خيانة ‘المثقفين’ للثورة…

خيانة المثقف لدوره تبدأ بخلطه للأوراق، ولأن للمثقف قدرة أكثر من غيره على تغليف الموقف وتلميعه وتسويقه، ولأنه يحظى بثقة قطاع ما من الناس، فإنه أكثر خطورة من غيره.
هذا المثقف ـ الهلامي – الذي أقصده قد ينتقد الدكتاتور برفق كي يحفظ ماء وجهه، ثم يتخذ من نقده منصة لطعن الثورة في القلب ليحصل على رضا الديكتاتور وجلاوزته، لأن طعنته أكثر خطورة وإيلامًا للثورة من طعنات وبراميل رجال النظام أنفسهم.
قبل الربيع العربي والإنتفاضة السورية كان التشكيك بعبقرية الرئيس أو مجرد التفكير بصوت مسموع بتداول السلطة كافيًا لعزل أي مثقف عن السياق العام وتشويه صورته وإذلاله وإخراجه عن طوره ونبذه، حتى إرغامه على ترك وطنه إلى المنفى أو البقاء فيه مقهورًا منبوذًا.
نلاحظ وبعد أكثر من 150 ألف قتيل في سوريا واستخدام كل وسائل الدمار بما فيها السلاح الكيميائي أن بعض المثقفين ‘ينتقدون’ برفق شديد نظام بشار الدموي، ولكن هذا النقد ليس بهدف التسريع بالنهاية الحتمية لنظام لم يعد صالحًا حتى لإدارة مسلخ، بل بالذات لكسب الشرعية في طعن الثورة، من خلال إجراء مفاضلة بين الدكتاتور والبديل المحتمل، وطبعاً فالبدائل كلها مؤامرات وسلفيات وتقطيع رؤوس، وبهذا يصلون إلى النتيجة ‘المنطقية’ وهي أن بقاء النظام الدكتاتوري رغم ‘سلبياته’ هو أهون الشرّين.
صادف يوم أمس الأربعاء الثاني من نيسان ذكرى رحيل الشاعر الكبير محمد الماغوط، والغريب أن بعض المثقفين الهلاميين يمتدحون فكره وأعماله وعبقريته وخروجه عن المألوف، ولكنهم في الوقت ذاته يصطفون إلى جانب النظام الذي جعل الماغوط يصرخ ‘سأخون وطني’ وهي صرخة جارحة كافية لندرك ما الذي عاناه المواطن السوري حتى صرخ هكذا صرخة.
في ‘سياف الزهور’ يكتب الماغوط تحت عنوان ‘نفحات من المزبلة إياها’ ‘الرقابة السياسية والأمنية والدينية والجنسية على أية مطبوعة حتى على أوراق النعوة والنشرة الجوية وأبراج الحظ’، ‘مهزلة الإنتخابات ونسبة ال 99′ التي لا يمكن أن تحدث حتى في ممالك النمل والنحل والبرغش’. ‘اختفاء الأفراد فجأة ونقلهم إلى جهات مجهولة لسنوات وسنوات من دون أن يعرف مصيرهم أحد كأنهم يعيشون في جزيرة برمودا بينما إذا تأخرت دجاجة في إسرائيل عشر دقائق عن خمّها فإن إسرئيل تقيم المنطقة وتقعدها’.
من يقرأ مثل هذه الكلمات وهي ومضة من بركان الماغوط، يدرك جذور الألم الذي أوصل للإنتفاضة العربية عمومًا والسورية بشكل خاص، فالثورات لم تأت من بحبوحة مادية وفكرية وروحية، بل من هذا الشعور العميق بالانسحاق أمام ماكنة الظلم الهائلة التي عبر عنها الماغوط، فالمواطن بات يشعر أنه في مزبلة وليس في وطن، لكن المثقف الهلامي يترحّم على الماغوط من جهة وقد يكتب مقالة جميلة في ذكراه دون التطرق ولو بكلمة للنظام الذي جعل من الوطن مزبلة، ولا من الذي يقف على رأسها، ودون الإعتراف بأن التخلص من المزبلة يوجب التخلص أولا من مسببها وهو النظام الدكتاتوري الفاسد الدموي.
يخون المثقف الهلامي دوره عندما يخلط الأوراق، ويجعل من نظام أردوغان التركي معادلا وشبيهًا في دمويته للنظام السوري، فهو يتجاهل الأساسي ويتمسك بالهامشي، يوازي بين مظاهرة أو مواجهة بين متظاهرين والشرطة التركية على خلفية انتخابات البلديات وبين تدمير وطن بأكمله، ويضع أردوغان المنتخب ديمقراطيًا هو وحزبه في خانة واحدة مع دكتاتور ما زال يحلم بفرض نفسه على الشعب بعد أكثر من 150 ألف قتيل وهناك من يقول أن هذا نصف الرقم الحقيقي.
صحيح أن مقتل أي إنسان حتى لو كان واحدًا في مظاهرة سلمية هو جريمة يجب محاسبة مرتكبيها، ولكن شتان بين مواجهة مع الشرطة أسفرت عن عدد من القتلى، وبين حرب يشنها نظام على شعبه، والأنكى أنه يتهم شعبه بالإرهاب والخيانة العظمى لتبرير جرائمه، إلا أن المثقف الهلامي يتدخل بعبقريته وانتهازيته ليوهم الناس بقوله ‘كلهم بالهوا سوا’.
المثقف الهلامي يتمسك بأخبار الفساد التي كُشف عنها في حكومة أردوغان، ويتجاهل حقيقة أنه في ظل نظام التعددية والحريات يُحاكم الفاسد، حتى أردوغان نفسه لوحق وشعر بالخوف واضطر أن يدافع عن نفسه لإثبات براءته، كشف الفساد في الأنظمة الديمقراطية هو أساس قوتها وليس ضعفها، وحيث نسمع أكثر وأكثر عن كشف للفساد بين رموز السلطة هذا يعني أن هناك قانونًا فوق الجميع، أما الفساد الأكبر فيجري حيث لا توجد فضائح ولا تحقيقات ولا محاكمات إلا لبسطاء الناس ولصغار الموظفين ليكونوا أكباش فداء للفساد الأكبر ولتبييض صفحة النظام.
المثقف الهلامي يشتم الحكم التركي الحالي ويبحث عن أخطائه ب(سراج وفتيلة)، يتهم أردوغان بأنه يطمح للعودة بتركيا إلى حكم السلاطين، ويزعم أن له أطماعًا في الأرض العربية، وهذا حسب الهلاميين سبب إصراره على رفع الحصار عن قطاع غزة بدلا من تحيته وشكره وتشجيعه، بعدما كانت تركيا حليفًا كبيرًا لإسرائيل في زمن مضى، بينما يحاصر نظام مصر الإنقلابي القطاع وينسّق حصاره مع إسرائيل لأشهر طويلة، وعندما يفـــتح معبر رفح ليوم أو ليومين فكأنما قام بعمل بطولي مجيد يجب أن يسجل له بسطور من ذهب، الأنكى من هذا أن المثقف الهلامي يبحث عن مبررات لهكذا حصار بدلا من إدانته، ويجيز العقوبة الجماعية لمليوني إنسان منهم 200 ألف طفل دون سن الرابعة، ويصطف بشكل تلقائي مع الدكتاتورية أو العسكرية، ويبحث لها عن تبريرات، علمًا أن دور المثقف الحقيقي هو البحث عن أسباب ثورات الشعوب ومبرراتها وتفهم أسبابها والوقوف إلى جانبها خصوصًا في الأوقات الحرجة التي تحتاج فيه بالفعل للمثقفين ودورهم والتضحية بحبرهم وكلماتهم وربما بامتيازاتهم في القوت الذي يضحي فيه الملايين من أبناء جلدتهم بدمائهم…
على رأسها… شجرة ذهب!
على رأسها شجرة ذهب!.. ويستمر الذهب ليغطي صدر هذه الجميلة الهندية التي تتنافس مع جميلات أخريات على لقب ‘ملكة جمال الهند’ في المسابقة رقم 51 التي ستقام في مومباي بعد غد.

سهيل كيوان – القدس العربي

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.