د. كمال اللبواني
لا تستغربوا عندما نقول أن علي مملوك كان ممثلا في الائتلاف المعارض ، ولا تستغربوا أننا كنا نعتبر مجموعة من أعضائه ممثلين للنظام في المعارضة أسوة بهيئة التنسيق التي تمثل المعارضة في النظام ، مع فارق أن النظام يخفي عن المعارضة والشعب كل شيء ، بينما كانت كتلة علي مملوك في الائتلاف ( كما كنا نسميها ) تقدم له تسجيلا كاملا لاجتماعاتنا حتى قبل أن تنتهي الجلسة …
فالموضوع ليس مجرد اختراق أمني ، بل كتلة كبيرة تعمل عن قناعة والتزام ضميري مع النظام ، وأحيانا لا تخفي مواقفها المتطابقة معه، لذلك لم يجد هذا الائتلاف أي صعوبة في القبول بالحوار مع الأسد بشرط مسبق وحيد أن ينظر في عيون أطفاله ، ولم تمانع من عقد جولات التفاوض معه وهو مستمر في القتل والقصف والتهجير ، ولا من التعاون والتحالف مع معارضة النظام التي أرسلها النظام والروس ليستكملوا سيطرتهم العددية على جسد المعارضة ، والذين انضموا للهيئة التفاوضية فيما بعد ، وكل ذلك في مسعى لتسهيل انجاز الحل السياسي الذي يبقي على النظام … حتى بدت عملية التفاوض في جنيف بمظهر يؤكد أن النظام يحاور النظام ، وخلت الهيئة تقريبا من المعارضة لولا أن وافقت الفصائل الإسلامية المتمولة من الدول الخليجية على الحضور، تنفيذا لتعليمات الدول الممولة التي تعهدت بذلك في اتفاق فيينا ، مما أعطى صورة تجميلية على وفد الهيئة وعرقل جزئيا توقيع صك الاستسلام الذي يعده كيري ولافروف ويسوقه دي مستورا ، والذي قبلت به المعارضة مسبقا قبل أن تقرأه .
المصيبة ليست في تبعية أعضاء الائتلاف للدول الأجنبية وليس للشعب السوري ، ولا في اختراق النظام لهذه المؤسسة المعارضة ( الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري ) والخيمة السياسية لكافة قوى الثورة والمعارضة ، المصيبة أن على مملوك ذاته لم يعد يطلع على التقارير القادمة إليه من الائتلاف … فقد وجد فيها مقدارا من التفاهة تجعل من قراءتها مضيعة للوقت . وذلك بحسب معلومات واردة من أجهزة مخابرات لا تراقب فقط الائتلاف وأعضائه وحساباتهم وبطاقاتهم المصرفية وهواتفهم الغبية ، بل تراقب أيضا مكاتب المسؤولين في سوريا على مدار الساعة .
احجام علي مملوك عن قراءة تقارير أعضاء الائتلاف التي يرسلونها له هي حقيقة حدثت وليست نكتة ولا مزحة ، فقد أوردوها أمامنا كدليل عن غياب فعالية المعارضة المعتدلة التي اعترفت بها دولهم وأيدتها ، والتي بحسب وجهة نظرهم ألغت نفسها وسلمت أوراقها على الأرض للنظام والتطرف ، فأصبحوا مخيرين بين هذا وذاك ، فاختاروا الشر الأقل عليهم كون النظام يقتل شعبه فقط ، وصار على ما تبقى من معارضة تعمل بأمر الدول اللحاق بركب هذا النظام الذي سيقود المرحلة الانتقالية بنفسه ، تماما كما أعاد المجلس الوطني هيكلة نفسه بنفسه ولنفسه .
طبعا كان ردنا بسيطا ( أنتم من اخترتم وصنعتم هذه الخرق السياسية لتمسحوا بها … ) فقالوا : أنتم ثورة عفوية على نظام قمعي عسكري له حلفاء يدعمونه وأوشكتم على اسقاطه ، فكيف لا تستطيعون اسقاط أشخاص مقيمين في فندق في عاصمة أجنبية ليس لديهم عمل سوى تناول الوجبات واصدار التعليقات … هل فرضتم قيادة تمثلكم لها رصيد في الأرض ولم نتعامل معها ؟ أين هي المعارضة السورية المعتدلة ( اعطونا عنوان شخص رقم هاتف مؤسسة … ؟ لا يوجد من نتعامل معه بكل أسف )
المصيبة أن هذه الكارثة التي اسمها الائتلاف قد فشلت تماما في إنجاز أي مهمة من مهامها بل عطلت غيرها عن القيام بها … ووصلت بتمثيل الشعب السوري والمعارضة المعتدلة للحضيض . حتى أن النظام نفسه صار يتجاهلهم بعد أن تجاهلهم الاعلام والمسؤولين والسفراء … وأصبحت صورهم لا تبث الحماس في صفوف الثائرين ، بل تثير القرف في صفوف المعترين ، وتجعلهم يتقيأون حتى لو كانت معدتهم خاوية بسبب التجويع ، بعكس القاطنين بفنادق استانبول ، لتمثيل معاناتهم…
إلى هذه الدرجة من التفاهة وصل حال المعارضة المعتدلة والائتلاف الممثل للثورة والشعب ، الذي كان فساده وفشله من أسباب تعثرها وتعاسته …
يا جماعة … حتى علي مملوك (المولع بالتجسس والتلصص) فقدَ القدرة على قراءة تقارير الائتلاف المعارض الذي يعلن أنه يقود ثورة لإسقط نظامه وسوقه للمحاكمة … فاطمئنان علي مملوك لا ينبع عن مقولة (عدلت فأمنت.. فمنت قرير العين ) بل عن قول الشاعر :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا فابشر بطول سلامة يا مربع
ما شاء الله على هذه الخيمة وهذه المعارضة ، التي يتمسك بكراسيها من يدعون احتراف السياسة والمعارضة والوطنية والفكر والتنظير … ويطرحون أنفسهم كقادة لسوريا الجديدة … التي حصل معها ما حصل لحمارة أم عمر .
فقد ذهب الحمار بأم عمر فلا رجعت ولا رجع الحمار
وحال الائتلاف مع سوريا كحال من ضيع جحشة خالته التي استعارها ، إن وجدها جيد وإن لم يجدها جيد أيضا …
هنا قد يسأل سائل يعمل بعقلية المخابرات عن أسماء أعضاء الائتلاف الذين يكتبون لعلي مملوك … فنطمئنه أن البعض منهم قد وصل فعلا لرئاسة الائتلاف ذاته وإلى أمانته العامة .. ووو … لكننا نهتم كسياسيين ليس فقط بتردي الحال الأمني بالمعارضة ، بل بما هو أخطر أي بتردي الحال السياسي جملة ، والذي جعل من هذا الائتلاف مسخرة بل عاراً على الشعب السوري الذي يخوض أشرس معركة وجود بالدم والدموع ، من دون أن يجد قيادة مخلصة تمثله في هذا الظرف الصعب …
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى حمارا له ما من زمالته بد