اوباما والمعارضة السورية: «فانتازيا» الدم والدولارات

الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي وصف قبل أيام قليلة بـ «الفانتازيا» «إمكانية ان تطيح معارضة سورية معتدلة بنظام بشار الاسد»، هو نفسه الذي طلب أمس من الكونغرس اعتماد «خمسمئة مليون دولار كمساعدات من أجل تدريب المعارضين المسلحين السوريين المعتدلين».

إنه دليل جديد على مسلسل التخبط الامريكي تجاه الملف السوري. ويبدو ان هذا النهج «السوريالي» نفسه يتوسع حاليا ليشمل معالجة التطورات الدراماتيكية في العراق. ولم يفسر قرار اوباما «المعايير» التي سيعتمدها في تعريف «الاعتدال»، وكيف سيضمن عدم استفادة معسكر «التشدد» من تلك المساعدات، بالنظر الى الفوضى العسكرية على الارض، والانباء عن مبايعات وانشقاقات وفتوحات هنا وهناك.

وتزامن قرار اوباما مع انطلاق حملة اتهامات متبادلة بين ما يعرف بـ»الحكومة المؤقتة» و»المجلس العسكري للجيش الحر» التابعين للائتلاف السوري المعارض، شملت النزاهة المالية.

وتضمن القرار الذي اصدره الدكتور احمد طعمة «رئيس الحكومة المؤقتة» بحل المجلس العسكري، احالة اعضائه الى المحاسبة المالية والادارية في اتهام واضح بالاختلاس. وهو ما رد عليه رياض الحاج عبيد عضو المجلس بدوره بالمطالبة بانشاء «مجلس أعلى للرقابة» لمحاسبة «الحكومة» على كيفية «تصرفها في المساعدات المالية التي استلمتها من دول خليجية».

بينما أكد العقيد قاسم سعد الدين، الناطق باسم المجلس العسكري، أنه «إذا حجب الائتلاف الثقة عن أحمد طعمة، ويحتاج إلى 51%، فسوف نشكل حكومة من الداخل، ونعتبر المعارضة متآمرة على الثورة، لأنه ينفذ أجندات، وهذا القرار الذي أصدره رئيس الحكومة غير قانوني، ومسيس، ويخدم بشار في هذه المرحلة».

وبدوره شكى الحاج عبيد عضو المجلس العسكري من غياب الشفافية والمحاسبية، واكد ان بعض اعضاء الحكومة يستغلون المساعدات لتحقيق مكاسب مالية شخصية، ويصرون على عدم الافصاح عن حجم الاموال التي يتلقونها.

من جهته قال طعمة، عندما سئل عن اسباب القرار، ان «اعضاء ذلك المجلس يقيمون في تركيا، ولا تأثير او علاقة لهم بأي قوات على الارض في سورية، وانه من الضروري انتخاب مجلس جديد يعكس الواقع داخل سورية».

ويطرح هذا كله اسئلة بديهية لا نتوقع ان نسمع اجابات عنها: على أي أساس تم تشكيل ذلك المجلس اصلا؟ وما هي المبالغ التي حصل عليها واين انفقت؟ ومن سيقوم بمحاسبة من؟ وهل يمكن ان تبقى مصداقية للائتلاف امام الشعب السوري وسط هذه الاتهامات والتلاسنات؟ وهل ستكون ملايين اوباما الجديدة اوفر حظا من سابقاتها في إحداث فارق حقيقي على الارض لصالح المعارضة في الداخل؟ أم انها ستنتهي الى الايدي الخطأ؟

كما تزامن قرار اوباما مع معطيات واقعية جديدة تفرض نفسها، مع انباء بشأن استيلاء قوات داعش على مدينة البوكمال السورية الواقعة على الحدود العراقية، بعد استسلام بعض «كتائب الجيش الحر فيهوهو ما يمنح التنظيم المتشدد مكسبا استراتيجيا جديدا يتمثل في تواصل جغرافي عبر الحدود مع مدينة القائم المقابلة داخل الحدود العراقية.

ويتزامن ايضا مع قيام الطيران الحربي السوري بشن غارات على مناطق داخل العراق، ما يعتبر دليلا على شعوره بامتلاك ما يكفي من القوة للدخول في معارك اقليمية.

وهكذا فإننا ننظر الى واقع متبدل ترسمه معطيات وموازين قوى جديدة، ما يقتضي مقاربة سياسية عربية جديدة بعيدا عن التخبط الامريكي وليس الاصرار على المضي في طريق مسدود.

نعم، لقد حان للقوى الاقليمية والعربية منها خاصة ان تعيد النظر في سياساتها تجاه هذه الأزمة، خاصة مع تمدد داعش عبر الحدود، وتهاوي او استسلام جيوش وميليشيات وتنظيمات امامها.

وربما كانت حكومة قطر اول من انتبه الى هذا الواقع الجديد، عندما دعت مؤخرا الى بحث وقف لاطلاق النار في سوريا ضمن رؤية اشمل للحل، الا ان اسبابا تتعلق بتعقيدات إقليمية ربما حالت حينئذ دون ان تجد تلك الدعوة صدى.

لكن في ضوء التطورات الاخيرة، ووسط ألسنة من نيران الارهاب والطائفية تشتعل في العراق، يتعين على المعارضين السوريين ان يرتفعوا فوق الانقسامات والخلافات، لمواجهة هذا الخطر الوجودي الذي لن يستثني من يتاجرون في دماء شعبهم، او يتوهمون ان نور الحرية قد يولد من رحم ظلمات الارهاب.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.