الغرب يتحمل مسؤولية هزيمة الجيش السوري الحر وتردده أطال عمر النظام

 تواجه فصائل المعارضة السورية المسلحة أزمة قد تؤدي لانهيار ما تبقى من عناصرها الأصلية، فهي أمام حملة عسكرية ذات بعدين، الأولى يقوم بها الجيش السوري في مدينة حلب حيث يتقدم في المناطق التي لا تزال بيد المعارضة المسلحة ويحاصرها في محاولة لعزلها كما فعل في الأحياء المحيطة بدمش ومدينة حمص، وفي الأتجاه الثاني يواجه المقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي يوسع مساحات نفوذه في سوريا معتمدا على العتاد والمال الذي حصل عليه من حملته في العراق.

وتقول صحيفة «فايننشال تايمز» إن المقاتلين الذين يحاولون إنهاء حكم أربعة عقود من عائلة الأسد يراقبون مناطقهم وهي تسقط إما بيد قوات النظام أو داعش، بل وخسر المقاتلون تنظيم جبهة النصرة لأهل الشام التي ظلت رغم كونها فرعا للقاعدة في سوريا تنسق مع فصائل المقاتلين. وتبدو جبهة النصرة اليوم مهتمة ببناء جيب إسلامي لها في داخل سوريا أكثر من اهتمامها بإنهاء حكم الأسد.

ونقل التقرير عن حسن الحسن، وهو معلق سوري يكتب في جريدة «ناشيونال» الإماراتية عن حالة المعارضة الرئيسية «يضربهم النظام في حلب شمالا، وسيطر داعش على دير الزور شرقا، فيما تتزايد قوة النصرة في درعا جنوبا».

ويضيف أن المعارضة تحتاج للعمل المشترك أكثر من أي وقت مضى، وتشعر بتهديد وجودي من داعش والنصرة.

وعليه ترى الفصائل المتشرذمة داخل المعارضة والتي رفضت في الماضي العمل معا في اندماجها مع بعضها البعض كخيار أخير يسمح لها بالبقاء على الساحة. وعليه تفهم دعوة الجبهة الإسلامية التي تعتبر من أكبر التحالفات داخل المعارضة السورية لمبادرة قد تؤدي لتنظيم عمل المقاتلين السوريين.

يقاتل على أكثر من جبهة

و في الوقت نفسه فتح تنظيم داعش عدة جبهات في الشمال والشرق، فهو يقوم بقتال فصائل الجيش الحر في بعض المناطق وفي مناطق أخرى، شرقا يقوم بعمليات ضد القوات الكردية التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي والذي تقوم وحدات «الحماية الشعبية» بالقتال بشدة مستعينة بالمتطوعين الأكراد الذين يتدفقون من الدول الجارة لسوريا، من العراق وتركيا وحتى من إيران.

ويشير التقرير إلى حالة الإحباط التي أصابت المقاتلين الذين وجدوا أنفسهم وسط الفوضى وقرروا ترك السلاح والخروج من سوريا، وفقد هؤلاء الأمل بإحياء الثورة في ظل تنافس الجماعات المقاتلة على تحديد مناطق نفوذ وسيطرة لها.

ويقول مقاتل وصل لتركيا بعد مسيرة طويلة في داخل سوريا «الجديدة» «لقد مررت بأربع بلدان حتى وصلت لتركيا: الدولة الإسلامية، بشار الأسد، دولة الأكراد ودولة عصابات المقاتلين السوريين».

وفي الوقت الذي توقف فيه تقدم داعش في العراق إلا أنه يواصل تقدمه في سوريا وهو مشغول بقتال فصائل الجيش الحر وليس مواجهة قوات الأسد التي تتقدم نحو مدينة حلب في محاولة منها لعزلها عن الشمال.

وكان الرئيس الأسد الذي قدم تعازيه للأمة العربية عن وفاة الربيع العربي قد أقسم لاستعادة حلب «فلن تهدأ عقولنا حتى تعود حلب للأمن والأمان».

وتعني استعادة حلب سيطرة النظام على كبرى المدن في سوريا خرجت عن سيطرة الحكومة لصالح المعارضة، فيما خسرت هذه مدينة الرقة لداعش التي تسيطر أيضا على نسبة 90٪ من محافظة الزور النفطية، أي باستثناء قاعدة جوية والمدينة نفسها. ويعتقد ناشطون قيام الجيش السوري بالتخلي عن هذه لداعش.

خلافات مستمرة

ولا يمكن رد تقدم داعش في سوريا إلى كفاءة وتسليح مقاتليه فقط بل وبسبب الخلافات التي تعاني منها المعارضة المعتدلة ومشاكلها المالية وغياب الدعم الخارجي لفصائلها، حيث ركزت دول الخليج والولايات المتحدة على عدد بسيط من الجماعات التي تم التحقق من هويتها الأمنية كي تقوم بالتالي بإضعاف الجماعات الجهادية، فسياسة تقليل الدعم عن الجماعات المقاتلة يعمل ضدها وليس في صالحها، هو ما دفع بعدد من الفصائل التي خسرت الدعم الخارجي وجفت منابعها لأداء قسم البيعة للخلافة الجديدة التي أعلن عنها أبو بكر البغدادي في الموصل.

ووسط هذه المشاكل التي تعاني منها داعش تتحرك جبهة النصرة جنوبا قرب الحدود الأردنية وتعزز من وجودها في مناطق جنوب- غرب محافظة إدلب. وينقل عن ناشط قوله إن الجبهة تقوم بتحصين هذه المناطق حتى تتجنب مصيرا مثل حلب، وهم يقومون بإنشاء منطقة «تصلح لإقامة إمارة».

وأدت «معضلة» داعش واستمرار الأسد في السلطة لتجدد الجدل على الأقل في الصحافة الغربية ومراكز البحث حول إمكانية مد اليد للرئيس الأسد والتعاون معه ضد داعش كأسوأ الشرين. وهناك بوادر تحرك من النظام ضد داعش وذلك بإيعاز من النظام الإيراني الخائف على مصالحه في العراق.

ويرى المعلق روجر بويز في صحيفة «التايمز» أن الحديث عن تحالف مع الأسد ضد داعش يسيء فهم أصل المشكلة النابعة من الأسد نفسه ومن الغربالذي تخلى عن المعارضة. فمن أهم مظاهر فشل الأسد هي الأزمة الإنسانية الضخمة التي ساهم في خلقها، فهناك 11 مليون نسمة- أي نصف السكان- إما يعيشون في مخيمات اللاجئين خارج البلاد أو مشردين في داخل سوريا، وهناك الكثير ممن يعيشون في مناطق المعارضة ممن لم يستطيعوا الحصول على المساعدات الإنسانية.

وبالنسبة لهم فسبعة أعوام أخرى في ظل الأسد تشبه قصة المجاعة في التوراة. أما بالنسبة للغرب، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا فقد لعبتا دورا أطال عمر الأسد في الحكم عندما قررتا منع وصول السلاح للجماعات المعارضة، مما فتح المجال أمام التوسع السريع للمقاتلين المدربين بشكل جيد من جبهة النصرة وداعش. ورغم ضعف قوات الجيش السوري الحر إلا أنه يقاتل على جبهتين: ضد الأسد وضد داعش.

وربما قرر الأسد ضرب داعش بإيعاز من إيران لكن أي «طبخة» تعد في القصر مع مستشاريه الروس والإيرانيين تهدف لحماية نظام الأسد، فبعد كل هذا حكم حافظ والد بشار سوريا لثلاثة عقود، ولا يزال الرئيس الحالي شابا مما يعني سنوات أطول.

وجاء تعليق بويز في ضوء أداء الأسد اليمين لتولي الرئاسة لجمهورية سوريا «المتخيلة» لأن كل ما حول الرئيس يتداعى، والناس حوله إما ميتون أو لاجئون.

وعلى ما يبدو فطبيب العيون المتدرب في بريطانيا لا يرى ما حوله. وأشار الكاتب إلى حديث الأسد المتكرر عن فشل الأسد بالإطاحة به وعدم وجود معارض قوي له قادر على توحيد البلاد وحمايتها مثله. مما يفتح المجال أمام الحديث عن السيناريو الأسوأ وهو التحالف معه لهزيمة داعش.

ويذكر الكاتب هنا بما قاله السفير الأمريكي السابق في العراق وسوريا ريان كروكر الذي قال «قد نضطر لأكل كلامنا» «ومهما كان سوء النظام فهناك شيء أسوأ منه، وهي العناصر المتطرفة في المعارضة».

ويرى بويز هنا إن الأسد ضمن عبر الآلة الأمنية حماية عائلته، ولم تنقطع عنه المساعدات الروسية فيما لا تتوقف الرحلات اليومية بين طهران ودمشق حيث ترسل له إيران مستشاري، المال والمواد الطبية للنخبة الحاكمة. واستطاع عبر هذه المساعدات ضمان النخبة العلوية وعزز سيطرته على الممر الإستراتيجي من دمشق، واستعاد مدنا بمن فيها حمص وتقوم قواته بمحاصرة حلب. كل هذا والبلد ينهار، فالإقتصاد في حالة سيئة ولا توجد بنية للإعمار ولا أمل في عودة الإستثمارات الأجنبية.

وليس غريبا أن يرتد النظام على داعش بعد اتهامه برعايته أو غض النظر عن نشاطاته. وقد أدى صعود نجم التنظيم هذا لنقاش حار بين النخب العربية- صحافيون وعلماء دين وناس عاديون .

وعلقت رولا خلف في «فايننشال تايمز» عن المعضلة التي فرضها داعش على العرب وأن التنظيم يمثل مشكلة عربية، حيث استفاقت الأمة من حالة الإنكار التي تعيش فيها. فقد أشعل صعود التنظيم كما تقول نقاشا حارا تساءل فيه المعلقون وعلماء الدين والناس العاديين «ماذا جرى لنا؟»، ويعكس النقاش كما تقول حالة اليأس التي تعيشها المجتمعات التي هزتها ثلاثة أعوام من الفوضى بعد ثورات سلمية رفعت آمال الناس بمستقبل جميل ولأول مرة منذ عقود طويلة. وترى أيضا أن النقاش يعكس خوفا وجوديا وضرورة تعامل المجتمعات والحكومات مع خطر داعش بطريقة جدية وإلا انجذب إليها وطريقتها البربرية أعداد جديدة من الشباب مما سيؤدي لانهيار وتفكك كل المنطقة. ومع ان داعش يمثل أقلية صغيرة لكنه نجح في الحصول على دعم وتعاطف السنة في العراق الذين يفضلون حكم التنظيم على حكم نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي.

وتقول إن بعض القبائل السنية في العراق التي دعمت داعش تحظى بدعم منالسعودية وحلفائها الخليجيين المهتمين بالتخلص من المالكي أكثر من صعود داعش.

داعش يحصل على الدعم الغربي

في سياق مختلف كشفت صحيفة «إندبندنت» البريطانية عن وصول المساعدات الإنسانية التي يرسلها الغرب لسوريا لمناطق واقعة تحت سيطرة التنظيم مثل منبج وجرابلوس والرقة.

وقالت الصحيفة إن الدواء والغذاء الذي تتبرع به الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية يصل لهذه المدن التي شهدت ممارسات وحشية من تنظيم داعش.

وقالت الصحيفة إن الدعم الذي انفقت عليه الحكومات الغربية ملايين الدولارات يتكون من مواد طبيعة وأطعمة ومستلزمات للنظافة. ويتم نقل المواد من خلال المعابر الحدودية التي لا تزال تعمل في تركيا من الريحانية وكلس.

وتضيف إن منظمات إغاثية دولية مثل «ميرسي كوربس انترناشونال» و»المجلس النرويجي للاجئين» و»وولد فيجين»، و»اللجنة الدولية للإغاثة» و»برنامج الغذاء العالمي» التابع للامم المتحدة تقوم بتوفير المواد الإغاثية لمئات الألوف من السكان الذين يعيشون في الدولة الإسلامية التي اعلنت عن نفسها، وهي المناطق التي يمارس فيها داعش سلطة دينية قاسية. ونقلت الصحيفة عن عامل إغاثة غربي «لدينا عدد من الشاحنات التي تذهب مباشرة لمناطق داعش، ومعظم شاحناتنا تمر عبر الحدود التركية قرب كلس، وأحيانا تتوقف في الطريق، وعلينا الإنتظار لثلاث أسابيع للوصول إلى هناك إذا توقفت بسبب الحرب، وفصائل المعارضة ليست راضية عن إرسالنا الإغاثة من خلال نقاط التفتيش التابعة لداعش.

ويقول إن هدف الإغاثة هو دعم العائلات المحتاجة وليس دعم داعش. وتلقت ميرسي كوربس إنترناشونال التي لديها مراكز في بريطانيا والولايات المتحدة مبلغ 27.3 مليون جنيه إسترليني من وزارة التنمية والتطورير الدولية للقيام بنشاطات إنسانية في سوريا.

ونقل عن متحدثة باسم المنظمة قولها «نقوم بتوزيع الدعم الأساسي لمئات الألاف من المدنيين ممن يعيشون في كل مناطق النزاع بعيدا عن عرقهم، دينهم أو ولاءهم السياسي، كمنظمة إنسانية مستقلة ومحايدة وهذا هو عملنا».

وفي الوقت الذي يعتمد فيه داعش على وسائل التواصل الإجتماعي لإظهار وحشيته فإنه يقوم باستخدام نفس الوسائل لإظهار نشاطاته في مجال مساعدة السكان وتوفير المواد الأساسية لهم. وكانت قدرة التنظيمع على توفير المواد المجانية والنفط المجاني سببا في تقبل السكان حكم التنظيم.

وقال متحدث باسم وزارة التنمية والتطوير الدولي البريطانية «نقوم بتوفير مساعدات لإنقاذ حياة الناس بناء على المبادئ الدولية للإغاثة الإنسانية.

ويقول عمال إغاثة أن داعش الذي قام في السابق باختطاف صحافيين يسمح لهم بالعمل بحرية في المناطق الواقعة تحت سيطرته «هم سعداء ويسمحون لنا بالعمل في معظم الوقت بدون شروط مسبقة».

ولا يتسامح التنظيم فقط مع عمال الإغاثة بل ويحاول جذ ب الأطباء، وبحسب طبيب سوري يعمل مع المجلس النرويجي للاجئين في الرقة «يحاولون شراء الناس واحدا بعد الآخرـ ويعرضون على الأطباء مبالغ تصل إلى 100.000 ليرة سورية أي ما يعادل (390 جنيه إسترليني) وهو مبلغ كبير.

ويقول «في البداية كانوا يأخذون أي مساعدة مجانية، ولكن منذ إعلانهم الخلافة فقد بدأوا بإدارة خدماتهم حتى تبدو وكأنها دولة».

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.