يثب

تكتيك المعارضة المعتدلة في الوقت الراهن

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

حاليا تسيطر داعش على ما يقارب ال 45% من الأراضي السورية وهي في توسع سريع ، ويسيطر الجيش الحر على 15% وهو في تراجع مستمر ، ويسيطر النظام وايران وحزب الله والميليشيات الشيعية  والمليشيات الكوردية على 40% من مساحة سوريا وهي نسبة مستقرة إلى حد ما منذ فترة ، خاصة بعد الضربة المنهجية المرتبة دوليا التي تلقاها مشروع الهلال الشيعي ، بتقسيم العراق وقيام الدولة الكوردية في الشمال ، والدولة السنية ( الخلافة) في الغرب وبتكلفة زهيدة جدا ، ولكنها تسببت في نقل المعركة إلى خاصرة ايران التي كانت تقاتل على شواطئ المتوسط ، والتي ستدخل بدورها مرحلة من التفكك لو استمر الضغط المتنوع عليها . ومع فارق التوزع السكاني الكبير بين المناطق الثلاث ، فإن الشعب السوري المعارض المعتدل الذي يشكل 70% من عدد السكان ، موزع بين المناطق المحررة التي يسيطر عليها الجيش الحر ( الجيش الحر كقوى مجتمعية محلية تطوعية يجمعها الانتماء للمكان ومعاداة النظام ) وهو عرضة دائمة للبراميل والقصف والحصار والتجويع ، وبين من يخضع مرغما لداعش وترهيبها ، ومن يعيش في مناطق النظام تحت التهديد والاهانة المستمرة والجوع والاضطهاد ، و الباقي موزع بين مهجر داخليا وهم بحدود 6 مليون ، ومهجر خارجيا بحدود 4 مليون في المخيمات أو دول اللجوء …

الحالة الطبيعية أن يمثل الجيش الحر والمعارضة المعتدلة أكثر من 70% من السكان والأرض ، وبعد أن كان يسيطر فعلا على 60% من الأرض بدأت داعش تقضمه بالتدريج ، وهي كما تقول ردا على تهمة تعاونها مع النظام … أنها لن تكرر غلطتها في افغانستان والعراق حيث دعمت المقاومة ثم انقلبت المقاومة الشعبية عليها كصحوات بالتعاون مع الأجنبي ، لذلك تبدأ حربها على المقاومة الشعبية لإنهائها قبل التصدي للنظام … ونتيجة لهجوم داعش ،  ونتيجة لبعض المصالحات مع النظام في أكثر من منطقة .. تقلصت مساحة سيطرة الجيش الحر للربع ووصلت حاليا ل 15% فقط … مما يدل على وجود خلل حقيقي ، ناجم عن غياب التنظيم والادارة و شح الدعم ، وجزء من هذا سببه الائتلاف الذي دمر مؤسسات الأركان والحكومة عند عمد وسابق اصرار ناهيك عن الفساد والفشل والمنازعات …

وعندما تسيطر مجموعات مسلحة غريبة كداعش رغم تعدادها الضئيل  على جزء كبير من العراق ، وعلى نصف سوريا فهذا يعني أنها قادرة تنظيميا واداريا  ولوجستيا ، وتجمعها عصبية قوية وأيديولوجيا فعالة تحولها لمؤسسة منضبطة بشدة ، وذات أداء عسكري جيد ، في حين أن الجيش الحر وبحسب اسمه هو حر ولا يقاتل الا (كل على مزاجه وساعة يشاء ) وكل في منطقته ومن دون تنسيق مع بقية القوى …  أي يفتقر لكل معنى الجيش الذي هو الانضباط والتحرك المنسق . فتعداده كبير وفعاليته محدودة ومؤقتة ومشروطة .

إن أخطر عاملين سوف نواجهما قريبا  هما :

1-      تجذر داعش بعد أن كانت منظمة غريبة وقوة احتلال و سلطة أمر واقع في النسيج الاجتماعي السوري وبناء شبكة مصالح معه وضمنه ، ومن ثم بناء نظام ومؤسسات ينخرط السكان فيها، بما في ذلك التجنيد الالزامي في خدمة الدولة الجديدة ، بحيث أن الحرب معها ستضعنا في حرب مع أهلنا وأولادنا ، فإذا تقاعسوا عن نصرة الدولة الاسلامية ستباشر  داعش الانتقام منهم ومن المجتمع ، أي ستفجر كل ارهابها التكفيري في وجه  المجتمع السوري عندما يخذلها .

2-      والعامل الثاني هو أن تتحول النصرة للتحالف مع داعش كما هو الاتجاه الآن ، وتجر معها الكثير من الجبهات الاسلامية السلفية الجهادية الغير بعيدة عن فكر داعش والنصرة المتطرف الأقرب لفكر الخوارج ، وعندها ستتقلص مساحة الجيش الحر وتنتهي للصفر ، ويتشرد هذا الجيش  ويتيه في الجبال أو بين المدنيين أو في دول الجوار ،

والمرجح حتى الآن أن تكون داعش بديلا عن الفوضى وامارات الحرب والتقسيم ، و قد تضطر لمواجهة النظام كعدو ومنافس وحيد لها ، وقد تكون قادرة على الحاق الهزيمة به وحصره في جيوب و مناطق معينة تدافع عنها جيوش أجنبية ، بالنظر لفعاليتها القتالية والتنظيمية ، وتهافت الروح المعنوية للنظام  وضآلة حاضنته الشعبية وميله للفرار عند ميلان ميزان القوى ، بل ستهدد داعش حتما استقرار المنطقة والدول المجاورة بالنظر لوجودها كأيديولوجيا في طول وعرض العالم الاسلامي ( الشرق الأوسط الكبير ) الذي تعاني نصف دوله من درجة من الفشل .. أي أن داعش ومثيلاتها ستكون السبب في تدويل المسألة السورية ، وذلك سيسهل زج الدول للتدخل المباشر عسكريا ضدها ، بعد أن رفضت هذه الدول التدخل  ضد النظام ، وهنا أوباما وروسيا وغيرهما لن يمانع ، في إجراء عسكري ضدها ضمن تحالف دولي اقليمي يحضر الجيش المصري أو التركي للقيام به بالتعاون مع الناتو … لكن الخطير في هذا الاحتمال أن يكون النظام ما يزال بقوته وأن يتم التدخل بالتحالف معه أو لصالحه .

في كل الحالات سوريا وأجزاء من العراق ستصبح دولة محتلة بعد أن كانت دولة فاشلة ، وسيزداد الدمار فيها ، و سيصبح للتحرر من الاحتلال أو مقاومته فاتورة مرتفعة جدا ، والمتوقع في هذا السيناريو ارتفاع نسبة الدمار في سوريا من النصف حاليا إلى الثلثين … وإذا انقلبت داعش على المجتمع السوري سترتفع نسبة الدمار لثلاثة أرباع وعدد القتلى سيفوق المليون . فالتقديرات الأولية لعدد القتلى المتوقع في حال استخدام فقط الطائرات من دون طيار هو 100 الف قتيل . وضعف هذا العدد في حال استخدم الطيران الحربي العادي لضرب أهداف عسكرية ومنشآت ، وإذا احتاجت الدول المتحالفة لإرسال قوى برية فالحسابات والتقديرات تتبع لمدة وحجم الصراع …

السيناريو الطيب الذي نعمل عليه هو دعم الجيش الحر تنظيما وسياسيا ، وجذب الجبهات المتشددة تدريجيا نحو الاعتدال والتلاحم مع المجتمع والقبول بإرادته ، وهذا يتطلب اعادة تشكيل مؤسسات المعارضة بمعايير أهمها الفعالية والانتماء للداخل ، وابعاد وكلاء الدول والانتهازيين والمتطفلين عن القيادة ، عندها يقصر الطريق وندعم الخيار الأفضل ونقوض مشروع داعش و مشروع النظام ، لكن كل المؤشرات تقول حتى الآن أن هذا العمل الثوري الجدي بعيد التحقيق ، وأن دعم المعارضة المعتدلة الموعود سيتأخر كثيرا ، وسيمر عبر المؤسسات الحالية الفاشلة للمعارضة، والتي ستبدده كما بددت ما سبقه من دون أي نتيجة سياسية . إلا إذا سحب ملف سوريا من يد دول الخليج ، وأصبح يدار  وطنيا بفريق عمل سياسي عسكري منسجم ، يقوم  بإعادة بناء المعارضة ومؤسساتها بشكل مختلف تماما وبمبادئ ومعايير وشخوص وآليات مختلفة ، لتثبت أنها طرف فاعل يستطيع ترجمة الدعم لإنجازات على الأرض تصب في صالح الشعب السوري وسيادته وحريته ..

ما ننصح به شعبنا في هذا الوقت في مناطق سيطرة داعش هو عدم التعاون مع مؤسساتها ومقاطعتها ما أمكنهم ذلك ، أما أخوتنا الثوار فننصحهم  بعدم تضييع الوقت والجهد والذخيرة في قتال داعش ، وتوجيه البندقية نحو النظام فقط  بوضع دفاعي ، والسعي للصمود في وجه النظام دون الدخول في معارك طاحنة قبل توفر المشروع والدعم المجدي ، فإذا هاجمتهم داعش أو النصرة يمكنهم الانسحاب تكتيكيا أمامها ، أو تسليمها الجبهات بصفقات تحفظ حياة أفراد الجيش الحر الذين عليهم العودة لمنازلهم وانتظار مرحلة جديدة ، يتم الاعداد لها تنظيميا وسياسيا ، من أجل إما اشعال الثورة على داعش لو انتصرت وحكمت بطريقتها التكفيرية ، أو من أجل الافادة من التدخل الأجنبي لو حصل وتقرر ، أو التحضير لمقاومة النظام فيما لو عاد وحاول اعادة احتلال ما تسيطر عليه داعش بالتوافق معها أو رغما عنها فقد سبق لداعش أن سلمت مناطق واسعة للنظام … نضع ذلك الاحتمال بالنظر لعدم قناعتنا بوجود خلاف نهائي بين داعش والنظام ، ولا ندري حتى الآن ما هو مستوى تحكم النظام بداعش أو مدى اختراقه لها …

طبعا من مصلحتنا دخول داعش والنظام بعملية كسر عظم فيما بينهما ، فهو أفضل الخيارات بالنسبة للثورة، لكن أعتقد أن داعش والنظام سيتجنبان ذلك وسوف يتقاسمان سوريا ، وأتوقع لداعش الاتجاه جنوبا بتسهيل وتعاون من النظام ، لذلك يتوجب على الأردن أن يستعد للمواجهة المباشرة معها قريبا جدا ، فكل الترتيبات التي عمل عليها في الجنوب ستنهار فجأة كما انهارت الموصل لأنها غير جدية وغير حقيقية وتعتمد على قيادات شكلية لا سلطة حقيقية لها ، وعلى السعودية أيضا أن تستشعر الخطر بسبب ملاءمة ثقافة داعش للبيئات القاحلة والمناطق الجافة ( حيث داعش تكرر وتعيد صورة المطوع والهيئة المعروفة والمعتمدة رسميا عندهم  والتي من الطبيعي أن تبحث عن تجسيد سلطتها هي لا أن تبقى في خدمة سلطة أخرى تشعر بالتناقض معها شكلا ومضمونا ) .

مع ذلك سيبقى الهدف النهائي للثورة السورية هو الدولة المدنية الديمقراطية ، كشكل وحيد قابل للبقاء متناسب مع الحضارة ومع احتياجات المجتمع ومستوى تطوره … و للوصول إلى ذاك الهدف ولتجديد العقد الاجتماعي القائم عليه ، ولإعادة رسم حدود الوطن بعد انسلاخ الكرد بحماية أوروبية أمريكية والعلويين بحماية روسية ايرانية … سوف نحتاج لوقت طويل و قد نمر بمراحل تجريبية عديدة … بانتظار قرار دولي بالتدخل .

حاليا نحاول دفع الأطراف المعنية لتبني سياسة ايجابية فاعلة، فالوقت كما هو ظاهر للجميع أنه في صالح قوى التطرف ، والموقف السلبي سيفاقم المشكلة .. ومن يُستنزف ليس قوى التطرف والاستبداد  بل  قوى الاعتدال والمجتمع المدني ، وفرص السلام … ونجاح هذه المحاولة يتطلب تضافر جهود قادة الحراك الحقيقيين ، والتنسيق مع الأطراف الدولية المعنية ، وهذا يجب أن يمر حتما عبر اعادة تكوين مؤسسات المعارضة المسؤولة بفشلها وتهافتها عن عدم تحقيق نتيجة حتى الآن ، أو استبدالها .. وعليه قد ننتظر طويلا حتى تقتنع الدول بسحب الاعتراف من هذه المعارضة، والعمل على انتاج قيادة عسكرية سياسية بديلة قادرة وفعالة تنوب عن كذبة وحماقة تمثيل الشعب بعدد من الوكلاء للدول ومتسلقي المناصب . وأن تكف يد دول الخليج عن العبث في مصير سوريا وثورتها .. بسبب ادارتها الفاشلة المفسدة وخلافاتها التي لا تنتهي ، ووكلائها التافهين الفاسدين .. وأن يسلم الملف لفريق عسكري سياسي وطني بالتنسيق مع كل الدول الداعمة والصديقة ،  ضمن مشروع متكامل واضح ملزم يعرف فيه كل طرف دوره بشكل واضح …

أما دور الشعب السوري فهو حتى الآن تقديم المزيد والمزيد من أبنائه ، وتحمل المزيد والمزيد من المعاناة بانتظار فرج ورحمة ونصر من الله  وفتح قريب … بإذن الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.