نظام الأسد ضرب المعارضة بـداعش واليوم يخشى على نفسه من كابوس صنعه

يعيش نظام الرئيس السوري بشار الأسد على الأزمات ويستفيد منها في إطالة بقائه، فقد استفاد من «الخطوط الحمراء» التي رسمها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد هجمات الغوطة الكيماوية في آب/ اغسطس 2013 واستفاد من الإقتتال الذي دار بين فصائل المقاتلين المعارضين له من جهة وبينهم وبين تنظيم الدولة الإسلامية في العراقوالشام، داعش سابقا والدولة الإسلامية حاليا، واستفاد من سيطرة مقاتلي هذا التنظيم على مناطق في العراق بشكل يهدد هذا البلد بالتمزق إلى كانتونات بناء على أسس طائفية وعرقية.

ففي كل الحالات حاول الأسد إثبات رواية نظامه عن الحرب الأهلية السورية التي يرى أنها بين جيشه وقوات من المقاتلين الأجانب «الإرهابيين»، وأن نظامه يعتبر حاجزا للغرب ضد التطرف الإسلامي الذي يهدد حدود أوروبا.

فقد دفعت سياسات النظام أعداء الماضي للتحالف على الأرض العراقية، فالطيارون الروس سيطيرون في الأجواء العراقية لملاحقة داعش مع الطائرات الإيرانية وطائرات الإستطلاع الأمريكية رغم تأكيد كل طرف أن لا تعاون مباشر بينهما.

تهديد

ورغم الدور الذي تقول المعارضة السورية ان نظام الأسد لعبه في نمو داعش من خلال الإفراج عن مئات من المعتقلين الإسلاميين، وتجنبه ضرب مقرات داعش في الرقة إلا بعد سيطرة التنظيم على شمال وغرب العراق تعتبر تهديدا للنظام السوري.

ويعلق ديفيد غاردنر في صحيفة «فايننشال تايمز» على الدور السوري بقوله إن بشار الأسد ونظامه ينظر إليهما كمستفيدين وحيدين من الهجوم الجهادي الذي حدث مثل البرق والذي كهرب العراق وسوريا الشهر الماضي، حيث سُويت الحدود بين البلدين بالتراب وأدى لأن تنصب خلافة إسلامية سنية نفسها على هذه المناطق. لكن الصورة ليست كما تبدو عليه فالنظام كما يقول الكاتب يعاني من أزمة جراء صعود داعش وأن ميزان القوة الإستراتيجية ليس واضحا.

فمن يتحدثون عن انتصار الأسد يشيرون إلى ظهور داعش كتبرير لرواية نظامه عن الإنتفاضة التي اندلعت في 15 آذار/ مارس 2011، حيث قدمها الأسد باعتبارها مؤامرة أجنبية تهدف لزرع تنظيم القاعدة المتطرف في قلب الشام، وليس باعتبارها جزءا من تحرك شعبي متساوق مع الدفق الشعبي العربي أو ما عرف بالربيع العربي ضد الإستبداد.

ومن هنا يرى الكاتب أن ضرب النظام على وتر الطائفية وتلاعبه المثير للسخرية بها ضد الغالبية السنية وقراره شن حرب شاملة ضد شعبه وقرارالغرب حجب الدعم العسكري عن المعارضة وتركه في يد الوهابية السعوديةوقطر ودول أخرى، مما أدى في النهاية لدخول ألوف المتطوعين الجهاديين للساحة السورية ودفع بداعش للأمام، وتحولت مشكلة الأسد، مثل السحر إلى قضة إقليمية وأدت لفزع دولي.

وعليه فقصة داعش تكشف عن تداخل بين المصالح الغربية والإقليمية ومصالح الأسد «فانقلاب داعش أدى لإضفاء حس درامي على موقف الطاغية وأن وحشيته هي الحل الوحيد لوحشية الجهاديين التي يحمي منها الذين حاولوا الإطاحة به».

ويشير الكاتب لما قاله رئيس تحرير صحيفة «الوطن» المؤيدة للنظام وضاح عبد ربه «على الغرب الإعتراف بالأخطاء التي ارتكبها من خلال تشجيعه كل هؤلاء الذين حاولوا بناء أنفسهم في المنطقة»، مضيفا إنها «لم تعد مشكلةسوريا»، «طبعا يجب أن تكون جزءا من التحالف، وهي من يقوم بالعمل كله».

فك زواج المصلحة

ويرى غاردنر أن كلام الصحافي المؤيد للأسد واضح في سطحيته، وتظهر الأحداث مدى ضعف هذا النقاش والمعضلة التي يواجهها الأسد من المغامرة الأخيرة لداعش مشيرا أولا إلى أن قوات الأسد وحتى الغارات الأخيرة لم يستهدف إلا نادرا داعش، فقد استخدم هذا التنظيم الجهادي بمثابة البعبع وأدى لاستنزاف طاقات المقاتلين من جماعات المعارضة السياسية الرئيسية.

ولكن الأسد قرر فك ارتباطه وزواج المنفعة مما يعني عمليات انتقامية منه، خاصة أن هذا العدو ا اصبح أكثر قوة بعد حصوله على أسلحة وعتاد من قواعد الجيش العراقي التي سيطر عليها إضافة للأموال التي راكمها من مغامرته الأخيرة.

ويضيف الكاتب إن نظام الأسد يعيش حالة فزع حقيقية خاصة بعد سحب القوات التي لعبت دورا حاسما في بقائه في السلطة من سوريا للعراق، أي الميليشيات الشيعية.
وهو ما أدى لإحداث ثغرات في دفاعات النظام السوري، بعيدا عن المناطق التي خسرها على الحدود الشرقية.

ويحاول قاسم سليماني الذي قام ببناء شبكة من الميليشيات في سوريا يعمل على تكرار نفس الأمر في العراق. ومن هنا يتساءل غاردنر إن كانت إيران التي تعاني من عقوبات دولية قادرة على الإستمرار بدعم الأسد؟.

والأمر الثالث الذي يشير إليه الكاتب هو أن داعش أصبح كابوسا في قلب الشرق الأوسط وهذا يعني قيام صناع السياسة بإعادة تقييم سلسلة الاخطاء التي أدت لولادة هذا الكابوس وما يجب عمله إزاء كل هذا.

ومن هنا يتحدث عن الأثر الذي لعبه الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 حيث بدأ البلد بالإنهيار وزادت عمليات التفكك بسبب السياسات الطائفية التي انتهجها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو الشخص الذي جلبه الإحتلال ووضعه في السلطة.

تماما كما أدت سياسات الأسد الطائفية لوضع داعش قدمه في سوريا.

ويشير الكاتب إلى مطلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما من الكونغرس إقرار ميزانية 500 مليون دولار أمريكي لتدريب وتسليح المعارضة لكن داعش يمثل تهديدا إستراتيجيا يحتاج من الولايات المتحدة والقوى الأخرى مواجهته في عمليات تتوسع من العراق وتشمل سوريا حيث لم يقم نظام الأسد بعمل الكثير لمواجهة تهديده. ومن هنا فمن الصعب رؤية استقرار أو ما يشبهه يعود لمنطقة الشرق المهشمة والأسد أو المالكي في السلطة.

حزب الله عراقي

وفي هذا السياق أشارت صحيفة «التايمز» البريطانية للجهود الإيرانية في العراق ومحاولات إنشاء ميليشيا عراقية جديدة على غرار ميليشيا حزب الله اللبناني وإن بشكل مصغر. ففي معسكر صحراوي قرب مدينة كربلاء يتم تدريب مقاتلين شيعة لمواجهة المقاتلين السنة الذين اجتاحوا العراق.

وقد تم اختيارهم بناء على مستواهم التعليمي، وقدراتهم الجسدية، ويتضمن برنامج التدريب على عمليات تحرير الرهائن، وحروب العصابات. ويبدو النظام المتبع قاس وتم تنظيمه بناء على برامج التدريب المعمول بها في حزب الله اللبناني المدعوم من إيران.

وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على بناء الجيش الوطني الذي انهار امام هجمات المقاتلين السنة وداعش فإن ميليشيات كهذه قد تثبت إنها المنقذ للبلد ام أنها المحفز للدمار الطائفي.

وانهارت أربع وحدات دربتها القوات الأمريكية، وتقوم الحكومة العراقية بوضع قوات جديدة مكانها إضافة للميليشيات التي انتشرت في كل مكان والتي استجاب المتطوعين فيها لدعوات آية الله السيستاني، واستجاب لدعوات المرجعية حوالي 35.000 شخص.

ورغم تصريحات المرجعية أن الدفاع عن بغداد هو لكل العراقيين إلا ان المعسكر قرب كربلاء لا يوجد فيه متطوعون سنة، وقال المتدربون إن هناك عددا من المستشارين العسكريين الإيرانيين.

ونقل عن إداري في المعسكر قوله « في المخيم الثاني لدينا عدد منهم لكن ليس في هذا المخيم الآن». وأضاف «لدينا مستشارون عسكريون (إيرانيون) مثل الأمريكيين ولكن ليس في هذا المعسكر. وقد نفى محافظ كربلاء عقيل الطريحي وجود مستشارين عسكريين إيرانيين، ولكنه اعترف بدور تلعبه قوات بدر التي تلقت تدريبا في إيران في إعداد المقاتلين. ويقول عدد من المتطوعين في المعسكر ان الالاف من مقاتلي بدر تم نشرهم في الصحراء لمراقبة أي تقدم نحو كربلاء.

وتنفي طهران أي دور علني لدعم حكومة نوري المالكي. ونقل عن نائب وزير الخارجية أمير عبداللهيان قوله «ليس لدينا جيش أو قوات مسلحة تعمل على التراب العراقي». ولكن المسؤولين في واشنطن يقولون إن إيران تعمل على نقل معدات ومساعدات عسكرية كبيرة سرا للعراق، وتقوم بنقل 140 طن من الأسلحة للعراق يوميا، أي حمولة طائرتين. ويأتي الدعم العسكري الإيراني وعمل المستشارين الأمريكيين في شمال بغداد في وقت بدأت تتكشف فيه فصول انهيار فرق في الجيش العراقي.

قصر الأخيضر

ففي تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» جاء إن المشاهد البائسة من بلدة عين التمر التي يقع فيها قصر- قلعة الأخيضر والتي تحكي عن تشتت قوات الحكومة، حيث يطير الذباب على سقفها العالي فوق عشرات من الجنود المنهاري المعنويات والذين يقضون اليوم وهم نائمون على أرضيتها الحجرية.

وتقول إن «كانت هذه القلعة التي تعود للقرن الثامن حتى نهاية حزيران/ يونيو معلما سياحيا لكنها اليوم ملجأ لبقايا الكتيبة التاسعة. ولا يوجد لدى هؤلاء الرجال أي مهمة يقومون بها فهم بعيدون عن مواقعهم التي كان من المفترض الدفاع عنها مسافة 300 ميل وقد تجمعوا حول زوارهم لاستعادة انسحابهم المهين».

ويقول أحدهم «لقد تم بيعنا» وهز البقية رؤوسهم بالموافقة «كل واحد منا كان مستعدا للقتال». وفي هذا تحميل القادة مسؤولية الهزيمة، وتقول الصحيفة إن شهادات أفراد الفرقة التاسعة أكدها مسؤولون، وتقدم صورة عن جنرالات غير جاهزين لقيادة الحرب بسبب سوء إدارتهم لها، والعجز وفي النهاية الخيانة تحت رعاية نوري المالكي.

وتشير مقابلات الصحيفة إلى أن حالات من الخيانة والجبن أصابت قيادة وصف الفرق التي كانت تدافع عن الحدود، وقام بعض الجنود بخلع زيه، وأخرون بالهروب فيما غير أخرون مواقعهم للطرف الأخر، لكن في حالة الفرقة التاسعة عبر أفرادها عن استعدادهم للقتال إلا أن ضباطهم وكبار القادة أثروا عليهم، ولم يقدموا لهم الطعام والماء مما أجبر الكتيبة على ترك مواقعها في حر الصحراء.

وتكشف شهادات وتجربة جنود الفرقة التاسعة عن حالة من المحسوبية. ويقول أعضاء فرقة حرس الحدود هذه إن الإنهيار السريع مثير للدهشة خاصة بعد سنوات من التدريب الغربي للقوات هذه.

من القائم للوليد

وتشير الصحيفة الى إن ملحمة الجنود من مقاتلين إلى آبقين بدأت قبل ثلاثة أسابيع عندما سيطر داعش على الموصل وتقدم نحو مدينة تكريت. فالكتيبة التاسعة هي جزء من الفرقة الرابعة لحرس الحدود المرابطة في البصرة، حيث اشعلت دعوات آية الله السيستاني حماسها ورقص الجنود ببنادقهم امام الصحافيين وويهام المالكي قائد الفرقة عندما كانوا يحضرون للتقدم شمالا للدفاع عن القائم، وغادرت الكتيبة البصرة في 14 حزيران/ يونيو، ولم يكن لدى الجنود سوى الماء والطعام الذي حملوه وغير كاف لمواجهة درجة حرارة عالية. ويقول عدد من الجنود إن النظام الذي نظمته وزارة الداخلية لإمداد الجنود صالح لوقت الحرب. وهو يعتمد على عقود مع شركات ورجال أعمال يقومون بإيصال المواد الغذائية لمقر الفرقة، و»عندما يكون الجو حارا والاوضاع الأمنية سيئة لا يقوم المتعهدون بنقل الطعام أو الماء». وصلت الكتيبة القائم في 17 حزيران/ يونيو لكن الإمدادات بدأت تقل ولم تعد القوات قادرة على القتال.

ويقول أفرادها أنهم حصلوا على قطعة كعك صغيرة وكمية قليلة من الماء. وبدأت المعنويات بالإنهيار حيث تراجعت فرقة من القائم مما دعا أفراد الكتيبة التاسعة لمشاركتها بما لديها من طعام قليل.

ورفض السكان المساعدة إما لأنهم وقفوا مع داعش أو لخوفهم من انتقامها. ومع تراجع المواد لدى الكتيبة، غادر قائدها القايم الجنرال صادق رشيد عبدالعال لتقديم شكوى للقادة الكبار ولم يسمع عنه منذ ذلك الوقت.

وفي 22 حزيران/ يونيو تلقى الجنود امرا بالإنسحاب من القائم والتوجه للوليد، وكان قرارا أثار دهشتهم لأن القائم مهمة للدفاعات العراقية، وانطلقوا في الساعة الخامسة صباحا بدون ماء أو طعام ودخلوا في مناطق المقاتلين.

وتعرضوا في الطريق لكمين مما أدى لجرح أحدهم. وعندما وصلوا للوليد وجدوا الفرقة الرابعة التي طلبت الماء. وفي اليوم التالي جاء قائدان احدهما المالكي الذي حضر مع فريق للتصوير وبدأ بتوزيع الماء على الجنود لكنهم رفضوا وطلبوا توضيحات عن سبب سحبهم من القائم.

وأشهر بعضهم البنادق وطردوا المالكي الذي تقول إنه من نفس عشيرة رئيس الوزراء المالكي، حيث كان في العمارة قبل ان يفصل عام 2008 من الجيش بسبب دعمه لجيش المهدي، ثم أعيد لمنصبه بتدخل من الشيخ سلام المالكي، النائب في البرلمان وشيخ عشيرة بني مالك.

ويقول جنود الكتيبة إن المالكي لا قدرة له على القيادة ولا يتمتع بجاذبية شخصية، ومع تقدم داعش كان الجنرال مهتما بتنظيم مناسبات رسمية كي يصورها التلفزيون والمقابلات فيه كي يظهر أمام عدساته.

ويتحدث الجنود عن زيارته للكتيبة التاسعة وقد بدأت تنهار حيث لاحقه الجنود وهرب إلى مبنى قريب من مكانهم. وتم ملاحقة جنرال آخر وهو حسين العوضي.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.