لعبة الأسد – المالكي … مع دولة داعش !

يتصرف بشار الأسد ونوري المالكي ، ومن خلفهما المرشد الإيراني علي خامنئي وأتباعه في لبنان واليمن والبحرين وغيرها، كما لو أن سيطرة تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» («داعش») على أجزاء من بلديهما تشكل خشبة الخلاص التي كانا ينتظرانها، بل وعملا من أجلها، للنجاة مما هما فيه في مواجهة شعبيهما منذ سنوات.

وهذه الحال لا تفسر فقط هروبهما معاً، ومنذ البدء، الى مقولة «الحرب الكونية» على سورية (الأسد) و «المؤامرة الخارجية» على العراق» (المالكي)، انما أيضاً تبادل الخدمات في ما بينهما على الشكل الآتي: تشكيل «داعش» أولاً في سورية وإرساله الى العراق بدعوى مقاومة الاحتلال الأميركي، ثم اعادة تصديره الى سورية بحجة وقف التدخلات الخارجية فيها، وصولاً في الأسابيع الأخيرة الى «اعطاء» هذا التنظيم، نعم إعطائه بقرار مسبق، رقعة أرض عبر حدود البلدين تبرر ليس فقط بقاء نظامي الأسد والمالكي، إنما أيضاً حربهما على هذا التنظيم وما يمثله من ارهاب محلي وإقليمي ودولي.

هل يخرج عن معنى «العطاء» هذا، تسليم «داعش» مدينة الموصل العراقية، وقبلها محافظة الأنبار، من دون اطلاق رصاصة واحدة عليه من قوات المالكي؟، أو حال عدم الاشتباك على مدى سنوات بينه وبين قوات بشار الأسد في سورية، واقتصار عملياته فيها على مقاتلة «الجيش السوري الحر» وطرده من المناطق التي يسيطر عليها؟، أو بعد ذلك حرية الحركة التي تمتع بها طيلة تلك الفترة ذهاباً وإياباً بين البلدين من دون رقيب أو حسيب؟

لقد سعى النظامان الحليفان، والعاملان في الآن ذاته بأمر «الولي الفقيه» الايراني، للوصول الى هذه الحال منذ بدء الثورة الشعبية في البلدين ضدهما… إنكاراً منهما لقيام ثورة في الأساس، فضلاً عما تمثله هذه الثورة من رفض متعاظم للنظامين من جهة أولى، واستدراجاً لدول العالم المكتوية بنار الارهاب للتغاضي عن حربهما الهمجية وغير المسبوقة رداً على هذه الثورة من جهة ثانية.

كان كلام المالكي على «الارهاب» خافتاً بالمقارنة مع زميله ورفيق دربه الأسد في الفترة السابقة، لسبب واحد هو أن الثورة ضده لم تكن قد اكتملت عناصرها أو اتسعت رقعتها بعد. لكن الأخير لم يكتم سراً بشأن هذا الهدف منذ اليوم الأول، لا سيما عندما أبلغ مؤتمر «جنيف 2» انه لم يأت اليه إلا من أجل تشكيل «جبهة عالمية لمحاربة الارهاب» في سورية، أي عملياً الثورة ضد النظام فيها.

لكن ماذا عن «داعش»، ومن خلفه «القاعدة»، والدور الذي قام به في المرحلة الأخيرة؟

قد يصعب اتهام «داعش» بأنه مجرد أداة في أيدي نظامي الأسد والمالكي، أو أنه لا يملك مشروعه للمنطقة، وللعراق وسورية بشكل خاص، الا أنه ليس صعباً العثور على دلائل على التقاء مصالح بين الطرفين وعلى أن ما حدث كان تجسيداً عملياً على الأرض لهذا الالتقاء.

ذلك أن هذا التنظيم يعرف أكثر من غيره، لا سيما في ظل خبرته الطويلة بالنظام في بغداد، انسداد الأفق تماماً أمام المالكي في الأعوام الماضية وحاجته تالياً الى محاولة فتح ثغرة في الجدار السنّي – الكردي – الشيعي المرتفع في وجهه. كما يعرف كذلك أن هذه الحاجة ازدادت بعد الثورة على حليفه في سورية، وهما في مركب ايراني واحد أصلاً، ولذلك فهو لم يفتح فقط حدود بلاده أمام «لواء أبو الفضل العبــاس» و«عصـائب الحق» وغيرهما للتوجه الى سورية والقتال مع الأسد، بل تغاضى حــتى عن عمليات «داعش» نفسها عبر الحدود وفي عمق الداخل السوري.

هكذا، استغل «داعش» مأزق المالكي والأسد ليقيم على حسابهما ما اعتبره نواة «الخلافة الاسلامية» في المنطقة، وما اعتبره النظامان من ناحيتهما مدخلاً لتوحيد معركتيهما ضد شعبيهما تحت مسمى «الحرب على الارهاب»، ودعوة العالم (بما فيه «الشيطان الأكبر» الأميركي هذه المرة) للوقوف الى جانبهما فيها… ومعها طبعاً تجاهل الثورة في سورية والعراق على نظامي العائلة والشخص، فضلاً عن الحرب التدميرية للشعبين والبلدين رداً على ذلك.

وما حدث إذا ليس سوى «معركة واحدة»… مع الارهاب وضده في آن واحد، ومع نظامي المالكي والأسد وضدهما في الوقت ذاته أيضاً. أما الضحية المستهدفة في الحالين، فهي ثورة الشعبين في سورية والعراق في المقام الأول، ومن خلفهما قضايا الحرية والعدالة والديموقراطية في المنطقة والعالم.

ذلك أنه لا حاجة للقول ان ما يمر به نظاما الأسد والمالكي هو دليل آخر على فشل ما سمّي دائماً مشروع ايران الاقليمي والدولي، ليس في سورية والعراق فقط وانما في المنطقة كلها، وأن ما قاما به عبر الحدود بين بلديهما في الفترة الأخيرة، بالتنسيق مع «داعش» أو من دون تنسيق مباشر، هو محاولة جديدة لإنقاذ نفسيهما (وانقاذ المشروع الأم طبعاً) من خلال اللعبة القديمة اياها: تكبير حجم «البديل» وتعظيم خطره على المنطقة وعلى العالم!

والأهم من ذلك بل الكارثي فعلاً، بخاصة اذا ما انطلت لعبة «تبادل المصالح» هذه على الآخرين، أن ما يسمى «الدولة الاسلامية» أو «الخلافة الاسلامية» لن تلبث أن تزول عاجلاً أو آجلاً لأنها غير قابلة للحياة أولاً وأخيراً، لا في العراق ولا في سورية، ولا حتى في الجزء الذي اقتطعته «داعش» لنفسها منهما، بينما يكون نظاما المالكي والأسد (عملياً «الولي الفقيه» وامتداداته في دول المنطقة) قد نجحا عبرها في مد عمرهما شهوراً وربما أعواماً أخرى.

ولا معنى لإعلان ايران عن مشاركتها المباشرة في القتال ضد «دولة داعش»، واستعدادها للتنسيق بشأنه مع الولايات المتحدة والدول الغربية، إلا هذا المعنى تحديداً وبشكل خاص.

الحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.