يثب

بعد الإطلاع والمداولة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

بعد الإطلاع والمداولة في مسرح وكواليس عملية الحل السياسي في سوريا نطلعكم على عناوينها العامة … مع أننا هنا نخرق قليلا  آداب المجالس وأماناتها ، لكن بدافع واحد هو التزامنا الأهم بمكاشفة أصحاب الشأن الحقيقيين الذين استبعدوا كليا من تقرير مصيرهم ، لذلك سنركز فقط على الأفكار الأساسية دون تحديد الشخصيات:

  • – هناك خوف دولي كبير من الانجرار للحرب والتصادم بسبب الصراع على سوريا وفيها ، وهناك خوف (مبالغ به ومستخدم تجاريا ) من الارهاب يشرعن تدخلهم الذي يحركه في الحقيقة رغبتهم في فرض نفوذهم وسيطرتهم .. هذا يجعل الجهود المبذولة للسير في مسار الحل كبيرة وجدية من قبل الدولتين الكبرى الأكثر تضررا من هذا الصدام لو حصل، والقادرة على اخضاع كل الدول الاقليمية مهما تبجحت هذه الدول…
  • – بسبب ذلك نشطت بشكل ملحوظ جدا الاتصالات والتداولات بين كل الأجهزة الأمنية في كل الدول المعنية بطريقة توحي بتشكل تروست أمني دولي قافز فوق الحدود والاعتبارات السياسية ، يمكن تسميته بعولمة الأمن بالتوازي مع عولمة الارهاب .. نشير هنا كمثال لتحرك علي مملوك بصفته رئيس مكتب الأمن القومي السوري ولقاءاته الودية مع كل أجهزة الأمن المعادية العربية والأجنبية بما فيها اسرائيل.
  • – الانخراط في مسار فيينا يعني وبشكل ملزم القبول ببيانها الذي نص على أولوية محاربة الارهاب ، ونص على بقاء بشار رئيسا شرعيا لمدة 18 شهر ، حيث نجح الروس في اقناع المجتمعين أن رحيل الأسد سيخلق حالة فراغ طويلة تؤخر الجهود في محاربة الارهاب ، وأن الأفضل للدول هو توحيد المعارضة المعتدلة وجرها للعمل مع النظام الحالي عن طريق التفاوض معه ، وألغى كليا أي فكرة محاسبة أو عدالة، متجاهلا مشاعر وتضحيات السوريين كليا وبطريقة مشينة ، وكل ذلك كرسة قرار مجلس الأمن 2254 . و من يقول أو يحمل مطالب غير هذه فهو يذهب للمكان والعنوان الخطأ ويسير على الدرب المضيع … أو يزاود بل يكذب .
  • – كل ما قبلت وستقبل به (المعارضة الوكيلة) من بيان جنيف وحتى بيان فيينا أو مجلس الأمن ، لم ترض عنه لأنه يحقق مطالب الثورة بل لأنها مرغمة على ذلك كما تدعي بضغط متعلق بتقديم الدعم المادي والعسكري للداخل ، وأهم منه الرعاية والحضانة التي تقدم للشخصيات التي انتدبت من قبل الدول لتمثيل الشعب السوري في الخارج والتي يغلب عليها طابع الانتهازية بحكم بعدها عن سوريا وعن معاناة أهلها وتضحياتهم التي تحولت لتجارة . وتجربة خمس سنوات مع ذات الشخوص في كل الهيئات كافية لتوليد قناعة نهائية.
  • – آلية الضغط والاستلاب هذه ستبقى فعالة جدا وتتسبب في استمرار التنازلات السياسية من دون نهاية ، لذلك لا تصدقوا أي خطاب رفض أو ممانعة يطلقه هذا أو ذاك من داخل هذه الهيئات أو من هذه الشخصيات …
  • – اختيار هيئة التفاوض العليا اعتمد فقط معيارا واحدا هو الشخصيات الموثوقة التبعية لهذه الأجهزة والتي لا تخرج عن السيطرة (ولا تضرب من رأسها )، والتي ارتهنت كليا للأجهزة ووضعت كل أوراقها في يدها ، والتي لا تمتلك رصيدا شخصيا يمكنها من التمرد أو ترك هامش للمناورة … مع استثناء امكانية صحوة ضمير لشخص أو شخصين يمكن استبدالهم بسهولة دون أن تؤثر استقالتهم أو انسحابهم الانتحاري على مسار العملية، لوجود حشد هائل من الانتهازيين المنتظرين على الدور ممن تخرجوا من مدرسة وثقافة الأسد والبعث وغيره .
  • – بعض الدول التي دخلت في التروست الأمني شعرت أنها مستبعدة قليلا من التمثيل في هذه الهيئة التفاوضية لذلك ستحاول اضافة المزيد من وكلائها للوفد عبر ديمستورا .
  • – عندما يستكمل تشكيل الوفد بمداولات بين مخابرات الدول ، وبمجرد انعقاد المؤتمر البروتوكولي الاستعراضي .. سيكون مجلس الأمن جاهزا لاعلان وقف اطلاق النار من طرف واحد ، والذي لن يشمل استهداف معظم قوى المعارضة الفاعلة ( الإرهابية وفقا للتصنيف الأمني الدولي وليس الأردني لها ) ، والذي سيعني استمرار القصف عليها من كل جيوش العالم ، وقطع كل أشكال الدعم المادي والمعنوي والعسكري للمعارضة ، مع استمرار تدفقها على جيش النظام وحلفائه من الميليشيات الارهابية والمرتزقة من المعارضة فقط . لذلك لا تصدقوا وعود الدعم التي أطلقها الأمراء العرب ، الذين يتوهمون المراهنة على استخدام فشل المفاوضات لتبرير تقديم المساعدات ( أي مقولة أن يرحل الأسد بالتفاوض أو الحرب ) فهذا غير صحيح اجرائيا ولن يمكنهم تنفيذه عمليا، إلا إذا ألغي القبول بالمسار السياسي، واندلع صراع اقليمي ودولي واسع، مع الاعتذار من الجبير والمملكة.
  • – لا يهم الدول كثيرا بعد انعقاد المؤتمر أن يحدث تقدم في مسار المفاوضات ، فهي مصممة لكسب وقت كافي وشرعية للمسار الحقيقي الذي سيجري على الأرض لترتيب الأوضاع العسكرية فيها ، وهنا سيقع الحمل الأكبر على هذه المجموعات ( الارهابية ) التي نعترض على تصنيفها وتوصيفها وطريقة التعامل معها ، والتي لا يجب أن نخلي ظهورها كي لا تحدث حالة من اليأس تؤدي لانهيارها … لأنها ماتزال وفقا لكل المقاييس قادرة بإذن الله على وقف تقدم النظام، بالنظر لاندماجها بالحاضنة الاجتماعية و لغياب القوى البرية القادرة على هزيمتها . فما يزال التحالف الدولي والنظام يعتمد بشكل أساسي على المرتزقة في مواجهتها. والقصف الجوي غير فاعل ويستهدف المدنيين أساسا .
  • – تستطيع قوى الشعب الحقيقية والوطنيين السوريين التحرك الاعلامي والسياسي بالتفاعل مع الحاضنة الشعبية ، والنشاط المنسق معا من أجل اظهار جرائم النظام وكشف الحقائق والضغط الفاعل على مسار التسوية والتفاوض وأهم منه على مسار الأحداث على الأرض .
  • – مواكبة الحدث تتطلب تشكيل هيئة ظل من الوطنيين السوريين … تتواجد في ذات مكان التفاوض وتقوم بنشاطها المتناغم مع ما يجري مستفيدة من التركيز الاعلامي والاهتمام الدولي ، وتركز على الموضوعات الانسانية ( فك الحصار تقديم المساعدات ، عودة اللاجئين والمشردين ) ومنع التغيير الديموغرافي . وهذا مهم جدا على المدى الاستراتيجي لأنه متعلق باستعادة الحاضنة الاجتماعية للثورة واعادتها لساحة الفعل السياسي السلمي المحروس بوقف اطلاق النار إن صدقوا .
  • – ومن المهم أن لا يقبل الجيش الحر بحل نفسه أو الاندماج مع جيش النظام ، لأن دوره في حماية المدنيين مهم جدا ، وعليه ترك خط الرجعة مفتوحا في حال انهار وقف اطلاق النار واستمر النظام في القمع واستهداف المدنيين .
  • – من المهم جدا الوقوف في وجه تغييب العدالة الناجم عن هذا التوصيف العاهر للصراع في سوريا الذي لا ينظر لها كقضية جرائم وجنايات ارتكبتها سلطة غاصبة ، وأيضا هذا التصنيف للقوى الموجودة على الأرض . وفتح ملفات جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وفضح النفاق واحراج الدول أمام المجتمع الانساني … واستعادة دور الحاضنة الاجتماعية للثورة وتفعيل دورها السياسي والجماهيري ، بحماية وضمانة الجيش الحر ، وهذا السلاح قوي وفعال وقد يكون حاسما … لذلك ستحاول أجهزة أمن الدول تمرير العملية بأكبر قدر من التدليس والخداع والسرية والتكتم واستبعاد الشعب عنها ، ودورنا هو العكس .
  • – يجب أن نفهم ببساطة أن الضغوط الدولية للحل (الذي لا يمكن سلفا تحديد شكله) ستقع أكثر على الطرف الذي يظهر ضعفا … وصمودنا هو من يجير شكل هذا الحل لصالحنا . واللعبة هي لعبة عض أصابع … فلنتذكر ضحايانا وعذاباتنا وشهدائنا دوما .
  • – الثورة مستمرة ولا مبرر موضوعي لليأس مع ضرورة تغيير شكلها ووسائلها وتجاوز عيوبها وأخطائها … ويبقى الشعب السوري هو اللاعب الأهم في رسم مستقبل سوريا التي نحب ، ولن تضيع أهداف الثورة وتضحياتها مهما بلغ حجم التلاعب والنفاق والعهر والخيانة المبطنة …

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.