اللاجئين السوريين

اللاجئون السوريون بمصر من شقاء اللجوء إلى قوارب الموت

يعيش اللاجئون السوريون في مصر أوضاعا سيئة للغاية، دفعت بالكثير منهم إلى التفكير في الهروب عبر البحر المتوسط إلى سواحل أوروبا، غير آبهين بخطر الغرق أو الاعتقال وربما القتل على يد الأمن المصري.

وقد بحثت “مسار برس” عن الأسباب المتعددة التي دفعت السوريين إلى التفكير بالهجرة من مصر عبر ما بات يعرف في الأوساط السورية بـ”قوارب الموت” وتحمل عناء تلك المغامرة الخطيرة، واستطلعت آراء عدد من السوريين في مصر حول القضية.

سامر هو أحد الذين ينوون الهجرة عبر البحر إلى أوروبا، وقد تحدث لنا عن دوافعه مؤكدا أن السوريين يفضلون مواجهة خطر الغرق على المعاملة السيئة التي يتلقونها من أجهزة الدولة لا سيما قوات الأمن، وأضاف سامر أنه بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد بدأت الظروف تتغير حيث تم اعتقال الآلاف من السوريين وهناك من تم ترحيلهم على يد السلطات المصرية في ظروف سيئة بذريعة عدم حصولهم على تصاريح إقامة، ما دفع الكثيرين من السوريين إلى ركوب “قوارب الموت” بحثا عن حياة آمنة تتوفر فيها أدنى مقوّمات حقوق الإنسان.

رحلة الموت تبدأ من الساحل المصري

لقد قرر عدد كبير من السوريين في مصر أن يحملوا أرواحهم على أكفهم ويصعدوا على قوارب أشبه بالتوابيت للانطلاق في رحلة محفوفة بالمخاطر، لكن عزاءهم الوحيد في ذلك هو الخلاص من المعيشة في مصر “التي تحولت إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف بعد أن كانت أما حنونا تحتضن السوريين” على حد تعبير سامر.

أبو شهد الذي يعمل في استراحة بالقرب من الشاطئ أوضح لـ”مسار برس” أن مصر أصبحت نقطة الانطلاق الرئيسية للاجئين السوريين نحو أوروبا، مشيرا إلى أن ما يحدث غالبا هو أن المهرّب يملأ قواربه الصغيرة المهترئة المعدة للصيد بأعداد كبيرة من اللاجئين، لينقلهم على متنها إلى السواحل الإيطالية، ولكنه قبيل الوصول إلى الشاطئ بمسافة ليست بالقصيرة يتركهم ليكملوا الطريق بأنفسهم، معرضا حياتهم إلى مخاطر شتى.

ولفت أبو شهد إلى أن تكلفة الحصول على مكان في أحد قوارب التهريب غالبا ما تصل إلى نحو 3 آلاف دولار أمريكي، ويحمل القارب على متنه ما يقارب 200 مهاجر، مؤكدا أن الكثير من السوريين تعرضوا لحالات نصب دفعوا فيها أموالا طائلة للمهربين، ليجدوا أنفسهم بنهاية المطاف في قبضة السلطات المصرية.

من جهتها روت سعاد قصة أختها التي هاجرت مع عائلتها إلى أوروبا قائلة “غادرت أختي ليلا برفقة زوجها وولديها إلى الإسكندرية، وبعد اقترابهم من الشاطئ نزلوا إلى المياه وبدؤوا بالسير على الأقدام حتى وصلوا إلى قارب ممتلئ بالمهاجرين السوريين”.

وتابعت سعاد؛ “في وسط البحر هبت عاصفة هوجاء وكاد القارب يغرق بسبب الأمواج المرتفعة، ما اضطر المهرّب إلى الاتصال بخفر السواحل الإيطالية، والتي بدورها اتصلت بسفينة قريبة منهم نقلتهم إلى السواحل اليونانية بدلا من الإيطالية”.

خفر السواحل المصري يواجه المهاجرين بالرصاص

اتخذ خفر السواحل المصري مؤخرا إجراءات صارمة لإيقاف ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وكثيرا ما يقوم بإطلاق النار الحي بصورة عشوائية على قوارب المهربين، ويعتقل من بقي من المهاجرين على قيد الحياة ويعيدهم ليجدوا أنفسهم في معتقلات تفتقد لأدنى مقوّمات المعيشة.

ويروي أبو كامل الخطر الذي واجهه بسبب تعامل خفر السواحل المصري العنيف مع الهجرة غير الشرعية قائلا “إنه بعد مغادرة قاربنا الشاطئ بوقت قصير تم اكتشافه من قبل عناصر خفر السواحل المصرية فوجهوا نداء لنا من أجل تسليم أنفسنا إلا أن المهرب رفض الاستجابة لهم واستمر في الإبحار، فقاموا بإطلاق الرصاص الحي على القارب، ما أدى إلى مقتل اثنين من الركاب وإصابة 3 آخرين بجروح خطرة” مشيرا إلى أنهم لم يجدوا طريقة لإنقاذ الجرحى سوى العودة إلى الشواطئ المصرية.

وشبيها بما تعرض له أبو كامل، يروي أحمد قصة أكثر هولا قائلا “قررت السفر عن طريق البحر مع زوجتي وابنتي الرضيعة، وعندما وصلنا إلى المكان المتفق عليه وجدنا العديد من العائلات السورية تنتظر إشارة من المهرب للصعود إلى القارب”.

وأشار أحمد إلى أن المسافة التي تفصل الشاطئ عن المركب كانت طويلة ما أجبر المهرب على التقدم أكثر بالقارب إلى أن علق بالرمال، ثم صعدت النساء والأطفال ليقوم الرجال بعد ذلك بدفع القارب نحو عمق أكبر كي يتمكن المهرب من الإبحار، وأضاف أحمد أنه مع تكرر العملية انتبه عناصر خفر السواحل وبدؤوا بإطلاق الرصاص على المركب، فلاذ المهرب ومعه الأطفال والنساء بالفرار، حيث قام بإيصالهم إلى الشواطئ الإيطالية، وبقي معظم الرجال على الشاطئ المصري.

الأمن المصري يكشر عن أنيابه

وأكدت أم جلال التي احتجز زوجها على يد الأمن المصري أثناء محاولته الهروب إلى إيطاليا أن الأمن يتعامل بوحشية مع المعتقلين السوريين ويرفض إخلاء سبيلهم ويهددهم دائما بتسليمهم لنظام الأسد، مشيرة إلى أنها تعاني من غياب زوجها المعيل الوحيد لها ولأولادها الأربعة كما أنها تنتظر خروج زوجها من السجن بفارغ الصبر لكي يغادروا مصر “إلى أي بلد آخر يحترم الإنسان ويكون القانون فيه هو الحاكم وليس البلطجية” على حد وصفها.

لقد أعلنت منظمة العفو الدولية في وقت سابق أن البحرية المصرية قامت حتى الآن باعتراض نحو 13 قاربا يحمل لاجئين سوريين خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا، كما اعتقلت السلطات المصرية 946 شخصا أثناء محاولتهم الهروب بينهم نساء وأطفال.

في حين كشفت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالقاهرة في تقريرها الصادر عن أحوال اللاجئين السوريين مؤخرا أن نحو 4 آلاف و600 لاجئ سوري خاطروا بحياتهم وغادروا السواحل المصرية إلى إيطاليا في هجرة غير شرعية بالقوارب.

يُذكر أن 17 دولة أوروبية أعلنت استعدادها لاستقبال اللاجئين السوريين القادمين من سورية، إلا أن معظم هذه الدول أغلقت جميع منافذها الرسمية في وجوه السوريين، لتتركهم ضحية للمُهرّبين وتجار البشر وتعسف أنظمة بعض الدول التي لجؤوا إليها في بدايات الثورة.

مسار برس (خاص) – القاهرة
تقرير محمد العبد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.