المعارضة غير موجودة وعلى واشنطن البحث عن حل بعيد عنها

بدأ الخطاب الإعلامي في الغرب في الآونة الأخيرة يركز على دور سوريا في انهيار العراق. وفي مقال تحليلي نشره باتريك كوكبيرن في صحيفة «إندبندنت أون صنداي» وجاء فيه إن انهيار العراق لم يبدأ من سياسات نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الإقصائية ضد العرب السنة بل من سوريا، حيث لم يستمع المسؤولون الغربيون ولا الأمريكيون لتحذيرات المسؤولين العراقيين من أن المعارضة السورية تسيطر عليها جماعات المتشددين من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» وجبهة النصرة وأحرار الشام.

وأشار الكاتب لدعوات جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي للمعارضة السورية للعب دور في حرب داعش.

ويرى فيها فهما سطحيا للواقع في العراق وسوريا. ويقول إن المسؤولين العراقيين كانوا مقتنعين أنه بدون تحرك أمريكي لوقف الحرب الأهلية في سوريا فإنها ستقوم بزعزعة استقرار العراق.

وهو إن لم يعف المالكي من المسؤولية إلا ما دمر العراق والوضع السياسي والعسكري القائم لم تكن أفعال المالكي بل الحرب في سوريا، وحقيقة تسيد المتشددين المنتمين للقاعدة لجماعات المعارضة لحكومة دمشق وبغداد لأسباب طائفية. فمنذ عام 2012 يخسر الجيش السوري الحر، ولم يعد هناك قوى معتدلة فيه.

ومن هنا فلا معنى لحديث كيري أن المعتدلين السوريين يمكنهم لعب دور في سوريا «لهزيمة» داعش، ليس هناك بل وفي العراق. ولا يفهم كيري كما فهم المقاتل عبدالله (27 عاما) الذي قال عندما سيطر داعش على بلدته الباب في ريف حلب «لقد اكتشفت أن انتفاضتنا خطفها الأخرون ولن يتم تحقيق أي شيء حتى تتفق السعودية وإيران، وحتى يحدث هذا فلا شيء يستحق التضحية من أجله».

إنهارت

ويضيف الكاتب إن المعارضة «المعتدلة» انهارت منذ زمن طويل قبل سقوط الموصل في يد داعش وهو التحرك الذي أعطى التنظيم دفعة معنوية ومعدات استعرضها في الرقة ودير الزور، ويسيطر على مساحات واسعة من الرقة في سوريا للموصل في الشمال.

وأشار لتطور آخر وهو انشقاق مقاتلي جبهة النصرة الذين كانوا محاصرين في البوكمال وانضمامهم لداعش. ويشدد الكاتب على نقطة يراها مهمة وهي أن المعارضة في سوريا يسيطر عليها الجهاديون، وهو ما يجب أن يفهه كيري والإدارة الأمريكية.

ومن بين الجهاديين فداعش هو السائد، ورغم كل هذا طلب باراك أوباما الإسبوع الماضي من الكونغرس مبلغ 500 مليون دولار لدعم المعارضة المعتدلة في سوريا.

ويرى أن الفكرة ساذجة وربما حاولت الإدارة الأمريكية التظاهر بأن لديها سياسة تجاه سوريا والعراق.

ويعتقد أن وقت تشكيل حكومة موسعة في العراق قد فات، وأن الولايات المتحدة لو كانت فعلا جادة بمواجهة داعش فعليها أن تنظر أبعد من «المعتدلين» وهي قوى غير موجودة فعلا حسب نظره.

لا شك ان هناك تداخل بين سوريا والعراق، وأن الحل يبدأ من سوريا، ولكن داعش بدأت كما يقول سام كايلي في صحيفة «صاندي تايمز» كحلم.

في الصحراء

فقد سافرت مجموعة من الرجال الذين كانوا يقاتلون لسنوات، قاتلوا الأمريكيين وشاركوا في الحرب الطائفية في الصحراء.

كان هذا قبل ثلاثة أعوام ومع بداية شهر رمضان، حيث سافروا على الطريق القديم الذي يستخدمه عادة المهربون.

هذه المجموعة المكونة من قوات نخبة عراقية ومقاتلين عرب كانت في طريقها لسوريا بقيادة أبو محمد الجولاني حيث طلبت منها قيادة القاعدة السفر لسوريا والبحث عن فرص للمشاركة في القتال ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وإحياء التنظيم الذي كان يواجه أزمة وجود في العراق.

ويقول كايلي «كان أبو محمد الجولاني مليئا بالأمل لكنه لم يكن يتجرأ على الإعتقاد أنه قائد طليعة حركة ستقف بعد 36 شهرا على أبواب بغداد واعتبرها باراك أوباما وديفيد كاميرون من أخطر الجماعات الإرهابية في العالم».

وأصبح اسم الحركة اليوم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ويقوده أبو بكر البغدادي ويعمل على هدم الحدود التي رسمها الإستعمار قبل قرن من الزمان، «ويتفوق التنظيم الآن على القاعدة في وحشيتها، ونظرتها الإستراتيجية واستخدامها لوسائل التواصل الإجتماعي».

مدينة خائفة

ويقول الكاتب إن شوارع بغداد تفرغ من المارة، وأسواقها المزدحمة أصبحت أماكن مخيفة وغريبة. فقد نشر داعش تفاصيل عن جرائمه على الإنترنت.

ويقول بائع خضار في بغداد «لقد تعودنا على التفجيرات، والإغتيالات، ونعرف أن الخطر قادم، ولكن هذه هي المرة الأولى التي نشاهد إعلاناتها».

ولهذا السبب يتجنب الناس التجمعات، والمحلات والأسواق والمقاهي فارغة إلا من بعض الزبائن الذين يتحركون بسرعة.

وفي حي الغزالية، الذي يعيش فيه سنة وشيعة هربت منه العائلات بحثا عن الآمان. ولم يعد في الشارع الرئيسي سوى عائلات قليلة.

ونقل عن أحد السكان «هم خائفون، انتقل الشيعة لمناطق الشيعة والسنة لمناطق السنة، ولم يتبق سوى ست أو سبع عائلات في شارعي»، كل هذا رغم أن المدينة تنتشر فيها الكتل الإسمنتية التي تفصل مناطق السنة عن الشيعة. وتعيش بغداد التي يعيش فيها 7 ملايين نسمة حالة خوف، وهناك هجمات يومية. ويتوقع البغداديون عنفا جديدا. وبحسب مسؤول أمني «نتوقع وجود عشرات من الإنتحاريين ينتظرون الأوامر»، ويضيف «داعش قام باختراق المدينة منذ أشهر، ورجاله ينتظرون الوقت المناسب لشن هجمات ضخمة بشكل يهز الحكومة المركزية».

وقد أثار خطرالتهديد الأمريكيين وأعداءهم الإيرانيون الذين أرسلوا طائرات بدون طيار لحماية حكومة نوري المالكي، رئيس الوزراء المسؤول عن الأزمة. ووصل 180 من 300 من طلائع القوات الأمريكية الخاصة لإنشاء قيادة عمليات مشتركة لمساعدة الجيش العراقي. ويقوم الإيرانيون بعمل نفس الشيء حسب مصادر أمريكية.

وفي كل يوم تهبط طائرتين في بغداد محملة 70 طن من الذخيرة والأسلحة، وأصبح الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس زائرا منتظما لبغداد.

ومع أن الحكومة العراقية بدأت هجمات مضادة، وقصفت تكريت إلا أن العراق يتداعى بحسب الكاتب، حيث يصر تنظيم داعش على مسح الحدود التي رسمها البريطانيون والفرنسيون في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فيما صدرت تصريحات من مسعود بارزاني حاكم إقليم كردستان عن إمكانية الإنفصال عن العراق بعد سيطرة البيشمركة على مدينة كركوك.

مما يعني ولادة خلافة إسلامية في قلب المنطقة «وهو أنجاز كبير لمجموعة من الرجال الذين قطعوا الصحراء على ضوء النجوم، يدفعهم حلم كان لمعظمهم كابوسا». وفي تقرير منفصل قال مارتن شولوف مراسل صحيفة «أوبزيرفر» أنه شاهد طائرات شحن عسكرية امريكية تهبط في مطار بغداد.

وقال إنه شاهد قوافل عسكرية لميليشيا عصائب الحق، فيما أنهى سليماني الإطلاع على خطط الدفاع عن بغداد وسافر لطهران بعد زيارته للنجف. وقال شولوف في تقريره إن الأعداء السابقين يتشاركون في المعلومات الأمنية.

ونقل عن مسؤول أمني عراقي «حتى بعض المسؤولين الأمنيين الإيرانيين يطلعون على دراسات سي أي إيه عن داعش».

عودة فرق الموت

وفي تقرير كتبه كولين فريمان من «صنداي تلغراف» عن فرق الموت والجيل الجديد من المقاتلين. ويرى فريمان أن العراق يعيش أسوأ أيامه منذ انهيار نظام الرئيس العراقي صدام حسين. وفي هذا العراق يرتدي وزراء الحكومة الزي العسكري، والنواب زي الميليشيات الشيعية.

فحكيم الزاملي، النائب في البرلمان عن التيار الصدري عادة ما يرتدي البدلة وربطة العنق في المنطقة الخضراء المحصنة لكن في زيارة قام بها في الأيام الأخيرة لمدينة الصدر لبس زي الميليشيات.

ونقلت عنه «تلغراف» قوله «قاتل جيش المهدي الإحتلال نيابة عن العراق ونحن مستعدون للقيام بهذا مرة أخرى».

وكان النائب الذي شغل في السايق منصب زير الصحة يتحدث مع الصحافي اثناء استعراض لجيش المهدي «الجيش العراقي لديه تسلسله القيادي أما نحن في كتائب السلام فأكثر مرونة» وهو الإسم الجديد لجيش المهدي. ويعلق الكاتب إن دور الميليشيات في الدفاع عن بغداد محدود حسب المسؤولين.

ولكن في الماضي فـ «مرونتها» دفعتها للعمل كفرق اغتيالات وذلك خلال الحرب الطائفية في الفترة ما بين 2006- 2007. والزاملي نفسه متهم بالسماح لفرق الموت بالعمل عندما كان في وزارة الصحة، حيث استخدمت الميليشيات سيارات الإسعاف لاختطاف وقتل مئات السنة. وكان الزاملي قد قدم للمحاكمة عام 2008 ولكن الأدلة لم تكن كافية، نظرا لعدم توفر من يقوم بالشهادة، وانهارت القضية.

وينفي الزاملي الإتهامات ويصفها بأنها محاولة للتشويه قامت بها القوات الأمريكية ضده «ولكن حقيقة استمراره في العمل السياسي، رغم خطورة الإتهامات، تحدث الكثير عن الوضع الطائفي المنقسم الذي يهدد بتمزيق العراق».

ويتفق الكاتب مع الزاملي في شيء واحد مع أنه لا يتفق مع أشخاص كهؤلاء وهي في تشخيصه للأزمة وأنها أعمق من التخلص من نوري المالكي « إنها أعمق من هذا، نواجه خطيرا كبيرا» يقول.

ويعلق الكاتب «ليس كثيرا ما أجد نفسي متفقا مع أشخاص كهؤلاء، ولكن بعد قضائي الأسابيع الماضية في بغداد، المدينة التي عشت فيها مدة عامين، وزرتها اكثر من مرة، فمن الصعب تجنب الشعور بأن العراق يواجه تفككا».

وفي الزيارات السابقة، حتى في الأيام المظلمة «عادة ما تمسكت بنوع من الأمل، من أن قوى الأمن العراقية يمكن أن تتحد ويتم إصلاح ما خربته الحرب من البنية التحتية، وأن ثروات النفط ستساعد السياسيين على دفن خلافاتهم الطائفية»، وبدلا من ذلك فالعراق الحديث يواجه تمزقا دمويا.

الطائرات ليست كافية

ويشير الكاتب للخريطة الحالية بعد سيطرة داعش والتحالف السني على الشمال والغرب، وانهيار الجيش العراقي مشيرا أن الدعم العسكري الأمريكي سواء كان جويا أو عبر المستشارين العسكريين لن يكون كافيا حتى يستعيد الجيش العراقي المدن التي خسرها، مما يعني إعادة رسم الحدود التي رسمها الإستعمار من قبل جماعة اعتبرت فتنازية وتقترب من تحقيق حلمها.

ونقل عن دبلوماسي يبدو التعب عليه «هذه أزمة حقيقية»، «ولا أحد يشك بالخطر الذي تمثله على استمرار العراق كدولة».

خلايا نائمة

ويبدو الوضع واضحا في العاصمة التي بدت فيها مظاهر الخوف والترقب «في الطريق للمطار، شارات الشوارع التي تؤشر للموصل وتكريت في الشمال، والفلوجة والرمادي في الغرب كلها جزء من إقطاعية داعش التي ضمت إليها مساحات واسعة من البلاد».

كل الطرق خطيرة والمخرج الوحيد من البلاد هو عبر الجو، ومن يريد السفر فعليه الإنتظار 3 أسابيع. وحتى هذا الوقت فهناك الكثيرون ممن يخشون من سيناريوهات رعب يتم الإعداد لها، انتفاضة سنية في بغداد تشعلها خلايا نائمة في بغداد، مما سيحدث الفوضى في المدينة التي تعيش حالة ترقب.

وهو ما سيؤدي لمواجهة مع الميليشيات الشيعية. وستكون النتيجة أسوأ مما حدث في الماضي عندما قتل 30.000 جراء فرق الموت والحرب الطائفية.

ولا تزال ذكريات الماضي حية وطرية خاصة في الأحياء السنية مثل العدل. ويحكي فيصل جواد، صاحب محل قصة رجل قتل أمام زوجته وأبنائه الذين انتظروا أمام جثته خمس ساعات وهم يبكون لوصول المساعدة التي لم تصل لخوف الناس من تقديم يد العون لأنهم سيقتلون «لا أزال أشعر بالخوف من تلك الأيام، ولا احد يريد عودتها». وبالتأكيد يفضل الناس العودة لأيام صدام الذي تعرف قسوته.

وهذا الشعور ليس أقل منه في الأعظمية، الحي السني الذي فرت إليه العائلات السنية من ملاحقة الميليشيات الشيعية، ومنهم سيدة نواس التي طردت من مدينة الصدر واختطف المسلحون الشيعة شقيقها الذي لا يزال جسده يحمل آثار التعذيب بالمثقاب وتقول «الناس يقولون لا يريدون عودة صدام، إنهم يكذبون، كان ظالما ولكن ظلمه كان شاملا».

ما الذي حدث؟

ويتساءل الكاتب عن ما أوصل العراق للوضع الحالي، خاصة بعد نجاح الأمريكيين في هزيمة القاعدة، والجواب كامن في الجارة سوريا، والآثار المدمرة التي تركها الربيع العربي، وانتشر في المدن السنية، خاصة الفلوجة التي تظاهر فيها الألوف متهمين القوات الأمنية بالوحشية.

ويتبنى الكاتب وجهة نظر الحكومة من أن المتظاهرين لم يكونوا يدعون للمجتمع المدني، ودعموا صدام في الماضي، وتحالفوا مع القاعدة.

ومن هنا كان رد المالكي عليها، التجاهل والقمع واعتقال القيادات السنية البارزة، وبعمله هذا خلق المالكي أرضية خصبة لتوسع داعش.

وفي بداية العام الحالي كان داعش أقوى من القاعدة وقام بحملات لمداهمة السجون وتفجيرات في بغداد. ومع تراجع الجيش العراقي وخسارته 28 دبابة «ابرامز» وعدة مروحيات، واستخدم كل صواريخه «هيلفاير» أصبحت «سنتستان» جمهورية قائمة، ولن تحظى بالإعتراف من بقية العراق، علاوة من بقية العالم إلا أنها قادرة على حماية حدودها. ويتساءل الكاتب إن كان هناك مخرج للأزمة.

ويجيب إن الدبلوماسيين يأملون بموافقة المالكي على حكومة موسعة وقادرة على إقناع السنة للمشاركة فيها. لكن الإشارات غير مشجعة، ولم يستطع المالكي الحصول على موافقة البرلمان لإعلان حالة طواريء لعدم وجود عدد كاف من النواب الذين غادر معظمهم البلاد.

وبدلا من ذلك فالعرض الوحيد للوحدة في البلاد هو الدعاية التي يقدمها التلفزيون الحكومي حيث يجتمع المغنون والفنانون للرقص وغناء الأغاني الوطنية وهو ما يماثل برنامج بروس فورسايث «كام دانسينغ ـ تعال ارقص» البريطاني، مما يقترح أن الحكومة تعيش حالة إنكار كما كان الحال قبل سقوط صدام. وفي غياب القيادة الملهمة، يستعد العراقيون الشيعة للقتال ولكن ليس بالضرورة تحت راية الجيش. وهناك جيل من المقاتلين الذين لا يتذكرون يتم تحضيرهم للحرب. ففي مدينة الصدر لبس إبراهيم حلفي إبن الخامسة من عمره الزي العسكري حيث قال والده أسامة من مقاتلي جيش المهدي إنه «جناح الشباب في جيش المهدي وسيدافع عن العراق» فيما كان ابنه يكافح لحمل البندقية التي كانت أثقل منه. والسؤال هل سيظل هناك عراق للدفاع عنه عندما يكبر؟

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.