزف خصومها ، في حين أنها تستبدلهم بمن هو أغلظ وأشرس وتضعف قوى الاعتدال التي يمكن لها أن توقع سلام معها ، وهي ما تزال متوجسة من توافق قوى التطرف السني والشيعي كما حصل بين حماس وحزب الله والاخوان بوابته  وداعش نموذج للتطرف السني بقيادة ايرانية وهي ستكون نواة حزب الله بصيغته السورية  … وأمريكا التي تتهرب من التزاماتها والتي تنام على حلم السلام لتصحوا على شروط تجبرها على خوض حرب كونية ..

أما الشعب السوري فينتظر نهاية ما لفصول الصراع الدولي عليه ، ولمأساته التي وصلت حدا غير مسبوق .. و مع ذلك يسطر شبابه أعلى درجات البسالة والشهادة بانتظار نصر من الله ، قد يأتي من حيث لا يحتسب ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.