السيد حسن نصر الله

مناخ التسوية الشاملة ينتهي بإطلالة « روسية » وإيرانية على الخليج العربي

بسام البدارين الأغنية التي تبثها فضائيات ووسائل إعلام حزب الله اللبناني باللغتين العربية و»العبرية» ضد إسرائيل لا تثير شهية المتابعة والرصد فقط بقدر ما تؤطر لحالة «تصعيدية» في الخطاب الحزبي تحاول مجددا إنعاش خطاب «المقاومة» بعد الغرق في سلسلة التساؤلات الحرجة التي أثارتها مشاركة الحزب القتالية في النزاع السوري لصالح نظام دمشق.

لا تتحدث التقارير الواردة من لبنان عن أي تطورات عسكرية أو أمنية على الجبهة الإسرائيلية ـ اللبنانية، رغم ذلك سربت أوساط الحزب الأنباء عن توجه او قرب توجه مقاتليه إلى حدود الجولان بالتزامن مع الأغنية «المسيسة» التي تعد الجمهور العربي بـ»تحرير القدس».

الأغنية سجلتها شركة إنتاج تابعة لحزب الله وتتضمن نشيدا وطنيا باللغتين العربية والعبرية يتوعد الجيش الإسرائيلي بالسحق ويتحدث عن قرب تحرير فرسان الحزب لفلسطين وقرب إنتقال المقاومة لمنطقة الجليل.

تتضمن الأغنية عبارات مسيسة بإمتياز على مقدار الوضع الإقليمي فهي تقول لإسرائيل «جاي في الجليل وإسأل سوريا عن الدليل».

وإسم الأغنية مختار بعناية أيضا وهو «إحسم نصرك بالجولان» وتضيف «وسوريا هي البرهان».

داخل لبنان لم تحصل نقاشات «جدية» لقصة الحرب الوشيكة في الجولان والإعتقاد كما يرى محللون إستراتيجيون بان الوضع الداخلي والإقليمي لحزب إلله يتطلب على الأرجح «تصعيدا» إسرائيليا بصبغة عسكرية يسمح لاحقا بتوسيع دائرة ومساحة المناورة والمبادرة امام حزب المقاومة الأبرز في لبنان.

مشكلات حزب الله في الداخل اللبناني كثيرة ومتعددة ولا تقف عند حدود الإختراق الكبير الحاصل لمنظومته الأمنية ولا عند الحواجز التي ترهق معيشة المواطنين في الضاحية الجنوبية لبيروت لكنها تتجاوز ذلك باتجاه «تفاهمات» عن بعد مع اللاعب السعودي تأثرت فيما يبدو بالتناغمات ما بين الثنائي سعود الفيصل ومحمد ظريف.

… هذه المشكلات بطبيعة الحال بدأت تتطلب تغييرا لقواعد اللعبة والتغيير اليتيم المتاح هو العزف على وتر الغرور الإسرائيلي وإستفزاز تل أبيب حتى تلجأ للمزيد من الخطوات التصعيدية التي تخلط الأوراق ويتمكن بالنتيجة حزب إلله من إستعادة زمام المبادرة وإعادة إنتاج تموضعه السياسي داخل لبنان و»لجم» خصومه الكثر في المعادلة المحلية والقفز بالتالي بصفقة ميشال عون وموقع الرئاسة.

قراءة الأغنية وباللغة العربية محتملة جدا على هذا الأساس خصوصا مع «النمو» الواضح للخيار المتمثل بعودة الرئيس السوري بشار الأسد للسلطة بعد انتخابات مسرحية ستتواطأ كل الأطراف على عبورها والتعامل معها كنتيجة للميزان الذي فرضته في المسألة السورية العوامل الروسية والصينية وحتى الإيرانية والأمريكية في بعض المفاصل.

من هنا تصل بابا الفاتيكان فرانسيس الأول رسالة أردنية قبل حضوره لعمان تطالبه بتجنب إصدار تصريحات صحافية مثيرة في المسألة السورية والتركيز على الجانب الإنساني وهو ما حصل فعلا عندما دعا البابا علنا لدعم الأردن باعتباره رسولا «للسلام» مركزا على منح الأردنيين كما قال أحد رجال الدين المسيحي لـ»القدس العربي» «شهادة دكتوراة فخرية» على أساس دوره في إستقبال اللاجئين.

إصرار راعي الكنيسة اللبنانية المارونية بشارة الراعي على مرافقة البابا للقدس في رحلة مثيرة للجدل كانت بالقياس مؤشرا حيويا على مناخ «الصفقات» التي دخلت بها المنطقة برمتها.

وحزب إلله من الواضح بعد التفاهمات الأمريكية – الإيرانية الأخيرة ودخول روسياكلاعب مركزي مستحكم في كل مفاصل المشهد السوري يبحث عن «صفقته» الخاصة التي تضمن مصالحه الحيوية والأساسية في مناخ التسوية الكبرى الذي يتعاظم ويزداد نموا.

التصعيد مع الإسرائيليين وتحديدا في الجولان والجليل بالأغاني وغيرها يمثل رافعة مرجحة ليعمل الحزب العريق على تذكير الجميع بوجوده وقدرته الميدانية على العبث بالمعادلات خصوصا وان حركة حماس «تلتحق» كما يقدر المحلل والمؤرخ السياسي الدكتور ربحي حلوم بمكيدة عملية السلام وهي تستسلم لمتطلبات المصالحة وحكومة التوافق الوطنية الفلسطينية في الوقت الذي يفتح فيه الجنرال عبد الفتاح السيسي أبواب المخابرات المصرية بقوة لرمز حركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح.

وطهران نفسها «تصفح « قليلا عن خالد مشعل وتجري إتصالات معه تمهيدا لإستقبال محتمل لإسماعيل هنية في الوقت الذي من المرجح فيه أن تشرف شركات روسية وألمانية وصينية ضخمة على صفقة «إعادة الإعمار» في سوريا مع ضربات مكثفة وجماعية لخلايا وتجمعات الجهاديين في العراقوسوريا.

ميشال عون لبنانيا يدخل في نطاق التواصل والتقاسم مع سعد الحريري والمؤسسة الإيرانية تتواصل مع الإمارات وقطر وتستعد للتواصل مع السعوديةوموسكو في حالة «إطلالة» إستراتيجية على بوابة الخليج العربي وتركيا آردوغان خارج نطاق التأثير الحيوي.

… كل تلك مستجدات إقليمية تجعل حزب الله «يتيما» في إطار المعادلة الإقليمية بعدما ساهمت رحلته القتالية دفاعا عن نظام بشار الأسد في عزل فكرته العقائدية عن «المقاومة»، الأمر الذي يبرر الحملة الدعائية الجماهيرية التي حاولت الإعلاء من شان أغنية «إحسم أمرك في الجولان» خصوصا وان مزارع شبعا وحسب أدبيات الحزب نفسه لا زالت محتلة ولم تسجل من أجلها أغان حماسية.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.