احياء في الفبور

أحياء في قبور …. معاناة اللاجئين في أقبية الأبنية السكنية في دمشق

تكتظ أقبية الأبنية السكنية في الكثير من احياء دمشق بالعديد من الهاربين من وابل القصف المتواصل على بلدات ريفها المشتعل، فبعد حالات النزوح الجماعية لعائلات خرجت مجتمعة من عدة مناطق منكوبة قام عدد من النشطاء الإغاثيين بتهيئة أقبية الأبنية قدر المستطاع لاستيعاب الأعداد الكبيرة، على الرغم من ان الكثير منها لم تنتهي فيه أعمال الإكساء.

وحسب إفادة أحد النشطاء فإن بعض الأقبية المستخدمة في حالات الايواء لا تتوفر فيها أبسط شروط المعيشة حيث تفرش الأرض بالنايلون فوق الأرضية البيتونية مباشرة كما يفتقر بعضها لأماكن الخدمات الصحية مما يضطر سكانه للجوء إلى سكان البناء، كما بين أنها تفتقر لأدنى مقومات الخصوصية بشكل عام إذ يقسم كل قبو بعدد من الشوادر إلى ما يشبه الغرف، «تؤمن هذه الشوادر عازلا بصريا لا أكثر إذ ان الأصوات تسمع بوضوح من الغرف المجاورة. كما أن الفرد الواحد لا يملك إلا فرشا للنوم وما يأتيه من0 معونات إغاثية أو من سكان الأبنية» يقول أحد سكان القبو.

ويضيف «تشغل كل عائلة غرفة من هذه الغرف. طورها الكثير مما يأتيه من معونات أو من تعبه حيث يقوم الكثير من الصغار والكبار بالعمل لتامين لقمة العيش. في بعض الأحيان يشغل القبو الواحد أكثر من 6 عائلات يتشاركون الحمام والمطبخ إذا صح التعبير. فالمطبخ عبارة عن أحد هذه الغرف الصغيرة تضع فيه السيدات بعض الأدوات ويحوي أكثر من غاز أرضي لطهو الطعام»، كما أوضح أن الجو المشبع بالرطوبة في الأقبية يؤثر سلبا على صحة السكان فيه حيث تم التأكد من إصابة اكثر من حالة بأمراض تنفسية كالربو كما أن إصابة طفل واحد بمرض وإن كان بسيطا تعني انتقال العدوى بين بقية الأطفال في الملجأ. إضافة إلى روائح التمديدات الصحية للأبنية التي تسبب الإزعاج والتي تجعل من هذه الأقبية سجنا كبيرا، الأمر الذي يدفع بساكنيه وخاصة الأطفال إلى اتخاذ الشوارع والمناطق المحيطة ملعبا لهم في النهار بعيدا عن ازدحام الاقبية .

وبين أن تسريب المياه إلى داخل الأقبية وخاصة غير منتهية الأكساء يشكل مشكلة كبيرة في غياب المسؤولين عن متابعة هذه الأمور في أغلب الأحيان، وفي سياق متصل فقد أوضح ناشط في الهلال الأحمر أن العديد من لجان الأبنية في الآونة الأخيرة قد منعوا عدة نشاطات يقدمها الهلال لـ اللاجئين بما فيها مبادرة لتصليح الصرف الصحي في عدة حالات سيئة خوفا على صحة اللاجئين بحجة أن الأقبية تعد سكنا مؤقتا وليست مكان إقامة دائم.

بالإضافة أن تضيق النظام المستمر على الناشطين الإغاثيين قلل من إمكانية توصيل المعونات للنازحين، واقتصرت المعونات المقدمة غالبا على معونات تأتي من جمعيات خيرية برعاية النظام .

وفيما تتكون المعونات المقدمة في أغلبها من المواد الغذائية الأساسية يضطر بعض اللاجئين لبيع بعضها لتأمين احتياجاتهم الأساسية المتبقية كالأدوية اذ أن هذه العائلات أصبحت تحت خط الفقر وإن كان معظمهم من الطبقة المتوسطة قبل اشتداد وطأة المعارك. ورغم قساوة ظروفهم الحالية فإن معظم أطفالهم يرتاد المدارس بعد تأمين اليونيسف جميع مستلزماتهم المدرسية من حقائب وكتب وأقلام فيما يقوم بعض الأطفال بالعمل في مهنة معينة أو بيع الخبز أو المناديل لمساعدة عائلاتهم، كـ»نور» ذات الأعوام التسعة التي تنتظر دورها قرب المخبز مالا يقل عن الساعتين لتشتري الخبز وتبيعه لسكان الأبنية المجاورة قبل ذهابها الى المدرسة الأمر الذي يقتضي استيقاظها يوميا بحلول الساعة الرابعة ونصف صباحا، كما تعمل بعض النساء بتغليف الأطعمة الجاهزة او الأعمال اليدوية وحتى «بسطات» صغيرة بالقرب من الأبنية، صحيح أن الحياة في الملاجيء أشبه بسكن الأحياء في القبور لكن إصرار ساكنيها على استمرار حياتهم بالرغم من كل ما قاسوه يبعث في النفس أملا بغد مشرق قادم.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.