يثب

ماذا نتوقع من الائتلاف ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

عندما نسأل هذا السؤال فالغالبية ستبدأ بمطالبة الائتلاف بما عجز عن القيام به خلال ما يقرب سنتين ، وقبله المجلس الوطني ، بينما أعتقد أنه قد حان الوقت لنعرف ما هو دور  هذا الائتلاف، وما هي حدود قدراته  ..

أحد الديبلوماسيين العرب غير الخليجيين أقر بأن الدول الصديقة قد تورطت بالاعتراف بالائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وتورطت أيضا باعتماده بوابة للتواصل والدعم والقيادة ، و بينما هي تجاوزت بصعوبة الورطة الثانية ، عبر التواصل المباشر من خلال مؤسساتها الخاصة ووكلائها المعتمدين ، ما تزال تنتظر اللحظة التي تستطيع فيها نقل شرعية التمثيل لجسد سياسي آخر مختلف معبر ولو جزئيا عن الشعب السوري .

تناسى الائتلاف دوره القيادي والتنظيمي والاداري وانشغل في تقاسم المنافع الخاصة والأضواء ، كما عجزت الحكومة حتى الآن عن ملئ هذا الفراغ بسبب انتقال مشاكل الائتلاف ومحاصصاته ومناكفاته اليها ، وسبقها للفشل هيئة الأركان التي دمرها عن سابق تصور وتصميم شخص رئيس الائتلاف وممارساته . وبالتالي لم يبق للائتلاف سوى دور تمثيلي رمزي مفترض بسبب الاعتراف الدولي وليس تفويض الشعب ، وهذا ما يبقيه كعنوان ديبلوماسي بديل عن نظام الأسد الذي أقر الأصدقاء أنه غير شرعي ..

منذ تأسيس هذا الائتلاف لم تُراعَ مسألة التمثيل بشكل شرعي ، ولا اعتمدت معايير منطقية ، ولا آليات متوافق عليها ، تم تشكيله بالمزاحمة بين مندوبي الدول ، فتكونت هيئة عامة اعتباطية غريبة عجيبة ، ووضع له نظام داخلي خبيث لا يمكن تبديله ، تسبب هذا النظام وما يزال بتعطيل آلية اتخاذ القرار الوطني لصالح التوافق بين الدول النافذة في تركيبة الائتلاف، و خلال عمله انشغل في مسألة واحدة فقط هي جنيف والتفاوض مع النظام  وسوريا المستقبلية الفيدرالية الطائفية ، كما يريدها الغرب ، فكان دوره تكريس حالة التقسيم والمحاصصة بين المكونات وشرعنتها ، وتكريس حالة التبعية ومأسستها من خلال ربط كل مؤسسات الدولة المستقبلية بالغرب ، والتي تقع عليها اعادة بناء كل ما دمر وما أكثره ، ليصبح المزيد من الدمار يعني المزيد من المنافع المستقبلية  لهذه الدول الصديقة ؟؟؟   ..

قبل سنة ونصف عندما حضرت اجتماع مجموعة نواة أصدقاء سوريا في لندن ( سميت فيما بعد مجموعة لندن ، وهي تضم 11 دولة لها دور أساسي في الملف السوري ) فوجئت هناك بتقديم رؤية الائتلاف لمستقبل سوريا ، وللفترة الانتقالية  وبرنامجه لليوم التالي .. وهي كلها قضايا لم تناقش ولا مرة في الائتلاف ، ومع ذلك قدمها وكلاء الدول الموظفين في الائتلاف ، كل على كيفه ومن دون استشارة أحد .. يومها لم أعترض على محتوى ما ورد على لسان الفريق الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي في الائتلاف، حيث كان كل سفير يوجه مجموعته ويقدمها للباقين ، لكن اعتراضي كان على الأسلوب والمنطق ، و على الابتعاد عن الواقع ، فقبل الحديث عن اليوم التالي كيف سنحقق سقوط النظام وبيد من في اليوم الذي قبل ، ومن سيستطيع فرض تصوره على الشعب السوري ، يومها سخرت من كل هذه العملية النظرية التي تشبه أحلام الأطفال ، وقلت لهم هل أنتم فعلا مقتنعين بأن الائتلاف هو من يقود الثورة وأنه هو من سيقط النظام …  إما أنكم تخدعوننا أو تخدعون أنفسكم، أو تريدون فرض قيادة عميلة لكم على الشعب السوري من خلاله ، وفي كلا الحالات هناك كارثة حقيقة تنتظرنا ( فالشعب السوري حمل السلاح ودفع كامل ضريبة الحرية والسيادة أضعاف مضاعفة ولن يعود للوراء ) .  هل تعرفون أن هؤلاء الوكلاء من المعارضة الخارجية الذين تعترفون بهم كقادة لا علاقة لهم اطلاقا بسوريا ولا بشعبها … ولن يستطيعوا  أن يحكموا سوريا ويطبقوا رؤيتهم إلا على دبابة الناتو ..

منذ ذلك الوقت أي بعد تشكيل الائتلاف بأشهر ثلاث كان واضحا أننا نتجه لفشل ذريع في كل الأصعدة ، وأن من يديرون الملف و يديرون شؤون الائتلاف من دول يصرون على سرقة قرار الثورة السورية وسرقة مستقبلها من خلال هذا الكيان المنفصل عن الواقع والثورة ، والمنغمس في الولاء والتبعية والفساد المالي والأخلاقي ، والفاشل تنظيميا واداريا لدرجة الشلل التام …

ثم ومع تطور الأيدولوجيات والتنظيمات الاسلامية المتزايدة التشدد في مواجهة المشروع الصفوي المتفاقم الاجرام ، ومع تحول الحرب في سوريا لحرب مذهبية وصراع دولي، مع تزايد تدخل الدول القريبة والبعيدة ، ومع خروج  الشعب السوري عمليا من المعادلة رغم أنه خبزها ، وابعاده عن ساحة القرار بواسطة زيف التمثيل ، وبعد ذلك مع فشل جنيف الذي صمم كمخرج لإنقاذ النظام وبنية الدولة العميقة الممعنة بالفساد والتبعية والاجرام ، وفشكل كل محاولات لجم الثورة ضمن حدود مصالح الدول الخارجية، بل انفلات الثورة لتصبح حاضنة للتطرف والجهاد العالمي وانقلاب السحر على الساحر  ، بدا لنا أن هذا الائتلاف قد انتهى ودخل مرحلة الموت السريري بانتظار قرار الدفن  ، و هو ما تظاهر في انقطاع تسلسل الأوامر والتوجيه والتواصل وغياب السفراء التام عنه ، واقتصر الأمر على دولة خليجية واحدة تتوهم أنها بالسيطرة على رئاسة ومشايخ الائتلاف تسيطر على سوريا ومستقبلها ، ببعض الدراهم التي تستعمل كمراهم لشراء الولاءات ، وكأنه قد بقي  في سوريا شيء لم يتحطم من مؤسسات الدولة والمجتمع وصولا للانتماء القبلي والمجتمع الأهلي بفعل الثورة العارمة والحرب الأهلية الطاحنة التي لا ترحم ، ولا توفر شيئا، حتى شاهدنا  مظاهر وحشية بدائية تعود لما قبل التاريخ والاجتماع الانساني الحضري  ..

ماذا نتوقع الآن من أعضاء الهيئة العامة المنتظر اجتماعهم في 6 الشهر والذين وجدوا أنفسهم في هذا المناخ .. إنهم يعيشون تناقضا بين ضرورة تغييره الشبه مستحيل من داخل المعادلة المحسومة النتيجة ، و بين ضرورة استمراره كونه معترف به ( وهو العذر الوحيد ) ، ويعيشون تناقضا آخر بين ضمائرهم التي ترفض البقاء والمشاركة في هذه المهزلة التي تصل لحد الخيانة ، وبين سحر وولع السلطة والكرسي والاعلام .. ومغريات المصالح ( التي تفوقت على الواجبات والالتزامات عند الغالبية العظمى من أعضاء الهيئة حتى الذين لهم تاريخ نضالي ، لكنه غير محصن من السقوط في امتحان المال والسلطان نظرا لغياب الرقابة والتداول )  .   لذلك هم عاجزين عن اتخاذ أي إجراء بل منقادين بفعل الظروف في طريق التداعي والاحتضار ، على مبدأ بيدك لا بيدي يا عمرو  ، يضعون رؤوسهم بين الرؤوس ويقولون يا قطاع الرؤوس ، و ينتظرون سيوف داعش أو سكاكين حالش ، أو خطوة جريئة من خارجهم تعلن اقالتهم وفرط عقدهم واحالتهم للمحاكم ، وهي أقل نتيجة منتظرة لسلوكهم ، فحتى القدرة على الاستقالة أو الانتحار قد فقدوها .. وفقدوا قبلها نعمة السمع التي تنقل لهم لعنات وشتائم وتهديدات الشعب المعذب وأسر الضحايا وأفواه المجاهدين الصابرين … حتى بلغ بهم الغي والطغيان مبلغ الضلال والعصيان . وتفوقوا على النظام في النفاق والكذب والفساد ..

من يملك حد أدنى من الموضوعية ، لا يستمر في خداع نفسه ، فينسحب من هذا المشهد الذي أقل ما يوصف بأنه باب لسرقة التمثيل ، وفشل في تحمل المسؤولية، حتى لا نقول خيانة لدماء الشهداء وتضحيات الشعب ، ومن لا يملك هذا الحس ويسير وراء رائحة بخار المنافع المطهوة على صينية المنسف النفطي ، سوف يسقط أخيرا كمن سقط من اتباع النظام الذين لم يروا فيه سوى منافع ومكاسب شخصية انتهت بهم ليصبحوا هدف الشعب والثورة ومحاكمهم الميدانية .

مشكلة الائتلاف لا تحل بإعادة ترتيب داخلي وتقاسم الكعكة بصفقة يرتبها الاخوان (والحكماء !!! ) خبراء الكولسة والتدليس ، ولا بتبديل زعامة من وكيل دولة لوكيل دولة أخرى ، ولا بتعديل نظام داخلي ليسمح بالمزيد من الاستبداد والفساد والتمديد له ..  مشكلة الائتلاف هي كمشكلة النظام ، تحل فقط بإسقاطه واعادة بناء نظام آخر مختلف بمعايير ووسائل مختلفة .

إنها مسألة استعادة القرار الوطني وشرعية التمثيل ، إنها مسألة الثورة الأساسية وهي الحرية والديمقراطية والكرامة ، والتي تنطبق على النظام وعلى هيئات الثورة السياسية أيضا ومعا ، فمؤسسات الثورة قد جددت نظام العمالة والاستبداد  من جديد ، تحت مظلة ائتلاف الفساد والفشل ..

إن أخطر ما يمكن أن يحدث هو استمرار هذه الحالة مدة أطول ، ومن ثم ضياع الدعم المتوقع وروده للمعارضة المعتدلة ، كبديل عن داعش وحالش ، والذي علم منه حتى الآن 500 مليون دولار من أمريكا و200 مليون جنيه من بريطانيا ، ناهيك عما تقدمه دول الخليج من دون اعلان ، وذلك بسبب فساد وفشل الائتلاف وكافة مؤسسات الثورة … أي ضياع فرصة بقاء الشعب على ارضه بعد اعلان داعش أن سوريا ليست للسوريين ، واعلان ايران أن حدودها هي البحر المتوسط ..  فالمطلوب اليوم  ليس اصلاحات وتفاهمات داخل الائتلاف ، بل ثورة جديدة على مؤسسات المعارضة المصطنعة ، وعلى شخوصها الوكلاء الذين أوصلونا إلى هذا الفشل وحان الوقت لتبديلهم جميعا .. كأشخاص وكمؤسسات ..      فالقضية ليست خلاف على كراسي وتقاسم حقائب ، بل قضية شعب يعاني ويموت ويقتل ويهجر ، ومن واجب من يدعي تمثيله أن يرتفع لمستوى الحدث الجلل والمسؤولية الكبيرة …

والا فالمتوقع الوحيد هو استمرار سيطرة حالش وداعش حتى يقرر الغرب احتلال سوريا وحكمها مباشرة … لنتابع ثورتنا على الاحتلال الجديد  في جبهة الاستقلال ، لأننا لم نخوضها في جبهة الفساد والاستبداد …    إنما و مهما طال الطريق         ستبقى ثورة حتى النصر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.