يثب

الإخوان وإيران

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

سارعت تركيا لتلقف الرسالة الإيرانية، ولحقها الإخوان بسرعة البرق … فبروز المسألة الكردية التي تهدد وحدة وكيان ايران وتركيا معا حركت الطرفين للسعي للتفاهم رغم مشهد الصراع البارز والتاريخي بينهما … فنشوء مصالح جديدة جزئية هو ما حرك التقارب التركي الإيراني، بينما يربط الإخوان بنظام ايران مجموعة عوامل راسخة وليست لحظية أعاقت بروزها الأحداث في سوريا والموقف التركي اللاجم … بدءا بالتشابه التكويني بينهما، وكذلك بين مشاريعهما في اقامة النظام الاسلامي الثوري بنسخه الشيعية أو السنية ، ونهاية بالمصلحة المشتركة بينهما بوقف الصراع السني الثوري والشيعي الثوري الذي يستفيد منه أعداء النظام الإيراني والنظام الإخواني على السواء ، بينما تظهر نتائج تعاونهما جلية عبر تقدم منظمات مثل القاعدة وداعش وأخواتهما السنية والشيعية . فتعاونهما معا سيجعلهما يحكمان سيطرتهما على العالم الإسلامي برمته ، ولا يشكل الخلاف العقيدي السني الشيعي قيمة تذكر عند نظم امتهنت توظيف الدين والعقيدة في مضمار السياسة والسلطة وفي خدمتها ( بعكس العلمنة المكروهة منهما ) ، وما سرع من هذا التقارب هو موقف الدول العربية الذي يميل لاعتبار تنظيم الإخوان كتنظيم ارهابي ومنبع للفكر التكفيري ومستثمر له والذي يتلقى الدعم الإيراني بذات الوقت.

عادة يعلو ويخبو الحديث عن الإخوان ودورهم في الحياة السياسية العربية والاسلامية الذين كانوا جزءا من النظام السياسي العربي لمدة تزيد على نصف قرن… فالحياة السياسية العربية تنازعها تياران أساسيان هما القومي والاسلامي … واختصر الصراع في مصر وعليها هذا الصراع بين التيارين وما يزال ، وما أدى لفشل الربيع العربي هو انتقال هذا الصراع لداخله، والذي كان من نتيجته فشل مجتمعي وسياسي أنتج الفوضى بدل التقدم نحو الديمقراطية والاستقرار … وفي غياب مراجعة تاريخية في هذين التيارين لن تحلم المنطقة بالاستقرار ، إلا بتدمير كلا التيارين الحداثوي المستبد والديني الدوغمائي ، وبروز تيار ثالث على حسابهما معا …

وبالرغم من كون الهدف المعلن من تنظيم الاخوان المسلمين هو المواءمة بين الدين والحداثة بقيمها ونظمها ، وجعل الدين متناسبا ومتكيفا مع العصر ومتطلبات الحياة العصرية ، والمساهمة في الحياة السياسية التي تتيح للدين لعب دوره القيمي والأخلاقي … وكلها مهمات أساسية في جعل التحديث الحتمي الذي لا مفر منه غير مضاد للهوية والدين .

إلا أن الإخوان ارتكبوا جملة من الأخطاء التطبيقية :  منها العمل على عرقلة واطاحة النظم السياسية القومية الحداثوية ، ودعم الأنظمة التقليدية السلطانية والملكية الرجعية … ثم ساهموا في تحويل الثورة الإيرانية الديمقراطية ضد الشاه لثورة اسلامية ، فكان أن ربطتهم وما تزال علاقات وثيقة بإيران الثورة. وساهموا بعد ذلك بتشكيل حركة طالبان التي نتجت عنها القاعدة ، وفي تشكيل حركة حماس … وبعده في التمرد على الاحتلال الأمريكي للعراق … ثم ركبوا موجات الربيع العربي الديمقراطي وحولوها لثورات اسلامية سرعان ما حملتهم للسلطة في تونس ومصر واليمن وليبيا وكادت أن تحكم سوريا . قبل انقلاب الدعم والرعاية الدولية وتحولها عنهم … نظرا لتكشف عمق الارتباط بين التيار الإخواني والسلفي الجهادي الذي أصبح ذراعهم العسكري، وعمق ارتباط ممارساتهم بالعنف والقمع … وتحول قسم واسع منهم نحو التشدد والتكفير ومساهمته في العنف الترهيبي منذ الصراع مع الخديوي وبعده عبد الناصر … فالعمل الإخواني بنظر الباحثين يشكل القاعدة التحتية المناسبة للتطرف الديني الذي يستثمره سياسيا، ويتبع نظام داخلي عصبوي شديد الشبه بالنظم الماسونية… في ذات الوقت يرتدي الأقنعة التحديثية والاعتدالية والديمقراطية للتمويه …

وبالنظر للدور الإشكالي لتيار الإخوان ،ولكل هذه الأخطاء التي ليس آخرها محاولة التحالف مع نظام ايران وليس شعبها ، توجب على مؤيدي هذا التنظيم اجراء مراجعة شاملة لتاريخهم تتضمن ما يلي :

  • – فك الارتباط بأجهزة المخابرات العالمية التي تحركهم هنا وهناك خاصة الغربية والإيرانية .
  • – فك الارتباط بالتنظيمات المتطرفة وقطع الدعم والتسهيلات المقدمة لها .
  • – التخلي عن (العمل السري وممارسة التقية والتمويه) ، والانتقال للعمل العلني بشكل كامل.
  • – التحلي بالشفافية التامة في الإدارة والتنظيم والتمويل .
  • – مراجعة فكرية ضرورية لتجنب النقاط الفكرية التي يقوم عليها الفكر الخارجي وصياغة فكر ديني معتدل خالي من بذور التطرف والعنف والتكفير والاستبداد التي تنص عليها أدبياتهم وكتب منظريهم .
  • – الكف عن العمل العصبوي والتآمري وتنفيذ الاغتيالات والتصفيات.
  • – تشكيل نظام رقابة ومحاسبة شفاف وعلني .

وبحدوث مراجعة تاريخية مماثلة للفكر القومي، يمكن  أن يتحضر المناخ لمصالحة تاريخية بين التيار الديني والقومي، علما بأنها هي الوحيدة القادرة على الانتقال ببلداننا نحو الاستقرار السياسي الديمقراطي الذي سمح لتركيا وماليزيا بتحقيق قفزات اقتصادية هامة أدخلتهم في صفوف العالم الأول … إو فلننتظر إذا اضمحلال كلا التيارين وصعود تيارات جديدة تحمل هذه المهمة التاريخية بدلا عنهما.

فالمصالحة والتحالف بين نظام الإخوان ونظام ايران ما يزال يقوم على باطل، يسوّق كحق ظاهره منع فتنة شيعية سنية، وباطنه تحالف على استلاب الشعوب والهيمنة عليها والتحكم بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.