داعش سوريا و داعش العراق

هناك سؤال يطرحه الكثيرون حول مدى ارتباط تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام، المعروف في سوريا، مع التنظيم الذي أعلن الحرب على جيوش رئيس الوزراء العراقيّ نوري المالكي. والسؤال هو: هل تنظيم «داعش» في سوريا هو فرع من تنظيم «داعش» في العراق؟.

هناك دوائر إعلاميّة كثيرة تؤيّد أنّ الطرفين هو تنظيم واحد، رغم أنّ مسؤولين عشائريّين في العراق أعلنوا مراراً بأنّ المسلّحين الذين انتفضوا ضد المالكي يندرجون ضمن ما يُسمّى «جيش السنّة»، وعبّروا عن ذلك بأنّها «انتفاضة سنّية» ضد الأفكار الطائفيّة لنوري المالكي الشيعيّ الانتماء، والذي أصبح، من وجهة نظرهم، ومن وجهة نظر الكثير من دوائر تحليل السياسات في سوريا والعراق، وكيل إيران أو ولاية الفقيه في العراق، كما انصرف هذا الوصف على الرئيس السوري بشّار الأسد بالنسبة لسوريّا. ولكن ما الفرق بين التنظيمين على الأرض؟

المناطق الكرديّة

من المعروف بأنّ تنظيم داعش أعلن عدم اعترافه بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريّا منذ دمجه مع جبهة النصرة في سوريا بتاريخ 9/4/2013 بقيادة أبو بكر البغدادي. ورغم ذلك لم ينف الائتلاف عن التنظيم اعتباره كأحد الفصائل المقاتلة لإسقاط النظام السوري. وظلّت العلاقة بينهما من طرف واحد، وهو طرف الائتلاف. وهذا خطأ كبير في التعاطي السياسي وقع فيه الائتلاف السوري المعارض.

فقد استمرّ تنظيم داعش بتشويه سمعة الفصائل الثوريّة المقاتلة ضد النظام السوريّ، وفي كلّ منطقة دخلها كان يحارب الجيش الحرّ وليس قوّات النظام. استطاع هذا التنظيم أن يصنع الشقاق بين الكرد وبين العرب بإعلان الحرب على أحد الفصائل الكرديّة (حزب الاتحاد الديمقراطي وهو الفصيل السياسي في سوريّا لحزب العمال الكردستانيّ في تركيّا) في الظاهر، بينما في الباطن كانت خططه تهدف لتطبيق خطط المخابرات السوريّة بتحييّد الكرد والمناطق الكرديّة عن الثورة التي اندلعت في البلاد منذ آذار من عام 2011.

والتنظيم لم يحارب فقط ذلك الفصيل؛ بل اعتبرها حرباً على الكرد عندما قام بخطف المدنييّن الكرد في تل أبيض والرقة وكوباني وعفرين، وإعدام وصلب الكثيرين منهم، من دون تمييز لانتمائهم إلى ذلك الفصيل الكرديّ من عدمه. وفي آخر عمليّاته قام بخطف ما يقارب 300 فتى في سنّ الخامسة عشرة، أثناء ذهابهم لتقديم امتحانات الشهادة الإعداديّة، ويُخشى أن يقوم باستخدامهم في عمليّات انتحاريّة؛ كما تخوّفت من ذلك الكثير من التقارير الحقوقيّة.

ولأنّ أيّاً من الفصائل المسلحة في قوّات المعارضة لم تذهب للدفاع عن الكرد، وفك الحصار عن مناطقهم، ولأنّ الممثل السياسي للمعارضة السوريّة ظلّ يغضّ النظر عن المجازر والحصار الغذائي والدوائيّ الذي يحصل للكرد والمناطق الكرديّة، ازداد التحاق الكرد بذاك الفصيل الكرديّ المتعاون مع النظام السوريّ من جهة، ومن جهة أخرى زاد الشرخ بين الكرد في الداخل وبين القوى الثوريّة المسلحة في قوّات المعارضة. ناهيك عن تفريغ المناطق الكرديّة بسبب النزوح الكبير في كلّ الاتجاهات.

مسرحيّة الرقّة

عند سقوط مدينة الرقة بيد فصائل المعارضة وجبهة النصرة، وهي كانت عمليّة تسليم من النظام بشكل أدق وليس تحريراً، لم تهنأ المدينة بسبب استهدافها اليوميّ بصواريخ السكود التي كانت تنطلق من ريف دمشق. وفي كلّ يوم كانت هناك الكثير من المجازر بسبب تلك الصواريخ والغارات الجويّة من الطيران الحربي.

ولكن عندما اجتاح تنظيم داعش مدينة الرقّة عرفت المدينة الطمأنينة من الجو، ولكنّها عاشت الرعب على الأرض؛ فبعيداً عن تطبيق الأفكار الإسلاميّة السلفيّة وتطبيقها على المظاهر الشخصيّة للناس والمحال التجاريّة، قام التنظيم باعتقال الناشطين السلمييّن، وفق قوائم استلمها من دوائر المخابرات السوريّة، وقام بإعدام الكثيرين منهم. وكذلك قام باعتقال كلّ الصحافييّن والمصوريّن الذين كانوا يوثّقون ما يجري في تلك المدينة. ولم ينته الأمر باعتقال «الأب باولو» الذي شاعت أخبار عن إعدامه على يد التنظيم.

حلب وريف إدلب

ربّما كانت أكبر عمليّة يقوم بها تنظيم داعش في حلب هي تفكيك «لواء التوحيد» وإعطاء معلومات استخباراتيّة للنظام أدّت إلى مقتل «حجي مارع» قائد لواء التوحيد. كما أنّ عناصر التنظيم استماتوا من أجل تشويه سمعة لواء التوحيد داخل مدينة حلب وخارجها. ومن جهة أخرى تمّ قطع الإمدادات عن المقاتلين مّا أدّى لاستقالات شهيرة من بينها استقالة القائد عبد الجبار العكيدي.

ظلّت المعارضة على صمتها المخيّب للآمال، والموافق للدوائر الخليجيّة الداعمة، رغم كلّ تلك الأدلة الدامغة على وقوف التنظيم مع النظام السوريّ، أو ضد الثورة السوريّة على الأقل.

لم يكن أمام التنظيم سوى التوجّه إلى ريف إدلب، بعد أن تولّى النظام إكمال خطّة إسقاط حلب بالبراميل المتفجّرة وصواريخ السكود اليوميّة. ولم يكن من المستغرب أن لا تتم الحملات الجويّة إلا بعد خروج التنظيم من حلب!.

توجّه التنظيم لاجتياح ريف ادلب بعد أن قويت شوكة «لواء عاصفة الشمال» وقام بتحرير الريف الإدلبيّ كاملاً بالتعاون مع كتائب معتدلة هناك. وعندما بدأ التنظيم بحصار مراكز اللواء، ومن ثمّ قام بإعدام قادته ومقاتليه، ظلّت المعارضة غير مندّدة بأفعال التنظيم لدرجة أنّ أحد منظّريها، الذي يُقيم في أميركا، قال بأنّ الأمر «مجرّد سوء تفاهم بين الفصيلين، ويمكن النقاش مع تنظيم داعش لحلّ خلافه مع لواء عاصفة الشمال»!.

البراميل المتفجّرة

انتهت مهمّة تنظيم داعش في ريف إدلب بعد القضاء على لواء عاصفة الشمال، وهو اللواء الثاني بعد لواء التوحيد اللذان كان بإمكانهما توحيد فصائل المعارضة بدرجة أو بأخرى، وانسحب من هناك إلى مواقعه المفضّلة في الجزء الشرقيّ من سوريّا لمنع الإمدادات العسكريّة التي من الممكن إدخالها من مناطق تركيّة أو عراقيّة. وكذلك لحماية حقول النفط وبيعه لحساب النظام السوري.

وبمجرّد انسحاب التنظيم عادت الطائرات لترمي البراميل المتفجّرة على أماكن كثيرة من الريف الإدلبيّ الذي لا يخضع لتنظيم داعش. وقبل شهرين فقط من الآن سيقوم الائتلاف الوطنيّ بإصدار بيان يعلن فيه بأنّ تنظيم داعش ضد الثورة السوريّة ويجب محاربته، بعد أن أعلنت فصائل الجيش الحرّ قتاله على الأرض من دون الرجوع للقيادة السياسيّة لها. وهذا كان قراراً صائباً، ولكن متأخر جداً. حيث كان من الواضح أن تنظيم داعش يتبع للمخابرات االسوريّة من خلال سيرته القذرة كلّها في المناطق السوريّة التي اجتاحها، وليس فقط من خلال إلقاء القبض على قادة له تبيّن أنّهم يتبعون للحرس الجمهوري!.

داعش سوريا

عندما بدأ المسلحون في العراق بالانقلاب على نوري المالكي، الذي استخدم البراميل المتفجّرة لضرب الأنبار والفلوجة!!، وكأنّها صناعة «شيعيّة»، أعلن مقاتلو الفصائل العراقية المقاتلة في سوريّا، وخاصّة لواء أبي الفضل العباس، العودة إلى العراق ومحاربة جيش السنّة هناك.

هناك عدّة حوادث حصلت من جديد، وهي غير مثيرة للاستغراب بالنسبة لنا، تدلّ أكثر على تبعيّة تنظيم داعش في سوريّا للمخابرات السوريّة. فعند ذهاب الفصائل العراقيّة المقاتلة لنصرة المالكي كان عليها أن تذهب إلى ريف دير الزور؛ لمقاتلة داعش هناك ومنع الإمدادات لداعش العراق. وكذلك لمنع التحاقها بداعش العراق والمحاربة إلى جانبهم في حربهم على المالكي. لكن الذي حصل هو أن داعش سوريا أطبقت الحصار على دير الزور وريفها لمنع المقاتلين هناك من التطوّع للقتال في العراق، كما حصل سابقاً في عام 2003. ومن جهة أخرى لقطع طريق إمداد جيش السنة في العراق بالسلاح من قبل ثوّار دير الزور. وكذلك لفتح الطريق أمام النظام لدعم الفصائل الشيعيّة في العراق، وكذلك لعودة المقاتلين العراقييّن إلى جيش المالكي.

قبل عدّة أيام دخل مقاتلون من داعش سوريّا إلى العراق، وكان عددهم 42 مقاتلاً، وقام جيش السنة في العراق بالقبض عليهم وإعدامهم جميعاً. وهذا دليل آخر على الانفصال بين الطرفين، وعدم وحدة أفكارهم في أن يكونوا من التنظيم نفسه. وعدا ذلك، وحتى كتابة هذه السطور، لم يعلن تنظيم داعش في سوريّا دعم الانتفاضة في العراق ضدّ المالكي.

الأمر إذاً واضح في عدم ارتباط تنظيم داعش في سوريّا بما يجري في العراق، وما إضفاء الصفة هذه على المقاتلين في العراق سوى من أجل نعتهم بالإرهاب الدمويّ، الذي اتصف به واستحقّه تنظيم أبي بكر البغداديّ في سوريّا.

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.